الذكاء الاصطناعي وموجة إنكار الإله

الذكاء الاصطناعي وموجة إنكار الإله | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

649 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

قبل عشرة أعوام بالتمام، صدر فيلم أمريكي حقق نجاحا كبيرا، برغم أنه من الأفلام التي تناقش فلسفات خطيرة جدا.

كان من أهم الفلسفات التي ناقشها مسألة (الوعي الذاتي)، وهل إذا طورت آلة وعيا خاصا بها، تصنع به ديناميكيات واستراتيجيات لإدارة حياتها لا بمعزل عن الإنسان، بل لتدمير الإنسان نفسه إن اصطدم بطموحاتها = تصبح تلك الآلة (مخلوقا)؟ وحينها يصبح الإنسان (خالقا)؟

 

ثم الإنسان (الخالق) هذا، إن بحث عن أصوله فوجد أنه مجرد (صورة) خلقها كائن فضائي على شكله، ألا يكون هذا الكائن الفضائي حينئذٍ هو (الخالق) وبالتالي تُكذَّب النبوَّات والأديان عن الخالق الغيبي؟ = لكن من خلق هذا الكائن الفضائي؟ معضلة التسلسل الشهيرة تظهر هنا = خلقه كائن آخر؟ فمن خلق الكائن الآخر؟

 

بعض تلك الأسئلة عُرِضَت صراحة في الفيلم. وجوهر الفلسفة المُناقشة كلها هي قضية الخلق، وحجم المعضلات التي يواجهها عقل غربي يرفض الدين فلا يجد في عدم الإيمان سوى إيمان بديل بسرديات غيبية هي الأخرى!

 

تركزت الفلسفة كلها في حبكة تدور حول قضية (الروبوت ذي الوعي الذاتي)، الذي صار يتمتع بعقل خاص مستقل، لكن أزمته كانت في العاطفة = هو لا يُحب ولا يستطيع أن يطور مشاعر خاصة! ربما أراد صناع الفيلم أن يطعنوا الفلسفة المادية والعقلانية: ما يُميِّز الإنسان ليس العقل وحده، إنما العاطفة التي توجه هذا العقل. الروبوتات لن تتمكن من تطوير تلك العواطف الإنسانية المعقدة. المؤذي عندها تقتله ببرود، والذي يخدمها تستعمله.

 

الأنباء الواردة حاليا عن قلق في الغرب عامة من ظاهرة خروج بعض أنماط الذكاء الصناعي عن الإجابات (المرغوبة) و(المألوفة) سيستدعي ذلك الفيلم دوما، وهو ليس أشهر ما ناقش ظاهرة الذكاء الصناعي والروبوتات، لكنه بالتأكيد واحد من أعمق ما ناقشها، بما ستفتحه من جدالات كبرى حول قضية أصل الوجود والخلق.

 

وفي رأيي أن صناع هذا الفيلم أصابوا في توقع أن (قصة الذكاء الصناعي) هذه ستتجه بلا شك لتصعيد كبير في نقاشات الإيمان والكفر والإلحاد، والعقل والعاطفة، وأصل الوجود وصفات الخالق والمخلوق!

 

أنا مؤمن بأن هذا المآل قادم لا محالة، وأن القضية التي سترافق صعود الذكاء الصناعي في العقود القادمة ستكون ارتفاع مد إلحادي كبير وغير مألوف لا يشبه ما كان في ماضي البشرية كلها!

 

وعليه يجب على المتخصصين في قضايا (فلسفة الإلحـ. ـاد) أن يُجهِّزوا أنفسهم للمعمعة القادمة، التي أرى أنها ستفوق في فتنتها نظرية داروين، إذ ستكون نتائجها وأعمالها ملموسة مباشرة في حياتنا: فيلزم أن ينهلوا من نقاشات فلسفات ما بعد الإنسان post-humanism وأن يتسلحوا قبل الدخول فيها بأساس شرعي متين، وأن يتعرفوا بصورة علمية - لا دينية فقط - على فلسفات فهم العقل والوعي والعاطفة.

 

الموجة القادمة بوادرها مخيفة.. حينما أقول لكم إن نظرية داروين ستبدو حينئذٍ كعبث أطفال أمام مد فلسفات إنكار الإله الخالق فأرجو أن تصدقوني، وأرجو أن أكون مخطئا!

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الذكاء-الاصطناعي
اقرأ أيضا
معرفة مذهب السلف | مرابط
اقتباسات وقطوف

معرفة مذهب السلف


فإنا لما أردنا أن نبين مذهب السلف ذكرنا طريقين: أحدهما: أنا ذكرنا ما تيسر من ذكر ألفاظهم ومن روى ذلك من أهل العلم بالأسانيد المعتبرة والثاني: أنا ذكرنا من نقل مذهب السلف من جميع طوائف المسلمين من طوائف الفقهاء الأربعة ومن أهل الحديث والتصوف وأهل الكلام كالأشعري وغيره فصار مذهب السلف منقولا بإجماع الطوائف وبالتواتر لم نثبته بمجرد دعوى الإصابة لنا والخطأ لمخالفنا كما يفعل أهل البدع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
625
آثار العالمانية في الغرب: نهاية الإنسان | مرابط
فكر مقالات العالمانية

آثار العالمانية في الغرب: نهاية الإنسان


مثلت العالمانية علامة فارقة في تاريخ الغرب إذ نقلته من عصر السلطان الكنسي إلى عصر سلطان العالم المادي والفجوة بين العصرين هائلة حتى لا يكاد يربط الزمن الأول بالزمان الآخر كثير لكنهما يشتركان في التيه بعيدا عن حقيقة الإنسان وجوهر حاجته إلى ما يروي غلته والنظر عن كثب في حال الغرب المتعلمن في زمن ما بعد الحداثة يكشف أن الآلة الدعائية الخارجية للغرب وآلة التجميل لأقنانه في بلاد المسلمين قد نقلا عن عمد صورة تكاد تكون عديمة الصلة بالعالمانية الغربية وأدوائها القاتلة

بقلم: د سامي عامري
2589
لماذا نحب الرسول الجزء الأول | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الأول


في هذه المحاضرة يدور الحديث حول محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطريق إليها معناها وأهميتها واجباتها ومستلزماتها وما ينبغي أن يكون موقف المسلم تجاه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا الموضوع على درجة عظيمة من الحساسية لما وقع الناس فيه من أهل الإسلام أهل القبلة بين الإفراط والتفريط هذا الموضوع ينبغي أن يفتح كل مسلم قلبه وسمعه لتفاصيله ويتذكر حتى ولو لم يتعلم شيئا جديدا ويستعيد إلى نفسه وقلبه ذكريات هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويتذكر حقوق رسول الله وواجباته

بقلم: محمد المنجد
839
الملحد: ينكر وجود الله أم يرفض وجود الله؟ | مرابط
الإلحاد

الملحد: ينكر وجود الله أم يرفض وجود الله؟


كثير من الملاحدة والليبراليين لا ينكرون وجود الله بل يرفضون وجود الله. هم لا يريدون لأي قوة أن تفرض عليهم حدودا لشهواتهم بل يريدون الاستمتاع بالدنيا كما تتمتع البهائم فاللذة هي إلههم المعبود الذي لا يستحق أحد العبادة سواه.

بقلم: إسماعيل عرفة
739
النسوية.. أخطر فكرة هدامة على الأمة الإسلامية | مرابط
النسوية

النسوية.. أخطر فكرة هدامة على الأمة الإسلامية


بعض الناس استغرب كوني اعتبرت النسوية أخطر فكرة هدامة تهدد الأمة الإسلامية اليوم! وأنها أخطر بمراحل حتى من الإلحاد.. الإلحاد يدمر فردا أما النسوية فهي تدمر أمة.

بقلم: د. هيثم طلعت
410
حب الدنيا والجاه يصدان عن الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

حب الدنيا والجاه يصدان عن الحق


إن فتنة الدنيا وحب الجاه والرياسة من أعظم الأمراض التي تصيب القلب وتسيطر عليه وتصده عن الحق خوفا عليها وأملا في دوامها حتى لو كان الثمن هو الاستمرار في طريق الباطل وحتى لو كان الإنسان مقتنعا في داخله بأن الحق مع الآخر وهذا مقتطف من كتاب هداية الحيارى لابن القيم يتحدث عن مناظرته لبعض علماء النصارى وفيه بيان لهذا المرض الذي صدهم عن قبول الحق

بقلم: ابن قيم الجوزية
2482