مبنى الدين على قاعدتين: الذكر والشكر

مبنى الدين على قاعدتين: الذكر والشكر | مرابط

الكاتب: ابن القيم

982 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

فصل مبْنى الدّين على قاعدتين: الذّكر وَالشُّكْر؛

قَالَ تَعَالَى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تكفرون} وَقَالَ النَّبِي لِمعَاذ وَالله إِنِّي لَأحبك فَلَا تنسى أَن تَقول دبر كل صَلَاة اللَّهُمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك وَلَيْسَ المُرَاد بِالذكر مُجَرّد الذّكر اللِّسَان بل الذّكر القلبي واللساني وَذكره يتَضَمَّن ذكر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَذكر أمره وَنَهْيه وَذكره بِكَلَامِهِ وَذَلِكَ يسْتَلْزم مَعْرفَته وَالْإِيمَان بِهِ وبصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله وَالثنَاء عَلَيْهِ بأنواع الْمَدْح وَذَلِكَ لَا يتم إِلَّا بتوحيده فَذكره الْحَقِيقِيّ يسْتَلْزم ذَلِك كُله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إِلَى خلقه

وَأما الشُّكْر فَهُوَ الْقيام بِطَاعَتِهِ والتقرب إِلَيْهِ بأنواع محابه ظَاهرا وَبَاطنا وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ هما جماع الدّين فَذكره مُسْتَلْزم لمعرفته وشكره مُتَضَمّن لطاعته وَهَذَانِ هما الْغَايَة الَّتِي خلق لأَجلهَا الْجِنّ وَالْإِنْس وَالسَّمَوَات وَالْأَرْض وَوضع لأَجلهَا الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَأنزل الْكتب وَأرْسل الرُّسُل وَهِي الْحق الَّذِي بِهِ خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وضدها هُوَ الْبَاطِل والعبث الَّذِي يتعالى ويتقدس عَنهُ وَهُوَ ظن أعدائه بِهِ قَالَ تَعَالَى وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذين كفرُوا وَقَالَ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَقَالَ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَة لآتية.

وَقَالَ بعد ذكر آيَاته فِي أول سُورَة يُونُس {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} وَقَالَ {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} وَقَالَ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} وَقَالَ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا ليعبدون} اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سبع سموات وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ على كل شَيْء قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْء علما وَقَالَ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْء عليم فَثَبت بِمَا ذكر أَن غَايَة الْخلق وَالْأَمر أَن يذكر وَأَن يشْكر يذكر فَلَا ينسى ويشكر فَلَا يكفر وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَاكر لمن ذكره شَاكر لمن شكره فَذكره سَبَب لذكره وشكره سَبَب لزيادته من فَضله فالذكر للقلب وَاللِّسَان وَالشُّكْر للقلب محبَّة وإنابة وللسان ثناد وَحمد وللجوارح طَاعَة وخدمة

 


 

المصدر:

ابن قيم الجوزية، الفوائد، ص128

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-القيم #الفوائد #الذكر #الشكر
اقرأ أيضا
الليبرالية الجنسية | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

الليبرالية الجنسية


تحولت العروض الإباحية من الدناءة الأخلاقية إلى الشيوع دون عواقب كبيرة: لم تعد تتهم بأنها خطر على النظام الاجتماعي فاليوم صارت بعض الممثلات الإباحيات ينتخبن في البرلمان الإيطالي. لقد حررت الثقافة المتعية الفردانية الإيروس من فكرة الإثم وأعطت المشروعية لاستراق النظر الجماعي وعوضت الأجنحة المغلقة الخاصة بالكتب الفاحشة في المكتبات الوطنية بالعلامات المضيئة للمحلات الإباحية

بقلم: د. البشير عصام المراكشي
632
أحاديث مشكلة في الحجاب ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

أحاديث مشكلة في الحجاب ج2


لا يخلو باب من أبواب أصول الدين ولا فروعه من آيات أو أحاديث مشتبهة تخالف في ظاهرها المحكمات البينات فإن جاز ذلك في الأصول فإنه في أبواب الفروع من باب أولى وفي أبواب حجاب المرأة ولباسها يورد بعض الكتاب أحاديث تخالف المحكم البين منها الصحيح ومنها الضعيف ومنها ما لو وضع في موضعه ولم يلغ به العام لاستقام للناظر الحكم ولكن استعمل كثير من الأحاديث الظنية في نقض القطعية والأحاديث المشتبهة في نقض المحكمة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
652
اللسان العربي: بين التعميم والاستثناء | مرابط
لسانيات

اللسان العربي: بين التعميم والاستثناء


من فصيح الكلام وجيده الإطلاق والتعميم عند ظهور قصد التخصيص والتقييد وعلى هذه الطريقة الخطاب الوارد في الكتاب والسنة وكلام العلماء بل وكل كلام فصيح بل وجميع كلام الأممفإن التعرض عند كل مسألة لقيودها وشروطها تعجرف وتكلف وخروج عن سنن البيان وإضاعة للمقصود وهو يعكر على مقصود البيان بالعكس

بقلم: محمد علي يوسف
304
مصادر التنظير في التاريخ الإسلامي ج1 | مرابط
مقالات أبحاث

مصادر التنظير في التاريخ الإسلامي ج1


وكثير من المصادر الغربية يغلب عليها الطابع الحداثي في قراءة الأحداث التاريخية أو تحليلها ذلك أنها اعتبرت الشريعة مثل القانون والأمر ليس كذلك نشأت وتطورت تبعا لنمو المجتمع وتطوره فأخضعت كل مجريات تاريخ التشريع الإسلامي لهذا المبدأ! في حين أن الشريعة سابقة على وجود الدولة لا مسبوقة بها حاكمة للمجتمع لا محكومة به والذي يتطور إنما هو وعي الناس بها.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
350
القياس الفاسد لشرعنة الاختلاط | مرابط
المرأة

القياس الفاسد لشرعنة الاختلاط


هؤلاء الكتبة رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن في اختلاط الرجال والنساء في المطاف والطريق ولم ينكر ذلك وهو اختلاط في زمن يسير عارض فجاء هؤلاء وقاسوا على ذلك مشروعية الاختلاط في التعليم والعمل وهو اختلاط مكث في زمن يطول وأهدروا اعتبار الفارق بين الزمن اليسير والزمن الكثير بين الاختلاطين.. وهذا قياس فاسد وشبهة رائجة بين يديكم رد مفصل عليها.

بقلم: إبراهيم السكران
295
هلوع جزوع منوع.. هكذا وصف الإنسان في القرآن | مرابط
مقالات

هلوع جزوع منوع.. هكذا وصف الإنسان في القرآن


هلوع جزوع منوع هكذا وصف الإنسان في القرآن.. تلك الصفات تبدو مطلقة عامة في مفتتح ذكرها بسورة المعارج ذلك الخلق الأجوف يحوي بداخله فراغا يسعى دوما لملئه بأي سبيل لأجل ذلك الفراغ يجمع ويمنع ويسعى ويلهث وإذا استشعر ما يحول بينه وبين ما يملأ جوفه فإنه يهلع ويجزع هكذا خلق بعموم وشمل.. لكن ثمة استثناءات وثمة بشر يمكن وصفهم بأنهم استثنائيون.. بشر تمكنوا بفضل الله ورحمته من مواجهة تلك الصفات المذمومة وأحسنوا التعامل معها وامتلأ فراغ نفوسهم بأشياء أخرى أهم هذه الأشياء الصلاة: وذلك هو أصل الاستثناء إل...

بقلم: محمد علي يوسف
256