انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم

انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

780 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

 

نقف وقفة ونسأل: لماذا هذا التباين الرهيب بين ما عليه شباب أمة الإسلام الآن، وبين ما ينبغي أن يكون عليه؟ من المؤكد أن الخطأ لم ينبع من الشباب وحدهم، لكن الخطأ خطأ مركب، فهذه منظومة كاملة حدث فيها نوع كبير من الاضطراب والخلل، أحصي لكم في هذه المحاضرة أربعة أسباب لانهيار مستوى الشباب:

 

غياب التربية الإسلامية الواعية

أولًا: غياب التربية الإسلامية الواعية، التربية أساسًا تكون في البيت والمدرسة، وغياب معنى مراقبة الله عز وجل هو سبب رئيس وراء انهيار مستوى الشباب، من افتقاد قيمة الآخرة، وافتقاد الولاء لهذه العقيدة، إذا لم يكن البيت والمدرسة حريصين على ربط كل سلوكيات الأطفال والشباب بالعقيدة، فهناك خطورة كبيرة جدًا على هوية شباب أمة الإسلام، والطامة الجديدة الكبرى هي إلغاء مادة الدين، رأينا هذا الكلام يحدث في هذا الوقت، استبدلت مادة الدين بمادة القيم والأخلاق، وبذلك توجه كل الأخلاق إلى عموميات لا ترتبط بالله عز وجل ولا بالآخرة، كن صادقًا؛ لأن الصدق شيء جميل، نعم هذا معنى، ولكن أعظم منه: كن صادقًا؛ لأن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، اكفل يتيمًا؛ لأن المجتمع يجب أن يتعاون، نعم هذا جميل، ولكن أجمل منه: اكفل يتيمًا لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى)، وهكذا كل القيم والأخلاق إن لم ترتبط بالآخرة وبرضا الله عز وجل؛ فسيحدث لها مثل ما يحدث في كل المناهج العلمانية، إذا اختفى الرقيب ضاعت الأخلاق، ما أسهل الزنا في أمريكا، ما أسهل القتل في أمريكا، ما أسهل شرب الخمر في أمريكا، ما أسهل قتل الشعوب وسفك الدماء ونهب الثروات في أمريكا، أهذا ما تريدونه للشباب، أم من الأفضل أن يرتبط بمن يغير ولا يتغير سبحانه وتعالى، وأن يرتبط بالنعيم الذي لا يزول أبدًا، بدلًا من أن يكون أقصى أحلامه أن يستمتع سنوات معدودات ثم يموت ويفنى؟!

غياب التربية الإسلامية الواعية في البيت والمدرسة من أهم وسائل تحطيم شباب أمة الإسلام.

 

غياب القدوة الصالحة

ثانيًا: غياب القدوة الصالحة، قاعدة: ليس هناك تربية بغير قدوة، كيف يمكن للأب أن يأمر أولاده بعدم شرب السجائر والسجارة لا تفارق يده، أو بحسن معاملة الجار وهو في شجار دائم معه، أو بحفظ اللسان وهو يتناول كل من حوله بالسباب والشتائم؟!

كيف يمكن للمدرس في المدرسة أن يزرع في الشباب الرحمة وعدم التركيز على المال، وهو يهمل في التدريس في حصة المدرسة، ليستنزف أموالهم بعد ذلك في الدروس الخصوصية؟!

أو كيف يربيهم على الحرص على المال العام، والأمانة في العمل، وهو يهرب من حصص المدرسة؟! كيف يمكن لنظام الأمن في البلاد الإسلامية أن يأمر الشباب بعدم العنف وعدم الإرهاب، بينما هو يتعامل بكل قسوة وعنف وكل إرهاب مع عموم الشعب؟!

غياب القدوة أمر خطير، من هم قدوة شباب أمة الإسلام؟! أتراه فنانًا ماجنًا أقرب إلى النساء منه إلى الرجال؟!ة أتراه لاعبًا أنفق زهرة شبابه في اللعب؟!

أتراه مليونيرًا سرق أموال البلاد والعباد؟!ة أتراه مرتشيًا تسلق على أكتاف الشعب إلى أعلى الدرجات؟! أتراه زعيمًا ماركسيًا أو قائدًا ملحدًا أو أديبًا فاسقًا؟!

أتراه شيوعيًا أم يهوديًا أم هندوسيًا أم بغير ملة؟! أتراه واحدًا من هؤلاء، أم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! كم من شباب أمة الإسلام الآن يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة له؟!

كم من الشباب يقتدي بـالزبير، وطلحة، وسعد، والأرقم، وزيد ؟! كم منهم يقتدي بـأسامة، ومعاذ بن عمرو بن الجموح؟! كم منهم يضع نصب عينيه حياة محمد الفاتح، أو محمد القاسم، أو صلاح الدين، أو عبد الرحمن الناصر رحمهم الله جميعًا؟

يا شباب الأمة أفيقوا! خلف من تسيرون وإلى أي غاية تريدون الوصول؟ القدوة يا شباب أمة الإسلام.

إذًا: هناك مشكلتان كبيرتان في هذا الوقت: مشكلة غياب التربية الإسلامية الواعية، ومشكلة غياب القدوة الصالحة.

 

الإحباط النفسي

ثالثًا: الإحباط الذي انتاب الشباب نتيجة التردي في حال الأمة الإسلامية، من الناحية السياسة، والعسكرية، والاقتصادية، والعلمية، بل والأخلاقية، فالشاب يشعر أنه لا فائدة ولا أمل؛ لأن الفجوة هائلة بيننا وبين معظم شعوب الأرض، هائلة بيننا وبين أمريكا، بيننا وبين أوروبا، بيننا وبين الصين، بيننا وبين اليابان، بيننا وبين الهند، بيننا وبين كوريا الشمالية، يأس وإحباط، ومستحيل مع وجود هذا اليأس أن يشعر الشاب بهويته وبقيمته.

 

الإعلام ودوره في انهيار مستوى الشباب

رابعًا: دور الإعلام في منتهى الخطورة، من زرع الشهوات في النفس، وهذا يحتاج إلى مجاهدة لتصرف هذه الشهوات والطاقات إلى الجهة المشروعة، ومع ذلك تجد أن هناك كوادر لا تحصى هدفها تأجيج هذه الشهوات، وإثارة هذه الفتن، هناك بالفعل نار داخل الشباب، ثم يأتي من يدعي أنه يسعى لإطفاء النار، فيسكب عليها البترول، كبعض الفنانين أو بعض الإعلاميين الذين يتخصصون في الفنون الإباحية والمثيرة، ثم هو يقول: إنه يقدم رسالة تربوية لشباب الأمة، مع أنه يقوم بعمل فيلم أو مسرحية تحض الشباب على الاستهزاء بالمدرسين، وعلى الاستهتار بالآباء والأمهات، أو بعمل فيلم أو مسرحية أو مقال يعلم الشباب أن البنات ليس لهن هم إلا البحث عن الرجال، والرجال ليس لهم هم إلا البحث عن البنات، الخلاعة في الملبس، السوقية في الألفاظ، الإباحية في الحركات، إلى أين نسير يا من بيده الأمر؟

ومع كل ذلك أنا لا أعفي الشباب من المسئولية، فمع غياب التربية، وغياب القدوة، وتردي حالة الأمة، وإباحية الإعلام، إلا أن الشباب ليس مضطرًا أن يضحي بعمره ودنياه وآخرته من أجل أخطاء الآخرين، نعم، موقف الشباب صعب، لكن الإصلاح ليس مستحيلًا، بل هو مطلوب منهم شرعًا، بل هو متحتم عليهم شرعًا: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. المسئولية الفردية يا شباب أمة الإسلام، الحساب يوم القيامة فردي تمامًا: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94].

من أجل هذا أنا أريد من الشباب أن يسمعوا مني الكلام التالي بإنصات وبإخلاص وبصدق، تعالوا نقف وقفة صادقة مع النفس، تعالوا نسأل أنفسنا أسئلة مهمة، ونجاوب عليها بيننا وبين أنفسنا، أخي الشاب أسألك سؤالًا غريبًا جدًا: هل تؤمن بالله؟ هل تؤمن حقيقة بالله؟ إن كانت الإجابة: لا، فالقصة انتهت هنا، وإن كانت الإجابة: نعم، وإن شاء الله هي نعم، فهل تؤمن أنه مطلع عليك ومراقب لك؟ هل تؤمن بطلاقة سمعه وبصره؟ هل تؤمن بعدله، وأنه لا بد أن يجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته؟ هل تؤمن بحكمته؟ إن كنت تؤمن بحكمته فلا بد أنك تعرف لماذا خلقك؟ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، هل خلقنا الله عز وجل للمتعة، وللسهر، وللانبساط؟ هل خلقنا الله لجمع المال وكنز الثروات؟ هل خلقنا الله للصراع والتشاحن والتقاتل؟ هل خلقنا الله دون غاية؟

اسمع إلى كلام الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، أنا عارف أنك تعرف الآية، وأنك قد سمعتها كثيرًا، لكن يا ترى ما معنى العبادة؟ لا تظن أن معنى العبادة هي الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج فقط، لا، هذا جزء من العبادة، العبادة هي قول الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، كل شيء في حياتك لله عز وجل، صلاتك وصيامك لله عز وجل، عملك لله عز وجل، مالك لله عز وجل، علاقاتك لله عز وجل، سلطاتك لله عز وجل، شبابك وهرمك لله عز وجل، صحتك وعافيتك لله عز وجل، كل ذرة في حياتك، وكل لحظة في عمرك لله عز وجل حتى الموت يكون في سبيل الله عز وجل، هذا هو مفهوم العبادة: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، حياة كاملة منذ التكليف إلى الممات لله عز وجل.

يا ترى يا شباب أمة الإسلام هل أنتم تعبدون الله بهذه الصورة؟! يا ترى يا شاب أمة الإسلام كم ستعيشون؟! هل تضمن أن تعيش عشر سنوات في المستقبل، أو سنة واحدة في المستقبل، أو حتى دقيقة واحدة من هذا الوقت؟!

كم شباب في السنة الماضية انتهت أعمارهم وأغلقت صفحات حياتهم، وأصبحوا في باطن الأرض بدلًا من ظهرها؟ كثير، وإذا كان الموت يأتي بغتة وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [الأعراف:34]، إذا كان ذلك أليس من الحكمة ألا نضيع وقتًا ولا جهدًا ولا فكرًا في أشياء تزول ونترك الذي يبقى؟ وحتى إن لم تمت أليست الأيام والشهور والسنوات الضائعة خسارة؟!

أليست خسارة أن تأتي يوم القيامة فتجد أن عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة من عمرك ليس لها وزن، أو في ميزان السيئات؟! يا شباب أمة الإسلام: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى:47].

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #الشباب
اقرأ أيضا
في مدح قوائم الكتب | مرابط
فكر ثقافة

في مدح قوائم الكتب


تختصر توصيات الكتب والقوائم المختصة الطريق على الراغب وتحميه من الإحباط الذي يواجهه كثير ممن يغامر في غابة العلوم بلا خارطة حين يكتشف ضخامة الكتب المتاحة وضآلة إمكاناته في قراءتها ماديا أو زمنيا فأنت تحتاج إلى مال قارون وعمر نوح -كما قال بعض الأساتذة- حتى يتسنى لك الإلمام بمطالعة ما يستحق من الكتب والعلوم إلا أن التوصيات والقوائم الحكيمة تخبرك أن أصول العلوم والكتب الجليلة في كثير من العلوم

بقلم: عبد الله الوهيبي
253
السلفية السائلة: مفهوم السلفية في مسارب ما بعد السلفية ج2 | مرابط
مناقشات

السلفية السائلة: مفهوم السلفية في مسارب ما بعد السلفية ج2


حين بدأت بمطالعة كتاب ما بعد السلفية كنت حريصا على أن تتخلق في نفسي انطباعاتي الذاتية عن الكتاب بعيدا عن ضغط تأثير انطباعات الآخرين خصوصا وأنا أعلم أن الكتاب سيكون كتابا جدليا بامتياز وسيحدث جدلا في المشهد الفكري والشرعي بشكل عام وفي الداخل السلفي بخاصة والذي ستتشكل فيه بؤر ممانعة ذاتية طبعية من النقد والمراجعة فبعض النفوس قد لا تحتمل النقد وبعضها قد تحتمله ولكن لا تحتمل أن يكون معلنا وأجدني -بحمد الله- كما أجد غيري ميالا إلى استيعاب الممارسة النقدية واسع الصدر لها بل داعيا ومرحبا بها كونها...

بقلم: عبد الله العجيري
1278
ضبط مسائل الخلاف | مرابط
اقتباسات وقطوف

ضبط مسائل الخلاف


من أعظم الإشكاليات التي تتجلى في زماننا: الاحتجاج بالخلاف فترى المسلم يقف أمام المسألة المختلف فيها فيحكم هواه ويميل إلى الرأي الذي يؤيد شهوته أو يؤيد هوى في داخله ولا يستند في سبيل ذلك إلى أي دليل ولا يفكر في الرجوع إلى الله والرسول كما أمرنا تعالى وهذا مقتطف للإمام الشاطبي رحمه الله يتحدث فيه عن هذه الإشكالية في عصره ويؤصلها بشكل دقيق

بقلم: الشاطبي
2124
الربوبية والوعي المبتور | مرابط
فكر

الربوبية والوعي المبتور


والربوبي -في حقيقة الأمر- شر حالا من الملحد إذ الملحد لا يرى في الوجود غير ركام من الأشياء بلا غاية وآكام من النظم مبعثرة فيبني على ذلك أن الكون عبث بلا هدف بلا حكمة وأما الربوبي فيرى الحكمة في خلق الذرة والمجرة ويدرك مظاهر العظمة فيها ثم هو ينتكس بعد ذلك إلى مذهب الملحد نفسه فلا يرى في الوجود غير أشياء تسير إلى حتفها رغم أنفها. والربوبية -على الصواب- مظهر من مظاهر الكسل المعرفي ﻷنها وقوف على تخوم الإيمان والإلحاد فلا الباحث أكمل المسير إلى نهاية الغاية من الخلق ولا هو أدبر إلى نقطة الإنكار...

بقلم: د. سامي عامري
230
هوان الذنوب بتكرارها | مرابط
اقتباسات وقطوف

هوان الذنوب بتكرارها


أحيانا ترى الناس تستعظم ذنبا من الذنوب ويتخذون مواقف صارمة تجاه فاعله بينما هناك ذنوب أخرى أكبر وأعظم عند الله تعالى ولكن الناس لا يتخذون تجاهها نفس الموقف وفي هذا المقتطف يحلل أبو حامد الغزالي هذه الظاهرة ويرجعها إلى الإلف فما اعتاد الناس على رؤيته يسقط وقعه في قلوبهم على عكس الذنوب التي لم يعتدها الناس ولم تنتشر بينهم

بقلم: أبو حامد الغزالي
1900
في القرآن كفاية الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

في القرآن كفاية الجزء الثاني


في القرآن كفاية تأتي هذه الشبهة في مقولة تظهر صاحبها في صورة المكتفي بالقرآن مصدرا للحجة والاستدلال فإذا استدللت لحكم شرعي بدليل من السنة النبوية قذف بهذه المقولة في وجهك مدعيا كفاية القرآن في إقامة الدين دون الحاجة لمصدر آخر وقد يعضد صاحب هذه المقولة مقولته ببعض الأدلة القرآنية كمثل قوله تعالى: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء أو قوله سبحانه: ما فرطنا في الكتاب من شيء

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2325