حجاب الغفلة من أعظم جند الشيطان لإغواء بني آدم، وما أحوج العبد إلى تمزيق هذا الحجاب بين الفينة والأخرى حتى لا يفجؤه الموت وهو بعيد عن الله، حينها تتجلى له الحقيقة. ويعض أصابع الندم على ما قدم وأخر.
إن زيارة واحدة للمقبرة ورؤية ذلك اللحد الضيق تكشف لك حقيقة الدنيا وتبين لك عوارها.. أهده نهاية الدنيا التي يتقاتل الناس من أجلها وفعلوا لأجلها الأفاعيل؟
لو تكلم أصحاب المقابر لقالوا: يا أهل الدنيا إن أكثر ما عندكم الففلة. وأكثر ما عندنا الندامة والحسرة.
إن الرجل لينبل في عيني وأستدل بذلك على عقله وصحة منطلقاته إذا رأيت ذكر القبر والآخرة وحضور الموت في خطابه وإنها أمارة خير واصطفاء، ألم يقل ربنا في سورة ص بعد ذكر ما من به على آنبباءه من العطايا (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار).
أي: خصصاهم بخصيصة عظيمة اختصصناهم بها وهي إعمار قلوبهم بذكرى اليـوم الآخر والاستعداد له بالعمل الصالح..
قارن هذا بالخطابات المادية المعاصرة التي تستسذج هذه الخطاب وتصفه بالدروشة وعقيدة انتظار الموت. وهذا وربي من تريين الشيطان للعمل السيء (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا).
مع هذا الانفتاح الدنيوي وتزيين الدنيا في قلوب الناس الذي يتولى كدره مشاهير السوشل ميديا وغيرهم أصبح من الضروري في باب الدعوة الى الله كسر أوثان المادة في قلوب الناس وإخراج الدنيا من قلوبهم، وإن هذا من أشرف ما يدعى إلى الله به خاصة في هذا الزمن.
كل شيء حولك يزين لك الدنيا ويجمّلها في عينيك ويجعلك تسعى وتكدح لتعب منه عبًّا على حساب دينك وعبادتك وعلاقتك بالله ..
ثم ماذا؟
قد يتخطفك الموت في أي لحظة وتنتقل إلى الدار الآخرة في لحظات أي وربي في لحظات وتوسد في قبرك وتبقى رهينة أعمالك، حينها تعلم أن ما ألهاك وأشغلك لن ينفعك وقد أشغلك عن حياتك الأبدية ومستقبلك الأخروي.
ومن الحكم المناسبة لما نحن بصدده: (من تذكر خنق الفخ هان عليه هجران الحبة).
ومن جميل المأثورات عن الإمام الشافعي فوله: (لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس صرف للزهاد).
نعم، وهل هناك أعقل ممن ترك الفاني وأقبل على الباقي وسعى لأن يبني لنفسه مستقبلا عامرا بعد فناء البشرية.
ألا يستحق الفردوس الأعلى هذا العناء؟
تخيل مستقبلك الأبدي مع النبيين والصديقين والشهداء، هناك حيث لا موت، بل حياة أبدية، إنها ليست أبدية فحسب. بل أبدية بأعلى درجات السعادة في قصور الجنة ونعيمها.
أبدية بلا أدنى أدنى مثقال ذرة من منغصات لا مرض ولا فقد ولا فراق ولا موت ولا نصب.
يقول الله جل وعلا في الحديث القدسي: ( أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
لو أن أديبا من الأدباء آتاه الله قلما سيالا وخيالا واسعا وبلاغة عظيمة أخذ يصف لك عرضا قريبا لوجدت نفسك تتشوف إليه وتطمع به، فكيف والله جل وعلا الذي خلق الكون كله يقول لك مرغبا: ( أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
وفي الختام: من لا يُعان لا يفهم المعاني.