الرسول والرسالة

الرسول والرسالة | مرابط

الكاتب: د حسام الدين حامد

2150 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

أبا الحكم!
 
تقول: أعلم أن وراء هذا الكون خالقًا، ولكنني متكبّر لدرجة عدم التصديق!
متكبر على من؟ على الله؟! أظننت العبادة حِطّة لك؟!
لا يا أبا الحكم! هذا جحود لا اعتدادٌ بالنفس!
 
أرأيت إلى ولد غذّاه أبواه صغيرًا، وأنفقوا عليه صغيرًا وكبيرًا، وعلّموه وربّوه ورعوه وكفلوه، وأحاطوه بالعناية والرعاية، حتى إذا بلغ أشده تركهم دون برّ، وترك طاعتهم ظنًا منه أن الطاعة في ذلك تنافي اعتداده بنفسه!!
 
أليس هذا بجحود؟ بلى!
 
فمنّة الله عليك أعظم من ذلك! أتريد أن أعدّ لك أم تعرف؟ أم تراني لا أحصيها عددًا؟! فبعد أن يتم عليك نعمه ظاهرة وباطنة تقول "كِبر"!!
إن العبادة هي أعلى درجات الحب! فمالك تنأى عنها؟! ما عليك إن قلت: "آمنت بالله" ثم استقمت!؟ ما يضرك في هذا؟!
 
إن أحد المتكبرين سيُنادى يوم القيامة وهو في النار "ذق إنك أنت العزيز الكريم" أفتراك تسير في دربه وطريقه؟! ليس الطريق هنالك.. فاسمع مني!
 
تعال أطوف بك في متاهات تصل بك إلى الإيمان، ونستخرج من أرحام الحيرة جنين اليقين، وما عليّ إن دخلت عليك من باب عقلك، وألقيت عليك الحجة حىت ترضى وأرضى! ثم ما عليّ إن دلفت إلى باب العاطفة حتى ترضى وأرضى! ثم ما عليّ إن ولجت إلى باب الفطرة أهزها هزًّا علّك تفيق!
 
ما عليّ إن خاطبتك ورأينا أيهما أذكى عقلًا، وأيهما أنضج فكرًا.. أهو الإيمان أم الإلحاد؟!
 

المثال الأول:


أبا الحكم!!
 
أريدك أن تتخيل معي دجّالًا كذابا يدّعي أنه مُرسل من عند الله، ويموت ولده، ويوم موت ولده تتكسف الشمس، وحين تتكسف الشمس يقول الناس: إن الشمس انكسفت من أجل ولده.. أريد منك أن تُقلب هذا الأمر ظاهرًا لبطن وبطنًا لظهر، وترى كيف سيتصرف هذا الدجال!؟ أعمل عقلك كثيرًا في هذه المسألة، وكيف سيتصرف دجال وضع في هذه الفرصة الذهبية للترويج لنفسه!؟
 
لقد قلت: اقرأ الفلسفة الإسلامية ولا أستطيع الاقتناع بها، اقرأ الفلسفة الإلحادية وأُعجب ببعضها
 
فأخبرني بالفلسفة الإلحادية، كيف سيتصرف دجال وضع في الموقف السابق.. ثم تعال معي!
 
يموت إبراهيم ابن النبي، صلى الله عليه وسلم، ويتحدث الناس "إن الشمس قد انكسفت لموت ابن النبي، صلى الله عليه وسلم، ويشمت المشركون "لقد بُتر محمد" أي لم يعد له أولاد يحملون اسمه من بعد، ويصرخ أحد الصحابة حزنًا..


أما عن انكساف الشمس


فلو أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سكت ولم يتكلم؛ لاستقر عند الناس أن الشمس انكسفت لموت ولده إبراهيم، فمجرد السكوت كان يكفي! ولو أنه سكت؛ لقلنا: كانت مصيبة موت ولده شديدة! مجرد السكوت يا أبا الحكم كان كافيًا!!
 
ولكنه صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك؛ فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا!
 
هكذا بوضوح ودون أي لبس أو غموض.
 
إن رجلا لا يكذب على الله، جل وعلا، في مسألة كهذه لن يكذب عليه في أنه رسول من عنده، أليس كذلك؟ بلى.
 
ثم ماذا؟ ثم في خضم هذا الحزن تُشرع صلاة الكسوف، ويصلي النبي، صلى الله عليه وسلم، بأصحابه صلاة الكسوف، ويخطب فيهم خطبة يتكلم فيها عن عذاب القبر، ولا يتكلم عن ولده بشيء!!
 
ثم ماذا؟ ثم عندما يسمع من يصرخ من الصحابة حزنا على موت ولد النبي، صلى الله عليه وسلم، ينهاه عن ذلك ويقول "إن ذلك من الشيطان"!!
 
ثم ماذا؟ ثم يقول، صلى الله عليه وسلم: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، والله إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"
 
ثم ماذا؟ ثم لا يردّ على المشركين، ولا يتوعدهم من حينه، ولا يرد لهم الصاع صاعين بل تنزل السورة الكريمة "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)"
 
لو تأملت السورة؛ لوجدتها بشارة للنبي، صلى الله عليه وسلم، بالكوثر، ولو كان -وحاشاه- دعيًّا، أكان يُسلي نفسه بالكذب؟
 
إن النبي، صلى الله عليه وسلم، لو كان سيكذب -وحاشاه- فلن يكذب على نفسه ويقول "إنا أعطيناك الكوثر" أو يقول "والله يعصمك من الناس" وعندما تنزل عليه الآية يأمر الصحابة الذين كانوا يحرسونه بترك الحراسة؛ ﻷن الله وعده أن يعصمه من الناس، أتراه إلا صادقًا؟! نعم والله! صادقًا مصدوقًا.
 
ثم تتأمل السورة، فتجدها تكليف بالعبادة "فصل لربك وانحر" ألو كان الرد من عنده -وحاشاه- وليس من عند الله، أكان يكلف نفسه المزيد من العبادة في هذا الوقت الذي مات يفه ولده، وشمت به الكفرة؟!!
 
ثم يأتي الرد عليهم في آخر السورة "إن شانئك هو الأبتر"
 
هذا موقف واحد من حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، تجاه حدث موت ابنه، صلى الله عليه وسلم، وجدناه فيه يدفع عن نفسه ما زعمه الناس "أن الشمس كسفت لموت ولده" ويصلي صلاة الكسوف، ويخطب عن عذاب القبر، ويأتي الرد على الكفار فيه تسلية له بما له في الجنة، وتكليف بالعبادة، وفي آخره الرد عليهم، ويمنع أصحابه من المبالغة في الحزن مع حزن قلبه على ولده، وهو في ذلك لا يقول إلا ما يرضي الرب، جل وعلا.
 
ولم سكت ليفهم الناس أن الشمس انكسفت من أجل ولده، ولم يقعد عن العبادة، وقام لصلاة الكسوف، ولم يكن ليخدع نفسه بتسلية من عند نفسه بالكوثر، ولم يكن ليزيد العبادات عليه، ولم يكن ليمنع أصحابه من المبالغة في الحزن لو كان كاذبًا صلى الله عليه وسلم، وحاشاه!
 
التفسير الإسلامي: "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"
التسير الإلحادي: ................. (لن تجد تفسيرًا مقنعًا)!


المثال الثاني:


قال تعالى "غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يفرح المؤمنون"
 
(البضع هو العدد بين الثلاثة والتسعة، أو الثلاثة والعشرة)
 
قال تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بغتة يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قل إنما علمنا عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
 
هذا تنبؤ بأن الروم ستغلب في بضع سنين، ولو مرّت بضع سنين ولم تُغلب الروم؛ فقد انتهى الأمر، وبطلت النبوة، وبطل الدين!!
وفي نفس الوقت عند الكلام عن موعد الساعة لا يتكلم، صلى الله عليه وسلم، ويقول: إنه لا يعلمه، ولو أنه قال "ستقوم بعد 500 سنة" لما ضرّه ذلك شيئًا!!
 
لو سألت أي دجال في العالم سؤالين؛ وقلت له أجب عن سؤال واحد مما يأتي:
1- هل ستغلب روسيا أمريكا في خلال 10 سنين؟
2- متى تكون نهاية العالم؟
 
على أي السؤالين سيجيب الأول أم الثاني؟!
 
سيجيب السؤال الثاني بلا تردد يُذكر، ويترك السؤال الأول؛ ﻷنه سيخشى أن ينفضح أمره، فلم كان الحال مع النبي، صلى الله عليه وسلم، هو العكس؟!
 
التفسير الإسلامي "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"
التفسير الإلحادي:...............(لن تجد تفسيرًا مقنعًا)

 


 

المصدر:

  1. د. حسام الدين حامد، لا أعلم هويتي حوار بين متشكك ومتيقن، ص15
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الرسالة-الرسول
اقرأ أيضا
الميزان المقلوب الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الميزان المقلوب الجزء الأول


فقد ورد في بعض الأحاديث: أن رجلا مر بالرسول صلى الله عليه وسلم فسأل صحابيا عنده: ما تقول في هذا -وكان رجلا وجيها في قومه وصاحب مال وله مكانة في نفوس أهل الدنيا- فقال: هذا حري إن خطب أن يزوج وإن شفع أن يشفع ثم مر رجل آخر فقير فسأله عنه فقال: هذا حري إن خطب ألا يزوج وإن شفع ألا يشفع فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل ذاك أو كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه

بقلم: عمر الأشقر
685
فضل الذكر في العشر الأواخر | مرابط
اقتباسات وقطوف

فضل الذكر في العشر الأواخر


من أفضل الأعمال وأيسرها الذكر خاصة ليل رمضان لسهولته ولو وافق ليلة القدر لرجي له المضاعفة عشرات آلاف المرات وأفضل الذكر كلمة التوحيد وأفضل صيغها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

بقلم: عبد العزيز الطريفي
359
مقصود طلب العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقصود طلب العلم


كثير من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رياسة أو مال ولكل امرئ ما نوى وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله فهو مقصود عندهم لمنفعته لهم وحاجتهم إليه في الدنيا والآخرة كما قال معاذ بن جبل في صفة العلم: إن طلبه لله عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة به يعرف الله ويعبد ويمجد الله ويوحد

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
489
الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الثاني


إن تربية الأولاد أمانة ومسئولية لا بد من القيام بها فانظروا كم ضيع الأمانة اليوم من المسلمين كم من أولياء أمور ضيعوا الأمانات ضيعوا الأولاد ضيعوا فلذات أكبادهم أهملوا تركوهم في الشوارع يتعلمون الألفاظ القبيحة والعادات السيئة كالتدخين وغيره ويتدرجون شيئا فشيئا إلى أن يتعاطوا المخدرات ويقعوا في الفاحشة واللواط وهكذا تكون النتائج متوقعة ولا شك أنها نتيجة لهذا التضييع

بقلم: محمد المنجد
698
الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف | مرابط
مقالات

الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف


هذا البيت الذي غاب رجله عن الفعل والتربية سيخرج أبناء وبنات لا يستطعون إقامة بيوت سوية بصورة طبيعية لأنهم فقدوا الجزء التربوي الأهم في فترة التنشأة.الكلام على مرارته معروف نعيشه جميعا .. إذن ما الحل: الحل القريب: أن نحاول المحافظة على بنية الأسرة الطبيعية بكل ما نملك على روابطنا ببعضنا مهما كانت حالتنا المعيشية .. أن نوطن أنفسنا على التحمل في سبيل عدم خسارتنا لأنفسنا.

بقلم: محمد حشمت
433
عن الولاء والبراء | مرابط
اقتباسات وقطوف

عن الولاء والبراء


مقتطف لشيخ الإسلام من مجموع الفتاوى يتحدث عن الولاء والبراء ووجوب الموالاة في الله والمعاداة فيه كما أنه يقف على نقطة هامة وهي وجود الظلم هل هو حائل دون الولاء الحقيقة أن الظلم لا يمنع الولاء ولا يقطع الموالاة الإيمانية وهذا ما يناقشه شيخ الإسلام

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1374