الضابط في الأمور المحدثة

الضابط في الأمور المحدثة | مرابط

الكاتب: شيخ الإسلام ابن تيمية

272 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين، فما رآه الناس مصلحة نظر في السبب المحوج إليه:
فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا، فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه، وكذلك إن "كان المقتضي لفعله قائما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته.

وأما ما لم يحدث سبب يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد، فهنا لا يجوز الإحداث.

فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة، وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين، من الملوك والعلماء والعباد، أو من زل منهم باجتهاد، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغير واحد من الصحابة: «إن أخوف ما أخاف عليكم زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون».

فمثال هذا القسم: الأذان في العيدين، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء، أنكره المسلمون لأنه بدعة، فلو لم يكن كونه بدعة دليلا على كراهته، لقيل: هذا ذكر لله يدخل في العمومات، أو يقاس على الأذان في الجمعة، فإن الاستدلال على حسن الأذان في العيدين، أقوى من الاستدلال على حسن أكثر البدع.

بل يقال: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيا، وزوال المانع، سنة، كما أن فعله سنة. فلما أمر بالأذان في الجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، كان ترك الأذان فيهما سنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات، أو صيام الشهر، أو الحج.

ومثال ما حدثت الحاجة إليه من البدع بتفريط من الناس: تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين، فإنه لما فعله بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعة فيقال له: سبب هذا تفريطك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم، وأنت قصدك إقامة رياستك، أو إن قصدت صلاح دينهم، فلا تعلمهم ما ينفعهم، فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى، بل الطريق في ذلك أن تتوب إلى الله، وتتبع سنة نبيه، وقد استقام الأمر، وإن لم يستقم فلا يسألك الله إلا عن عملك، لا عن عملهم.

وهذان المعنيان من فهمهما انحل عنه كثير من شبه البدع الحادثة.


المصدر:
شيخ الإسلام ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، بتصرف (2/ 100).

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الفرح بالله | مرابط
اقتباسات وقطوف

الفرح بالله


والفرح بالله وبأعمال الإيمان التي تقرب إلى الله جاءت الإشارة إليه في آيات متعددة بلفظ الفرح وبلفظ الاستبشار وغيره ولذلك قال ابن القيم فالفرح بالله وبرسوله وبالإيمان وبالسنة وبالعلم وبالقرآن من أعلى مقامات العارفين

بقلم: إبراهيم السكران
705
أثر الحضارة الأندلسة في الحضارة الأوروبية | مرابط
تاريخ

أثر الحضارة الأندلسة في الحضارة الأوروبية


خلود الحضارات إنما يكون بمقدار ما تقدمه في تاريخ الإنسانية في مختلف نواحي الفكر والعلوم والأخلاق من آثار خالدة وإذ قد علمنا الدور العظيم الذي قدمته وأسهمت به الحضارة الإسلامية عامة وفي الأندلس خاصة في تاريخ التقدم الإنساني فبإمكاننا هنا استجلاء واستقراء هذه الآثار فيما وصلت إليه أوروبا أو النهضة والحضارة الأوروبية

بقلم: د. راغب السرجاني
470
مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الثاني


بعدما وصلت الموجة العلمية كل العالم تقريبا والتحديثات قد طالت كل شيء في الحياة ظهرت بعض الأدعياء يقولون أن هذا العالم الجديد لا مكان للدين فيه بل ظهرت نظرية جديدة في الطرف المقابل مضمونها أن الأديان وإن كانت عريقة في القدم لكن تقدمها الزماني لا يكسبها صفة الثبات والخلود بل هو بالعكس يطبعها بطابع الشيخوخة والهرم وينذر بأن مصيرها إلى الاضمحلال والفناء وفي هذا المقال بجزئيه رد على هذه النظرية وتلك الأباطيل

بقلم: محمد عبد الله دراز
1776
حال النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه | مرابط
اقتباسات وقطوف

حال النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب الرسالة الصفدية يوضح فيه على حال النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه وكيف أن ظواهرهم كانت موافقة لبواطنهم وما يعتقدونه في قلوبهم وجاء ذلك في معرض الحديث عن نفاة الصفات الذين ادعوا مخالفة الظواهر للبواطن وأن الصحابة اعتقدوا أمورا لم تظهر عليهم

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1189
أفنيت عمري في علم الكلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

أفنيت عمري في علم الكلام


يشتمل القرآن على مختلف أنواع الأدلة التي قد يصبو إليها الإنسان وكذب من قال أنه خلو من الأدلة العقلية فراح يسعى ويلهث وراءها في ظلمات الفلسفة ومتاهات الكلام ففي كتاب الله الدواء الشافي والدليل الكافي وهذا مقتطف عن أحد المتكلمين ينقله ابن القيم رحمه الله

بقلم: ابن القيم
1904
دمعة على الإسلام | مرابط
فكر مقالات

دمعة على الإسلام


جاء الإسلام بعقيدة التوحيد ليرفع نفوس المسلمين ويغرس في قلوبهم الشرف والعزة والأنفة والحمية وليعتق رقابهم من رق العبودية فلا يذل صغيرهم لكبيرهم ولا يهاب ضعيفهم قويهم ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلا بالحق والعدل وقد ترك الإسلام بفضل عقيدة التوحيد ذلك الأثر الصالح في نفوس المسلمين في العصور الأولى فكانوا ذوي أنفة وعزة وإباء وغيرة يضربون على يد الظالم إذا ظلم ويقولون للسلطان إذا جاوز حده غير سلطانه: قف مكانك ولا تغل في تقدير مقدار نفسك فإنما أنت عبد مخلوق لا رب معبود واعلم أنه لا إله إلا ال...

بقلم: مصطفى لطفي المنفلوطي
530