الفروق بين الجنسين

الفروق بين الجنسين | مرابط

الكاتب: مجلة أوج

524 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قد تكون فكرة الفروق بين الجنسين بغيضة بالنسبة للبعض هذه الأيام، ولكن الإسلام يطالب بأن نعترف بها كواقع هام. يقول الله تعالى "وليس الذكر كالأنثى" إن رفض الاعتراف بالاختلافات التي خلقها الله في الكون بما فيها الاختلافات بين الجنسين لا يتعارض فقط مع الحقائق المقدسة البينة، بل يضرب أيضًا أساس الأسرة والمجتمع.

أي مناقشة للفروق بين الجنسين في الإسلام ينبغي أن تسبقها كلمات النبي، صلى الله عليه وسلم "النساء شقائق الرجال" يبين الخطابي، رحمه الله، أن من بين المعاني المقصودة هنا هو أن أي حكم شرعي في الإسلام ينطبق تلقائيًا على الذكور والإناث ما لم يوجد دليل نصي يثبت اختلافا.

بعض هذه الاختلافات تتعلق بالشعائر مثل أن النساء يعفين من الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس، وبعضها الآخر يتعلق بالمجال الاجتماعي؛ مثل التعامل بين الرجال والنساء في المجتمع.

يتفق العديد من المسلمين وغير المسلمين -صراحة أو ضمنا- على أن هناك اختلافات جوهرية بين الذكور والإناث رغم أنهم قد يختلفون في الرأي ويتعرضون لقلق حاد حول موضع هذه الاختلافات، وما قد تعنيه، وكيف تقام العدالة في ضوئها، بالنسبة للمسلمين الذين تعتبر مرجعيتهم العليا خالق الذكور والإناث (لا ذاتية الإنسانية العلمانية)، وهو العادي الذي كلف البشر باخترام العدالة، يكون من المتوقع أن بعض الحقائق الأولية عن الوجود وعن طبيعتنا الإنسانية وحقوق ومسؤوليات كل منا تحدد بوضوح تماما كما هي في القرآن والسنة الصحيحة.

ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه الاعتراف بالفوارق بين الجنسين اليوم هو ميل المجتمعات الحديثة إلى قياس قيمة النساء اليوم بمقارنتهن بالرجال بدلا من مقارنتهن بأفضل النسخ الممكنة من  أنفسهن (أقصى إمكاناتهن). الآثار الاجتماعية والنفسية والعاطفية السلبية لهذه المقارنة المضللة مروعة.

تشجيع النساء على تقدير قيمتهن الذاتية بمقارنتها بالرجال ضرر جسيم بالمرأة والمجتمع؛ ﻷنه يستند إلى الاعتقاد بأن عمل الرجال أكثر قيمة من عمل النساء. وما فعله هذا التفكير في الواقع أن جعل الذكر المثل الأعلى الذي ينبغي أن يتطلع إليه كلا من الرجال والنساء. المرأة التي تطمح إلى أن تكون مثل الرجل -كمثلها الأعلى- لا تؤدي إلى تآكل مواطن قوتها الأنثوية فحسب، بل يجعلها هذا في مفارقة مأساوية تطارد الأهداف التي وضعت من قبل الرجال ولأجلهم. وسواء أكانت المرأة تطمح إلى أن تكون من جنود المشاة البحرية الأمريكية، أو أي شيء آخر تسعى من خلاله لإنكار الفروق بين الجنسين فهذه المطامح تنطوي على العيش في ظل شخص آخر.

يقدم الإسلام للمرأة حرية أكثر معقولية من خلال الإصرار على أن للمرأة قيمة بطبيعتها وأنها تقدم مساهمات أنثوية بدونها لا يمكن لمجتمع صحي أن يزدهر. عندما كان العرب معتادون على دفن بناتهم الرضع أحياء معتبرين إياهم مسؤولية مخزية (مقارنة بالفتيان الذين بإمكانهم القتال والكسب)، لم يدافع النبي، صلى الله عليه وسلم، عن قضية المرأة بإقرار المقياس الخاطئ الذي استخدمه المجتمع في ذلك الوقت. لم ير بأن النساء ينبغي تكريمهن لأنهن كن أقوياء جسديا في المعركة مثل الرجال، أو لأن بإمكانهن تحقيق نفس القدر من الفوائد الاقتصادية للقبيلة مثل الرجال. وبدلا من ذلك أصر على أن يقدرن بسبب طبيعتهن المختلفة. وذكرنا -صلى الله عليه وسلم- بالعطف على أمهاتنا ثلاث مرات قبل الآباء

ويسلط القرآن الضوء على أن الاحتفاء بالأمهات يبرره فضائل الأعمال التي يلتزمن بها تجاه أبنائهن من حمل وولادة ورضاع وفطام. وعلمنا -صلى الله عليه وسلم- أن تربية ابنتين بحرص من شأنه جعل الشخص قريبًا من أفضل أنبياء الله في الجنة. وأن قيمة الرجل عند الله ترتبط ارتباطا وثيقًا بكيفية معاملته لزوجته وراء الأبواب المغلقة، وكيف يحمي عائلته بتفان من المخاطر.

للأسف، العديد من مناقشات حقوق المرأة في العصر الحديث تردد نفس العقلية المادية البالية التي جاء الإسلام لعلاجها. في هذه النظرة العالمية السعي وراء مهنة مربحة ماليا الطموح الوحيد الجدير بالاهتمام، في حين أن اختيارات مثل التخصص في الأمومة أو التدبير المنزلي يقلل منها. ولهذا السبب نجد أن الحياة المكرسة للأمومة وأعمالها البطولية أصبح ينظر إليها من قبل الكثيرين على أنها هدر ذريع؛ ﻷنها لا تؤدي إلى النمو الاقتصادي.

وقد وصفت Mayo Clinic إثقال النساء بالعبء والتقليل المستمر منهن، في مقالة صدرت مؤخرا بعنوان (الاكتئاب عند النساء فهم الفجوة بين الجنسين)، والتي تذكر أن (إصابة النساء بالاكتئاب حوالي ضعف عدد إصابة الرجال، وأن هناك عدة عوامل قد تزيد من احتمالية إصابة النساء بالاكتئاب.. فغالبا ما تعمل النساء خارج المنزل ومع هذا يتحملن مسؤوليات المنزل أيضًا.. وتتصدى العديد من النساء لتحديات إعالة الأسرة منفردات؛ مثل العمل بوظائف متعددة لتغطية النفقات. أيضًا، قد تقوم النساء برعاية أطفالهن بينما يقمن أيضًا برعاية المرضى أو كبار السن، من أفراد الأسرة). وتقترح المقالة أيضًا أن التغيرات الهرمونية في مختلف مراحل حياة المرأة (ألحمل والنفاس، وانقطاع الطمث، وما إلى ذلك) المصحوبة بمثل هذه الضغوطات، قد تساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالاكتئاب في النساء أكثر من الرجال.

ومن المؤكد أن قيمة المرأة لا ترتبط بالحمل والأمومة. العديد من النساء التقيات لم يلدن أطفالا ومنهن السيدة عائشة رضي الله عنها، والتي على صدرها لفظ حبيبنا النبي، صلى الله عليه وسلم، أنفاسه الأخيرة، ولإسهاماتها الفكرية الهائلة سيظل المسلمون مدينون لها. كما لا يقلل من قيمتها عدم قدرتها على جذب أفضل الخاطبين لها، لئلا نستهين ببعض ممن هن أكثرهن تقوى عبر التاريخ ممن لم يتزوجن قط، أو أولئك اللاتي تزوجن من مفسدين؛ مثل آسية -رضي الله عنها- زوجة فرعون. لكن، على نحو مشابه جعل الغرض النهائي للإنسان أي أهداف مادية، شيء خلق الناس جميعًا -رجالا ونساء- لتجاوزه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

إن سيل الرسائل التي تترد في مجتمع مادي لا يجعل فقط بعض النساء ستخففن بالأمومة، لكن يجعل أيضًا بعض الرجال يشعروا بانخفاض القيمة عندما يشعرون بأن كل ما يقومون به هو إعالة أسرهم (فقط)، من خلال أي وظيفة يمكنهم الحصول عليها، ومثلما يجد النساء أنفسهن غير راضيات عندما يقارن أنفسهن بالرجال من حيث العمل خارج المنزل والقدرة على الكسب، يشعر العديد من الرجال بالغضب عندما ينافسون بعضهم البعض في سباق الفئران من أجل الحصول على وظائف ذات راتب أعلى ومناصب أكثر بريقًا. يوضح هذا المأزق جانبا آخر للحرية في الإسلام وهو أنه: لا ينبغي أبدًا قبول الثروة المادية كعامل حاسم للقيمة في مجتمع عادل. كل البشر لهم قيمة ومكرمون بحكم إنسانيتهم، ثم يتمايزون أكثر في ضوء إخلاصهم لله، وكيف يتصرف كل منهم بإمكانياته الفريدة التي وهبها الله له.

 


 

المصدر:

مجلة أوج

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الفروق-بين-الجنسين
اقرأ أيضا
الوحشة العظيمة في قلب العاصي | مرابط
اقتباسات وقطوف

الوحشة العظيمة في قلب العاصي


والطاعة توجب القرب من الرب سبحانه فكلما اشتد القرب قوي الأنس والمعصية توجب البعد من الرب وكلما ازداد البعد قويت الوحشة ولهذا يجد العبد وحشة بينه وبين عدوه للبعد الذي بينهما وإن كان ملابسا له قريبا منه

بقلم: ابن القيم
362
مشكلة الشر: المنهج المادي والتطور | مرابط
أباطيل وشبهات اقتباسات وقطوف الإلحاد

مشكلة الشر: المنهج المادي والتطور


لا يمكن للملحد طلب العدل في مقابل الظلم مثلا إلا إذا كان لديه مسبقا مصدر يوجب على المخلوقات كيف تعيش ليحتكم إليه وعليه يقيس ومن هنا: فلا يوجد أي منهج أو فكر إلحادي أو لا ديني عموما فيه مثل هذا الوجوب أو الإلزام المسبق فحيث لا خالق لا يوجد افعل ولا تفعل كل شيء سيصير نسبيا حسب حاجة كل فرد لضمان بقائه ولو على حساب ظلم أو هلاك الآخرين

بقلم: م أحمد حسن
1000
شبهة: تغرب الشمس في عين حمئة | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: تغرب الشمس في عين حمئة


يقول المشككون: تغرب الشمس فى عين حمئة حسب القرآن وهذا مخالف للعلم الثابت فكيف يقال: إن القرآن لا يتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة وبالطبع هذه الشبهة تنطوي على الكثير من الأخطاء والمغالطات وهذا ما يناقشه المقال الذي بين يديكم

بقلم: محمد عمارة
990
صراع الإيمان والهوى | مرابط
اقتباسات وقطوف

صراع الإيمان والهوى


كلام بديع للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني يتحدث فيه عن الصراع الدائم والمستمر بين الهوى والإيمان وكيف قد يسقط المسلم صريعا للهوى مرة ثم ينهض مرة أخرى ويكشف لنا عن حال إخوان الشياطين وكيف يمدون لهم في الغي والمعصية وماذا يكون لسان حالهم

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
2147
حب الظهور | مرابط
فكر تفريغات

حب الظهور


روي أن أعرابيا بال في ماء زمزم فقام الناس عليه فأمسكوا به وقالوا: ما حملك قال: أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعنات يعني: المهم عنده الصيت ولذلك هذا المرض الخطير يمكن أن يجعل الإنسان يعمل من البلايا ما الله به عليم لأجل فقط أن يخرج صيته يعمل أي شيء له حاجة أوليس له حاجة له داع أو ليس له داع يحرك ساكنا ويسكن متحركا المهم أن يخرج صيته أمام الناس

بقلم: محمد صالح المنجد
2515
هل الخلاف شر كله؟ | مرابط
مقالات

هل الخلاف شر كله؟


إشكالية تربى عليها جيل كامل وهي أن الخلاف شر كله وفي نفس الوقت تعلم أن من الخلاف ما هو معتبر وسائغ! فلذلك تراه منظرا لأدب الخلاف لكن عند التطبيق تراه يشتد على كل من خالفه ويود لو أنه حمل الناس على قوله ودفن كل قول مخالف.

بقلم: أحمد عبد السلام
394