هل الخلاف شر كله؟

هل الخلاف شر كله؟ | مرابط

الكاتب: أحمد عبد السلام

272 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

إشكالية تربى عليها جيل كامل وهي أن الخلاف شر كله وفي نفس الوقت تعلم أن من الخلاف ما هو معتبر وسائغ! فلذلك تراه منظرا لأدب الخلاف لكن عند التطبيق تراه يشتد على كل من خالفه، ويود لو أنه حمل الناس على قوله ودفن كل قول مخالف. 

وذلك راجع لأصلين:

  • عدم فهم نظرية القطع والظن على وجهها، وهذه لابد من إفراد منشورات لها. 
  • واعتقاد أن الخلاف شر كله. 

وسبب ذلك عدم فهم أثر ابن مسعود رضي الله عنه على وجهه الصحيح.. قال قتادة:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبابكر وعمر وعثمان صدرا من خلافته كانوا يصلون بمكة وبمنى ركعتين، ثم إن عثمان صلاها أربعا فبلغ ذلك ابن مسعودفاسترجع ثم قام فصلى أربعا! 
فقيل له: استرجعت ثم صليت أربعا؟! 
فقال: الخلاف شر وبتأمل الخبر وطرقه يتبين لنا أمرين:
الأول: أن ابن مسعود أفتى بخلاف فعل عثمان، إذن فقد خالف عثمان فقهيا وعلميا بالقول. 
الثاني: أنه لم يخالفه في العمل. 

الخلاف العلمي في مواطن الاجتهاد

لماذا لم يخالفه في الفعل بالرغم من أنه يخالفه فقهيا؟
لأن عثمان كان إماما للمسلمين وإماما في الصلاة وفي موطن الحج الذي يجمع الناس على اختلاف أفهامهم ودرجاتهم ومنهم من هو ناقم على عثمان أصلا ويتربص به ظلما وعدوانا فلو خالف ابن مسعود عثمانا في هذا الموقف لأثار الناس وفرق كلمتهم وربما ترك بعضهم الائتمام بالخليفة فتقع الفتنة ويقع الشر الذي يحذره ابن مسعود وهذا هو نوع الخلاف الذي وصفه ابن مسعود بأنه شر. 

أما مجرد ذكر الخلاف وبيان العالم ما يدين الله به فليس بشر قطعا ولذلك فعله ابن مسعود في نفس الموطن في الحج الذي يجمع عامة الناس، ولو كان ذلك هو الشر لما فعله ابن مسعود. 

إذن الخلاف العلمي في مواطن الاجتهاد ليس شرا وهذا ما ذكره العلماء بعبارات كثيرة، من ذلك قول ابن تيمية رحمه الله:
(والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتابا سماه كتاب الاختلاف فقال أحمد سمه كتاب السعة! 
وأن الحق في نفس الأمر واحد وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه لما في ظهوره من الشدة عليهم ويكون من باب قوله تعالى (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)). 

وقال رحمه الله في شرح عمدة الفقه: (فإن إلزام العامة بقول واحد بعينه في جميع الأحكام فيه عسر وحرج عظيم منفي بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقد جعل اختلاف العلماء رحمة وسعة)).

إذن الخلاف ليس شرا كما تعتقد ولكن الشر يأتي من سوء التعامل مع الخلاف، إما بتفريط وإما بإفراط. 
أما التفريط فكفعل من يسوغ الأخذ بكل قول قيل وإن كان شاذا، أو كفعل من يذكر كل الأقوال للمستفتي ويخيره في الأخذ بأي قول منها، أو كفعل من يتخير هو للمستفتي القول الذي يريد أن يسمعه، وكفعل من يخالف خلافا تترتب عليه فتنة كالاختلاف على الأئمة أو أمراء الحروب بحجة أن الخلاف في المسألة معتبر، فهذا كله تساهل مذموم. 

وأما الإفراط فكفعل من يقطع بصجته قوله في مسألة اجتهادية ليس فيها نص ولا إجماع ولا قياس جلي، وكفعل من يحمل الناس على قوله في مسألة اجتهادية ويكتم عنهم بقية الأقوال على الدوام حتى ينشأ جيل لا يعرف شيئا عن هذه الأقوال أو يسفهها أو ينكر على معتقديها، وكفعل من يسفه أو يفسق أو يبدع مخالفه في مسألة اجتهادية. 

كيف نتعامل مع الخلاف؟

سؤال مهم: كيف نتعامل مع الخلاف بطريقة صحيحة؟

إذا كنت عاميا لا قدرة لك على النظر في المسائل والترجيح بين أقوال العلماء فالواجب عليك أن تستفتي من تثق فيه من أهل العلم لقوله تعالى (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وتعمل بما يفتيك به. 

واعلم أنه يحرم عليك النظر في اختلاف العلماء وأدلتهم على سبيل والترجيح بينها إذا لم تكن أهلا لذلك لقوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) وأن اختيارك بين أقوال أهل العلم بالتشهي مخالف لمراد الشرع وحكمته من شرع الأحكام بل مناقض للحكمة من أنزال الكتب وبعثة الرسل التي جاءت لتخرج المكلفين من داعية الهوى إلى اتباع الهدى والبحث عن الحق لا عن مراد النفس وشهواتها.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الخلاف-الفقهي
اقرأ أيضا
التغريب: الأهداف والأساليب ج1 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج1


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2183
صورة الفتح الإسلامي في العلم والثقافة | مرابط
اقتباسات وقطوف

صورة الفتح الإسلامي في العلم والثقافة


كان الفتح الإسلامي أكبر حادث علمي لأنه حمل إلى البلاد التي فتحها علم السماء والأرض فحرر عقولها بالتوحيد وأعتقها من عبودية الأحجار والأشجار والنيران والأخشاب والقسس والأشراف ثم وضع في أيديها القرآن الذي يأمر بالتفكر في خلق السموات والأرض

بقلم: علي الطنطاوي
605
الأولاد أمانة | مرابط
مقالات

الأولاد أمانة


اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبيان أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا

بقلم: أبو حامد الغزالي
297
حاجة الأمة إلى الرجال | مرابط
تفريغات

حاجة الأمة إلى الرجال


قد تمر بالإسلام أزمات قد تمر بالمسلمين شدائد وضائقات قد يمر بالمسلمين عسر شديد تنقطع بهم السبل فيتحير الناس ويضطربون ويميدون ويحيدون عن شرع الله فترى الناس متفرقين شذر مذر لا يرى أحدهم الحق ولا يتبعه حيرتهم فتن الحياة الدنيا فاضطربوا اضطرابا شديدا وتبعثروا وتفرقوا فمن الذي يثبت في هذه الحالة؟ ومن الذي يقوم بواجب التثبيت؟ في حالة الأزمات تكتشف أنت معادن الرجال يفضي كل رجل إلى معدنه الخالص ليستبين أمام الناس هل هو من أهل العقيدة أم لا؟

بقلم: محمد المنجد
427
دلالة التواتر على حجية السنة النبوية | مرابط
تعزيز اليقين إنفوجرافيك

دلالة التواتر على حجية السنة النبوية


إن إثبات صحة ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا في شأن لزوم اتباع سنته يتطلب علما خاصا بالرواة والأسانيد وقوانين علم الحديث غير أن هناك أمورا كثيرة ثبتت عنه بنقل متواتر لا يتطلب ذلك العلم الخاص ولا يختلف كل من ينسب نفسه إلى شيء من العلم بالشرع في أنها ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم وفيها ما يبلغ أعلى ما يمكن أن يبلغه التواتر عند عموم البشر مما لا ينازع فيه أحد إلا السفسطائيون وأشباههم كالمنازعة في وجود شخص المسيح عليه السلام وفي وجود فراعنة مصر في التاريخ ونحو ذلك

بقلم: أحمد يوسف السيد
1430
مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية | مرابط
مناقشات

مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية


بعد خمسة عشر قرنا من استقرار أحكام الإسلام في نصوص الوحي وآثار الصحابة والتابعين وتقريرات المذاهب الأربعة تفاجأ المسلمون بالتفوق المادي للمجتمعات الغربية وتعلق الناس بثقافتها التي تمركز الحرية الليبرالية وتفاجأ المعنيون بأمر الإسلام أمام هذا السؤال أعني سؤال الموقف من الثقافة الليبرالية الغالبة فجماهير الفقهاء والدعاة مالوا إلى ضرورة التمسك بنص الإسلام كما أنزل وكما فهمته القرون المفضلة مع الأخذ بالأسباب والوسائل المادية المعاصرة وذهبت طوائف من العلمانيين إلى رفض أحكام الإسلام ببجاحة وضرورة...

بقلم: إبراهيم السكران
705