أما ما أحب أن أتكلم عليه في الموضوع، الذي هو موضوع الساعة، فهو ما يتعلق بالأفراح (أفراح الأعراس) ولابد أن نعرف حقائق في ذلك:
الاختلاط والرقص في الحفلات
الحقيقة الأولى: أن الزواج نعمة من الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" [الروم:21] فهذه من آيات الله ومن نعم الله، وإذا كانت كذلك، فهل يليق بنا أن نستفتح هذه النعمة بشيء محرم؟ الجواب: لا.
فمن المحرمات أن يختلط الرجال بالنساء في هذه الحفلات، بل شباب يختلطون بالشابات، وربما يحصل فوق الاختلاط من الرقص -ولا أقول هذا في بلدنا هذه- لكن سمعت أنه يوجد الاختلاط بين الرجال والنساء ويحصل رقص من الرجال والنساء في هذه المناسبة، وهذا لا شك أنه كفر بالنعمة، والواجب علينا أن نبعد الرجال عن النساء، نجعل هؤلاء في مكان وهؤلاء في مكان، ولا حرج أن تقوم النساء بضرب الدف والأغاني النظيفة الطاهرة، التي تنبئ عن الترحيب بالحاضرين وعن السرور بهذا النكاح وما أشبه ذلك.
أما أن تتخذ المعازف والأغاني الخليعة؛ فلا يجوز أن نتوسع ونقول: إن الغناء وضرب الدف في الزواج من الأمور المشروعة ثم نتوسع ونأتي بالمعازف والمغنيات الخليعات، فإن هذا لا يجوز، إذا رخص الله لنا في شيء فلنقتصر على الرخصة، ولم يرخص الشرع في هذه المناسبة بهذا النوع من العزف -أي: عزف الدف- وهذا النوع من الأغاني إلا من أجل إدخال شيء من السرور على النفس بهذه المناسبة، أما أن نحولها إلى شيء آخر فإن هذا لا يجوز.
الأغاني ومكبرات الصوت
الحقيقة الثانية: لا يجوز أن ترفع هذه الأغاني بواسطة مكبر الصوت على الخارج؛ لما يترتب على ذلك من إزعاج الجيران ومن إظهار صوت المرأة على وجه يثير الفتنة، وقد قال الله سبحانه وتعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً" [الأحزاب:32] ومعلوم أن خروج صوت المرأة وهي تغني أشد فتنة من أن تخضع بالقول لواحد من الناس، وهذه الحقيقة يجب أن يشعر بها كل واحد منا، كيف يليق بك أن تجعل مكبر الصوت وعلى أعلى صوته علىجدار القصر يؤذي الجيران ويزعجهم ويظهر صوت المرأة؟ إذا كان ولا بد فاجعل مكبر الصوت داخل القصر، في المكان الذي فيه النساء فقط وفي ذلك كفاية.
التفريط في النساء
الحقيقة الثالثة: أن هؤلاء النساء يأتين إلى القصور مع أولياء أمورهن، فيضعها ولي الأمر ويذهب إلى أصحابه، وربما تطول المدة وينتهي الحفل وهذه المرأة لم يحضر وليها، وهذه مشكلة كبيرة وخطر عظيم، فمن الولاية والرعاية أن ولي المرأة إذا وضعها في مكان أن يكون قريباً منها بحيث إذا احتاجت إليه حاجة طارئة أو احتاجت إليه بعد انقضاء الحفل يكون قريباً منها ويتولاها هو بنفسه، خوفاً من أن يتولاها غيره فتهلك، وإذا كان لا يتمكن من القرب منها فإنه لا يحضرها أصلاً، لأن إحضارها إلى مكان الحفل ليس بواجب، حتى لو كانت من الأقارب إذا كان لا يستطيع أن يتولاها بنفسه أو يتولاها أحد من محارمها غيره فلا حاجة إلى أن تخرج أصلاً، ولكن كثيراً من الناس يتهاونون في هذه الأمور وهو خطأ، وأنت مسئول عن أهلك في الدنيا والآخرة، فلا تضيع هذه المسئولية باتباع هواك وغفلتك وتهاونك في أمور أهلك.
الإسراف في الإنفاق
الحقيقة الرابعة: الزيادة في إنفاق المال في الوليمة الكبيرة التي تعد لنحو خمسمائة نفر ولا يحضر إلا مائة نفر، فإن هذا لا شك من الإسراف وقد قال تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأعراف:31] والفقهاء رحمهم الله يقولون: تسن الوليمة بشاة فأقل، والآن -كما تشاهدون- تذبح غنم كثيرة، بل وربما تذبح الإبل ويدعى أمم كثيرة، ولا يحضر إلا نصف المدعوين أو ربعهم أو أقل أو أكثر، المهم ليس كلهم يحضرون فيضيع هذا المال، نعم. إن كان هناك أناس يأخذون ما فضل ويتصدقون به على العمال أو غيرهم ممن ينتفع به فالأمر في هذا أهون، وربما لا نقع في الإثم إذا كان الأمر كذلك لكن سوف نخسر مالاً كثيراً، وربما لا يحصل من يتلقى هذا الفضل وينتفع به، لهذا يجب أن ندبر هذا الأمر، والاقتصاد -كما يقال- نصف المعيشة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المتواصين بالحق والصبر والمرحمة، وأن يجعل عامنا هذا عام خير وبركة لنا وللمسلمين جميعاً إنه جواد كريم.