الأخلاق المذمومة عند طلاب العلم

الأخلاق المذمومة عند طلاب العلم | مرابط

الكاتب: الآجري

315 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هُدْبَةُ، أَخْبَرَنَا حَزْمٌ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ أَشْهَبَ، لَا يُبْصِرُ زَمَانَكُمْ إِلَّا الْبَصِيرُ، إِنَّكُمْ فِي زَمَانِ نَفَخَاتِهِمْ، قَدِ انْتَفَخَتْ أَلْسِنَتُهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَطَلَبُوا الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ، فَاحْذَرُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، لَا يُوقِعُوكُمْ فِي شَبَكَاتِهِمْ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تَأْكُلُ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ أَنْتَ تَفْخَرُ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تُكَاثِرْ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تَسْتَطِيلُ بِعِلْمِكَ، لَوْ كَانَ هَذَا الْعِلْمُ طَلَبْتَهُ لِلَّهِ لَرُئِيَ ذَلِكَ فِيكَ، وَفِي عَمَلِكَ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَصِفْ لَنَا أَخْلَاقَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ عِلْمُهُمْ حُجَّهٌ عَلَيْهِمْ..،

فَمِنْ صِفَتِهِ فِي طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ: يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنَ الْعِلْمِ مَا أَسْرَعَ إِلَيْهِ هَوَاهُ. فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ؟ قُلْتُ: لَيْسَ مُرَادُهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ لِيَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيمَا يَعْبُدُهُ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ، إِنَّمَا مُرَادُهُ فِي طَلَبِهِ أَنْ يُكْثِرَ التَّعَرُّفَ أَنَّهُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ، وَلِيَكُونَ عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ هَذَّبَ نَفْسَهُ، وَكُلُّ عِلْمٍ إِذَا سَمِعَهُ أَوْ حَفِظَهُ شَرُفَ بِهِ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ، سَارَعَ إِلَيْهِ، وَخَفَّ فِي طَلَبِهِ، وَكُلُّ عِلْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْلَمَهُ فَيَعْمَلَ بِهِ، ثَقُلَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، فَتَرَكَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُ، مَعَ شِدَّةِ فَقْرِهِ إِلَيْهِ.

يَثْقُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَفُوتَهُ سَمَاعٌ لِعِلْمٍ قَدْ أَرَادَهُ، حَتَّى يُلْزِمَ نَفْسَهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي سَمَاعِهِ، فَإِذَا سَمِعَهُ هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ، فَلَمْ يُلْزِمْهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، كَمَا أَلْزَمَهَا السَّمَاعَ فَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ إِنْ فَاتَهُ سَمَاعُ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ، أَحْزَنَهُ ذَلِكَ، وَأَسِفَ عَلَى فَوْتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ مِنْهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْزَنَ عَلَى عِلْمٍ قَدْ سَمِعَهُ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ، فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْزَنَ عَلَيْهِ وَيَتَأَسَّفَ.

يَتَفَقَّهُ لِلرِّيَاءِ، وَيُحَاجُّ لِلْمِرَاءِ، مُنَاظَرَتُهُ فِي الْعِلْمِ تُكْسِبُهُ الْمَأْثَمَ، مُرَادُهُ فِي مُنَاظَرَتِهِ أَنْ يُعْرَفَ بِالْبَلَاغَةِ، وَمُرَادُهُ أَنْ يُخَطِّئَ مُنَاظِرَهُ، إِنْ أَصَابَ مُنَاظِرُهُ الْحَقَّ أَسَاءَهُ ذَلِكَ. فَهُوَ دَائِبٌ يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّ الشَّيْطَانَ، وَيَكْرَهُ مَا يُحِبُّ الرَّحْمَنُ، يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ لَا يُنْصِفُ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَهُوَ يَجُورُ فِي الْمُحَاجَّةِ، يَحْتَجُّ عَلَى خَطَئِهِ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ، وَلَا يُقِرُّ بِهِ، خَوْفًا أَنْ يُذَمَّ عَلَى خَطَئِهِ.

يُرَخِّصُ فِي الْفَتْوَى لِمَنْ أَحَبَّ، وَيُشَدِّدُ عَلَى مَنْ لَا هَوَى لَهُ فِيهِ، يَذُمُّ بَعْضَ الرَّأْيِ، فَإِنِ احْتَاجَ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا لِمَنْ أَحَبَّ دَلَّهُ عَلَيْهِ، وَعَمِلَ بِهِ، مَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُ عِلْمًا، فَهِمَّتُهُ فِيهِ مَنَافِعُ الدُّنْيَا، فَإِنْ عَادَ عَلَيْهِ خَفَّ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ لِلدُّنْيَا -وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ الْآخِرَةُ- ثَقُلَ عَلَيْهِ.

يَرْجُو ثَوَابَ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، وَلَا يَخَافُ سُوءَ عَاقِبَةِ الْمُسَاءَلَةِ عَنْ تَخَلُّفِ الْعَمَلِ بِهِ، يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ عَلَى بُغْضِهِ مَنْ ظَنِّ بِهِ السُّوءَ مِنَ الْمَسْتُورِينَ، وَلَا يَخَافُ مَقْتَ اللَّهِ عَلَى مُدَاهَنَتِهِ لِلْمَهْتُوكِينَ.

يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا يَخَافُ عَظِيمَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ اسْتِعْمَالَهَا، إِنْ عَلِمَ ازْدَادَ مُبَاهَاةً وَتَصَنُّعًا، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى مَعْرِفَةِ عِلْمٍ تَرَكَهُ أَنَفًا، إِنْ كَثُرَ الْعُلَمَاءُ فِي عَصْرِهِ فَذُكِرُوا بِالْعِلْمِ أَحَبَّ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُمْ، إِنْ سُئِلَ الْعُلَمَاءُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يُسْأَلْ هُوَ، أَحَبَّ أَنْ يُسْأَلَ كَمَا سُئِلَ غَيْرُهُ، وَكَانَ أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْمَدَ رَبَّهُ إِذْ لَمْ يُسْأَلْ، وَإِذْ كَانَ غَيْرُهُ قَدْ كَفَاهُ.

إِنْ بَلَغَهُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَخْطَأَ، وَأَصَابَ هُوَ، فَرِحَ بِخَطَأِ غَيْرِهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَسُوءَهُ ذَلِكَ. إِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ سَرَّهُ مَوْتُهُ، لِيَحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِ، إِنْ سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنِفَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ، حَتَّى يَتَكَلَّفَ مَالَا يَسَعُهُ فِي الْجَوَابِ، إِنْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ كَرِهَ حَيَاتَهُ، وَلَمْ يُرْشِدِ النَّاسَ إِلَيْهِ، إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا فَتُوبِعَ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ لَهُ بِهِ رُتْبَةٌ عِنْدَ مَنْ جَهِلَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَنِفَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ خَطَئِهِ، فَيَثْبُتُ بِنَصْرِ الْخَطَأِ، لِئَلَّا تَسْقُطَ رُتْبَتُهُ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ.

يَتَوَاضَعُ بِعِلْمِهِ لِلْمُلُوكِ، وَأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، لِيَنَالَ حَظَّهُ مِنْهُمْ بِتَأْوِيلٍ يُقِيمُهُ، وَيَتَكَبَّرُ عَلَى مَنْ لَا دُنْيَا لَهُ مِنَ الْمَسْتُورِينَ وَالْفُقَرَاءِ، فَيَحْرِمُهُمْ عِلْمَهُ بِتَأْوِيلٍ يُقِيمُهُ. يَعُدُّ نَفْسَهُ فِي الْعُلَمَاءِ، وَأَعْمَالُهُ أَعْمَالُ السُّفَهَاءِ، قَدْ فَتَنَهُ حُبُّ الدُّنْيَا وَالثَّنَاءِ وَالشَّرَفِ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا، يَتَجَمَّلُ بِالْعِلْمِ كَمَا تَتَجَمَّلُ بِالْحُلَّةِ الْحَسْنَاءُ لِلدُّنْيَا، وَلَا يُجَمِّلُ عِلْمَهُ بِالْعَمَلِ بِهِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْخِصَالَ، فَعَرَفَ أَنَّ فِيهِ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ، وَأَنْ يُسْرِعَ الرُّجُوعَ إِلَى الْحَقِّ


المصدر:
الآجري، أخلاق العلماء ص96

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#طلب-العلم #الأخلاق
اقرأ أيضا
عجز العقل عن إدراك الحقائق كاملة | مرابط
تفريغات

عجز العقل عن إدراك الحقائق كاملة


الفكر الإنساني لا يستطيع أن يقيم من خلال هذا الركام الهائل من التصورات والأفكار والعقائد التي يموج بها تأريخ الإنسان وواقعه أصولا توقفه على اليقين المنافي للشك والقضايا التي يريد أن يصل فيها إلى اليقين لا يدخل كثير منها في المجال الذي يحسن العقل الإنساني النظر فيه.

بقلم: عمر الأشقر
527
نتوكل على الله سبحانه | مرابط
اقتباسات وقطوف

نتوكل على الله سبحانه


لو علم المرء أن فلانا من المسؤولين هو المتكفل بمعاملته لتنفس اليقين وفرغ قلبه من الشك بتحقق مطلبه فكيف يفوت المرء على نفسه أن يكون الله خالق هذه الحاجات والخالق لسبل قضائها والخالق لموانعها هو الذي سيتكفل بأمرك إذا توكلت عليه

بقلم: إبراهيم السكران
678
عن آخر رجل يدخل الجنة | مرابط
مقالات

عن آخر رجل يدخل الجنة


إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغل المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا

بقلم: عبد الله القرني
322
قصور العقول عن إدراك مسألة القدر | مرابط
مقالات

قصور العقول عن إدراك مسألة القدر


وقصور عقول البشر سبب لإنكار كثير مما لا تدركه من أحكام الله وأداره فالله خلق عقل الإنسان وجعله كالوعاء يحوي به وجعل الأوعية مختلفة لم يجعل للأوعية طاقة باستيعاب كل شيء فإن منها ما لا يصلح لها ومنها ما يمكن أن يحتوي منه بقدر وما زاد فاض. وأصل الضلال: اغترار الإنسان بعقله وطلبه أن يحوي كل شيء به وبعض المعلومات بالنسبة للعقل كالمحيطات بالنسبة للأواني لو سكبت عليه طوته وضاع فيها وتحير.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
233
شبهة: بين إباحة الزواج من الكتابية ومنع الترحم عليها | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: بين إباحة الزواج من الكتابية ومنع الترحم عليها


يعني لا يظنن ظان أن إباحة الزواج من الكتابيات يعني أن دينهن مرضي عند الله تعالى. بل كل من كفر بالإيمان من توحيد الله تعالى والإيمان بجميع رسله ومنهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وجميع كتبه ومنها القرآن...كل من كفر بهذا الإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين...لاحظ: فقد حبط عمله فلا أجر له عليه في الآخرة وهو في الآخرة من الخاسرين وليس من المرحومين كما يقول المبطلون!!

بقلم: د. إياد قنيبي
323
هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟


قالوا: النص القرآني تعرض للتغيير والتحريف الذي طرأ عليه بسبب خطأ الرواة والنساخ واستدلوا لذلك بما روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ أفلم يتبين للذين آمنوا فقيل له: إنها أفلم ييأس الذين آمنوا الرعد: ٣١ فقال: إني أرى الكاتب كتبها وهو ناعس.. وبين يديكم رد على هذه الشبهة بقلم الدكتور منقذ السقار.

بقلم: منقذ السقار
600