أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم

أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم | مرابط

الكاتب: د راغب السرجاني

827 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

تحقق نصر الله لرسوله والمؤمنين عند بذل الأسباب

نحن لسنا أعز على الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد مضت معه هذه السنة في كل حياته.

 

تحقق النصر في بدر

فقد واجه في بدر مثلًا أبشع أجيال الكافرين يتزعمهم فرعون هذه الأمة لمقاتلة خير أجيال الأرض يقودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم تنزل الطير الأبابيل على جيش الكافرين لتمنع الموقعة بينهم، بل على العكس كل الملابسات كانت تدفع دفعًا إلى القتال على غير رغبة الطرفين، قال الله عز وجل: وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [الأنفال:42]. ويقول في موضع آخر: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [الأنفال:44]، فلا بد من اللقاء، ولن تنزل الطير الأبابيل قبل اللقاء، مع أن جيش المؤمنين أكرم على الله عز وجل من أهل مكة حين غزاها أبرهة عليه لعنة الله، ولكنها السنة الجديدة تقول: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، فلا بد من اختيار المكان، ولا بد من الشورى الحقيقية وتنظيم الصفوف والتأليف بين القلوب، وحمل السيوف، ولا بد من خطة محكمة ودعاء في كل وقت، وثبات راسخ وجراح وآلام ودماء وشهداء، وعند ذلك ستنزل الطير الأبابيل في صورة ملائكة أو مطر أو رعب في قلوب الكافرين، أو في صورة فرقة وتشتت في صفوف أعداء الدين، أو في أي صورة يختارها الله رب العالمين، لكن المهم أنه لا بد من عمل وحركة وإيجابية.

 

تحقق النصر في الأحزاب

وفي الأحزاب مثلًا كان جيش الكافرين عشرة الآلاف يحاصرون خير الأنبياء والأصحاب ويهددون الإسلام بالاستئصال، وكان الحق الكامل في داخل المدينة، والباطل الكامل حولها، ومع ذلك لم تنزل الطير الأبابيل على جيش الكافرين، ولم يحدث لهم خسف ولا صاعقة ولا صيحة ولا طوفان، فالسنة واضحة، إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، فلا بد من اليقين بالنصر والوحدة بين المؤمنين والخطة المناسبة وحفر الخندق والصبر على الجوع وعقد الأحلاف وفك الرباط بين صفوف المشركين واليهود وحسن المبارزة وقوة المخابرات، كل ذلك جنبًا إلى جنب مع العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة، وعندما يحدث كل ذلك ينزل نصر الله عز وجل على عباده الثابتين، وتنزل الطير الأبابيل أو أشباهها في صورة ريح وفرقة بين المشركين واليهود ورعب، المهم أنه لا بد من عمل دءوب صالح مخلص لله عز وجل.

 

عدم مخالفة المنهج في أحد

وفي أحد هزم المسلمون الأكرمون من الكافرين الملحدين لما خالف المسلمون المنهج، وخاطب الله عز وجل رسوله والمؤمنين فقال: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا [آل عمران:165]، أي: أنه عجب المؤمنون لماذا هزمهم الكافرون؟ قال الله عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا [آل عمران:165]، أي: قبل ذلك انتصرتم في بدر، ثم بعد أن هزمتم تقولون أنى هذا؟ قال الله عز وجل: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].

والمسلمون لم يخالفوا في أحد فقط مخالفة تكتيكية بترك الرماة للجبل، وإنما خالفوا مخالفة قلبية خطيرة، قال الله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا [آل عمران:152]، ولم تنزل الطير الأبابيل على المسلمين لتنقذهم من أخطائهم، فالسنة المستقرة هي: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

وتذكروا أننا لسنا في زمان أبرهة، وإنما نحن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زمان سنة الله التي وضعها لأمة رسوله صلى الله عليه وسلم.


أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم


إننا نتساءل اليوم ما العمل مع هذا الوضع التي تعيشه أمة الإسلام في هذه الأيام؟ وما العمل مع المأساة التي تمر بها العراق والمصائب التي تعاني منها فلسطين والكوارث التي تتوالى على الشيشان والظلم الذي يقع على المسلمين في كشمير وفي البوسنة وفي كوسوفو وفي الفلبين وفي بورما وفي أفغانستان وفي السودان وفي ليبيا وفي غيرها من بلاد المسلمين؟

إن المشكلة ليست مشكلة دولة أو مجتمع أو فرد، وإنما هي مشكلة أمة كاملة، أمة عاشت سنوات تقود غيرها فإذا بها اليوم تقاد، أمة رفعت رأسها قرونًا فإذا هي اليوم تطأطئ رأسها للشرق وللغرب، أمة ظلت دهرًا تعلم الناس الخير وتضرب لهم الأمثال في الأخلاق، وتأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل، فإذا بها بعد أن عرفت طريق الهدى وعرفت به تتبع هذا وذاك، وهذه مشكلة خطيرة.

إخواني في الله! أنا لست مع أنصاف الحلول وتمييع القضايا والعلاج المؤقت، ولا أريد تفريغًا للشحنات ولا مهبطات للحرارة دون علاج للأسباب الحقيقية للمرض، ولا أريد شعارات جوفاء ولا أصواتًا عالية ولا تشنجات مفتعلة، ولا إلصاق أخطائنا ومشاكلنا وهمومنا بحاكم أو بعالم أو بداعية أو بجماعة أو بصديق أو بعدو، وإنما أريد فقهًا عميقًا لأسباب المرض وعلاجًا شرعيًا له.

والمشكلة في اعتقادي فكرية في المقام الأول، وهي سوء فهم خطير لكثير من الأصول الثوابت في الإسلام، سوء فهم وقد انتشر سوء الفهم هذا في أبناء الأمة من أقصاها إلى أقصاها إلا من رحم الله عز وجل. والحل هو في العودة إلى فهم الإسلام من مصادره الأصيلة.

ففي قضية العراق مثلًا تعددت الأطروحات لعلاج هذه القضية، فواحد يقول مثلًا: على صدام حسين أن يتنحى، وآخر يقول: على الدول العربية أن تسير في الطرق السلمية مهما تفاقم الأمر، وعلى الأمم المتحدة أن تتحرك، وعلى الأمريكان أن ينهوا المشكلة بسرعة، وعلى العراق أن يدمر كل أسلحته، وعلى المسلمين أن يستنفروا الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا للوقوف أمام أمريكا، وثالث يقول: نريد درعًا بشريًا في العراق.

إخواني في الله! هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيضع هذه الأطروحات لو كان يتابع معنا الموقف في العراق؟! فنحن نريد توحيد المفاهيم على أساس شرع الله عز وجل، ونريد حركة بهذه المفاهيم وسط أبنائنا وأحفادنا وجيراننا ومجتمعاتنا، ونريد عملًا بكل مفهوم علمنا أنه في دين الله عز وجل.

 


 

المصدر:

محاضرة لسنا في زمن أبرهة، للدكتور راغب السرجاني

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
فن أصول التفسير ج6 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج6


وبعض المتصوفة وذكره عنهم أبو عبد الرحمن السلمي قالوا: والبيت المعمور الطور:4 هذا والله قلب رسول الله قد عمره الله بالطاعة وهذا المعنى صحيح بلا خلاف لكن هل المراد بالبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم نقول: لا لا علاقة بين هذا المعنى المذكور وبين الآية فالمعنى المذكور من حيث هو صحيح لكن الآية لا تدل عليه بأي وجه من الوجوه ولهذا يعتبر هذا من التفسير الإشاري الخطأ الذي لا يقبل

بقلم: مساعد الطيار
773
محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه


إذا تأملنا في الشبهات المثارة ضد تشريعات الإسلام وأحكامه العملية فإننا نجد أنها تمر -في الغالب- من ثلاثة أبواب: وهي الجهاد والمرأة والحدود وإذا أمعناالنظر في كل باب من هذا الأبواب من جهة مقاصدها التشريعية وتفصيلات الأحكام المتعلقة بها فسنجد فيها من الحكمة والحسن والجمال ما يصح لنا أن نفخر به لا أن نواريه ونخجل منه

بقلم: أحمد يوسف السيد
972
الداعية الجوكر | مرابط
مقالات

الداعية الجوكر


ظهر الجوكر في المسلمين بحلة جديدة فهو الذي يقيم الحلقة ويخلطها بالدعوة فلا يتخول الناس بها من باب ساعة وساعة بل هي الأصل فلا يأنف من تقليد المغنيين ولا التغني بأغاني الفساق ولا يستوحش من القيام بالحركات الدنية وكل خوارم المروءة من أخذ الصور مع الفسقة ومجالستهم ليس لنصحهم وإنما للحديث عن اختلاف الرأي

بقلم: قاسم اكحيلات
697
ظهور اليهود المسلمين | مرابط
فكر تفريغات

ظهور اليهود المسلمين


مقطع من محاضرة قديمة للدكتور عبد الوهاب المسيري كان يتحدث فيها عن العدو الصهيوني ووقف على ظاهرة وجود المسلمين اليهود بيننا حتى لو كانوا يصلون ويتمسكون بالظاهر الخاص بالمسلمين ولكن كل هذه ادعاءات فارغة من يحاول النظر إلى بنيتهم الداخلية سيجد أنه أمام صهيوني أو يهودي من الطراز الأول كما يحدثنا عن الدعاية الإسرائيلية وآثارها في بث الرعب في قلوبنا

بقلم: عبد الوهاب المسيري
1223
تأثير القرآن | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

تأثير القرآن


انظر كيف بدل القرآن وجه الأرض وغزا ربوع الدنيا كيف عمد إلى خلق كانوا أذل قوم يسجدون للحجارة ويدعونها ويسألونها يسفكون الدماء فصيرهم خير الناس هديا وأحسنهم سمتا وأعقلهم قولا وأعدلهم حكما وأعزهم ذكرا ملكهم رقاب الملوك ومكنهم من قلوب العباد

بقلم: كريم حلمي
644
بطلان نظرية داروين وأتباعه | مرابط
اقتباسات وقطوف

بطلان نظرية داروين وأتباعه


مقتطف للشيخ أحمد شاكر رحمه الله يرد فيه على دارون وأتباعه ويستدل بآي الكتاب المحكم وعلى الرغم من أن العلم نفسه أثبت ما فيه هذه النظرية من الأخطاء وظهرت العديد من النسخ الداروينية المعدلة على يد العلماء المؤيدين إلا أن الوقوف على الدليل الشرعي المثبت لبطلانها ضروري وواجب

بقلم: أحمد شاكر
1263