تاريخ التهريج تَليد، يعود إلى مصرَ القديمة، وكلمة (clowns) أول من استعملها (شِكسبير) في مسرحياته دلالة على بعض البُلَهاء.(http://bit.ly/2QAfyhQ).
ثم عرف المهرجون تطورا كبيرا، وتحولوا من رمز للضحك إلى رمز للخوف وسفك الدماء كما صورت ذلك السينما الأمريكية، ثم إلى واقع بعد ظهور قتلة بملابس التهريج.
يرى بعضهم أن المهرج لم يكن لطيفا، فهو يخفي خلف قناعه الخداع والشر، وقد تتبع (Benjamin Radford) تاريخهم الدموي في كتابه (bad clowns). بل إن أصل كلمة (clowns) ألماني وتعني البليد أو سيء التربية (1). يمكنك قراءة الكتاب في الموقع: (http://bit.ly/39koLRQ).
لم تعرف العرب في جاهليتها المهرج بمعناه الخاص الذي يتخذ الضحك مهنة وديدنا، وإنما اشتهر في زمن الأمويين والعباسيين على الخصوص.
كلمة بهلوان قيل انها معربة من الفارسية وتعني (البطل) راجع: (تكملة معاجم اللغة.468). وقيل من (البهلُول) وهو الضحاك من الرجال (2)، وقيل: أصل الكلمة يعود إلى مصر القديمة فهي (بي إهليوان) و تعني الذي صار كالقرد! (3)
اقتصر عمل المهرج قديما على القصور للترويح على الأمراء، ثم صار الأمر عاما ووسيلة للتكسب بإضحاك الناس، وأشهر المهرجين في وقتهم: أبو دلامة وأبو العيناء، وكان منهم من يستغلون قبح خلقته، وبعضهم تخنثه! (4)
لم يفلح المهرج يوما في أن يكون متدينا وصاحب علم، قيل لأشعب: لو رويت الحديث وتركت النوادر كان أنبل لك؛ قال: والله قد سمعت الحديث ورويته! قالوا: فحدّثنا. قال: حدّثني نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلّتان من كانتا فيه كان من خالصة الله. قالوا: هذا حديث حسن فما هما الخصلتان؟. فقال: نسي نافع واحدة ونسيت أنا الأخرى! (5)
ظهر الجوكر في المسلمين بحلة جديدة، فهو الذي يقيم الحلقة، ويخلطها بالدعوة، فلا يتخول الناس بها من باب ساعة وساعة، بل هي الأصل، فلا يأنف من تقليد المغنيين ولا التغني بأغاني الفساق، ولا يستوحش من القيام بالحركات الدنية وكل خوارم المروءة من أخذ الصور مع الفسقة ومجالستهم ليس لنصحهم وإنما للحديث عن اختلاف الرأي!. وكل هذا تحت غطاء استمالة القلوب والدين ليس الابتعاد عن الحياة لحد الدخول في السفه.
كل هذا قد يصبر عليه المرء، لكن الجوكر تجاوز الأمر بعدما صار له أتباع وغره عدد الإعجابات والدعوات، فصار يفتي! فقال لمن سألته عن حكم الزواج من كافر، فأجاب بكل رقة: "الأفضل أن لا تفعلي"! عجيب، وكأن الذي ليس بالأفضل هو أن تفعل!. ولا يأنف من وصف من خالف قوله من كبار العلماء بالجنون والجهل!. بل قد يستدل بصحة قوله بعدد المشاهدين!
الداعية يكون وقورا وإذا ضحك لا يخرج إلى حد المجون، قال الغزالي: "من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة يواظب عليه ويفرط فيه" (6)
وقال أحمد: “لا ينبغي للعالم أن يتبسط عند العوام حفظا لهم، ومتى أراد مباحا فليستتر به عنهمّ” (7)
وهذا النوع من البشر لا تقبل شهادته فكيف بدعوته؟!. قال الدردير: "(و) لم يباشر (سفاهة) أي مجونا بأن يكثر الدعابة ولم يبال بما يقع منه من الهزل".
قال الدسوقي: "وقوله بأن لا يبالي بما يقع منه من الهزل أي كإخراج الصوت من فيه وكالنطق بألفاظ الخنا في الملإ مما يستبشع النطق به". (8) فللمزاح ضوابط دون تهتك أو سفه. (9)
الجوكر لا ينكر عليه أحد من الشيوخ، ليس مراعاة للمفسدة، بل خوفا من شهرته وعدد أتباعه..، فلا أحد ينصح ممن يجالسه، بل يرفعون في أمره ويستقبلونه في لقاءاتهم فلا يفيد ولا يستفيد غير التنكيت.
هناك جوكر آخر، مثل الذي يستخدم في اوراق اللعب، لا يظهر إلا عند الحاجة لتلميع صورة شخص ما أو تبرير موقف، كمن يجالس أحد العلمانيين الذين يحاربون الدين وأهله، لا لمناظرته بل للتنكيت والحديث عن التشدد!. التشدد بمفهوم العلماني الخبيث الذي يرى كل صورة من صور التدين تشدد!.
لا يجد هذا النوع حرجا في تكريم العلماني بسيدي!. مع الخلط في الأحاديث كحال القصاص. فينجح العلماني بتليمع صورته وفكره، فهو مقبول عند من يحسب على الدين، وليس كما وصفتم!.
ولو سَب العلماني رئيسه ما جالسه ولا أظهر الرحمة والتأليف، لكن حينما يتعلق الأمر بالدين فالكل يصير حكيما!.
والله المستعان.
الإشارات المرجعية:
- راجع: (bad clowns:p17)
- (تهذيب اللغة 164/6)
- راجع: (مقدمة في الفلكور القبطي، عصام الستاتي ص:182).
- راجع: (شخصية المضحك عند العرب، علي خليفة).
- (عيون الأخبار 65/2).
- (الإحياء 129/3).
- (الآداب الشرعية 225/2).
- (166/4)
- راجع: (المزاح في الإسلام، حسن أبو غدة).