المؤثرون الذين لا يؤثرون

المؤثرون الذين لا يؤثرون | مرابط

الكاتب: محمد بن سعد العوشن

845 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

مقدمة

ما أعظمها من مصيبة حين يتحول الإيجابيون والمؤثرون وطلبة العلم والدعاة والمستشارون من الإنتاج‏ المعرفي والعلمي، والتطبيق العملي وتحقيق الأهداف، وخدمة المجتمع إلى الاستهلاك فحسب!
 

وحين يتحول هؤلاء الصفوة من البحث عن الدقائق الضائعة؛ طمعا في توظيفها والاستفادة منها إلى إهدار الساعات الطوال على توافه شبكة "الإنترنت"!

وحين يكتفي القادرون على التأثير والتغيير بمجرد المتابعة و"الرتويت" والتفضيل وكتابة تعليق هنا أو هناك!

إنها مصيبة حين يصبح هم الواحد من هؤلاء -الذين آتاهم الله شيئا من العلم أو الفهم أو الوعي- وهجيراه: متابعة "الواتساب" و"السناب" و"تويتر" و"إنستغرام" للإحاطة بـ «ماجريات الشبكة العنكبوتية».

وحين يكون وقت أحدهم الذي يمضيه على جواله أكثر من الوقت المعطى لكتابه وتلاميذه وصلاته وتلاوته وأهله وأهدافه.

وحين يقدم أولئك «القدوات» أنموذجا سيئا، وقدوة غير حسنة في التعامل مع مضيعات الأوقات وترتيب الأولويات والتعامل مع التقنيات.

وحين يتساوى أفاضل القوم وأراذلهم، ويتساوى مثقفوهم وعامتهم في أسلوب التعاطي السلبي والتأثر التبعي بما يتم طرحه في شبكات التواصل.

 

إنها مصيبة حين يظن أولئك أنهم فاعلون ومؤثرون لمجرد كونهم رجع صدى لما يطرحه الآخرون، وردة فعل لمبادرات الغير.

وحين يظن الواحد منهم أن هذه الإضاعة -المجرمة شرعا- هي من باب فقه الواقع أو الاهتمام بأمور المسلمين، وهي لا تعدو أن تكون إدمانا بكل ما للكلمة من معنى، وتطبيقا فعليا لحديث المنهيات الثلاثة (قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) .

وحين يتواطأ هؤلاء على التساكت عن هذا الإدمان الإلكتروني؛ لأنهم واقعون فيه، فيشرعنونه بدلا من أن يعالجوه في أنفسهم وفي غيرهم.

 

 

أيها المباركون:

ما أحوجنا لثورة ضد هذا الإدمان الإلكتروني الخطير، يقودها القدوات التائبون ضد هذا الانسياق السلبي الأعمى مع التقنية والشبكات وما يدور فيها!

وما أحوجنا إلى وضع الأطر والأسيجة والعلامات التحذيرية أمام هذا التعلق والهيام والعشق والذوبان في شبكات التواصل مهما تلبس بلبوس حسن، وبدعوى المكاثرة والمزاحمة!

وما أحوجنا إلى مواصلة الإنكار على هذا الإدمان، وتطوير أدوات الإنكار وتنويع أساليبه، وعدم القبول بالأمر تحت ذريعة «ماعمت به البلوى»!

 

تنويهات لا بد منها:

1- هذا الحديث السابق.. موجه مني إليك أنت -أيها القارئ- شخصيا! وليس لرجل ثالث تتوهم أنني أقصده وأعنيه؛ فإحدى مشكلاتنا: شعور الواحد منا بأن هذا الكلام ينطبق على (أولئك) وليس عليه (هو)، كما تقوله «نظرية الرجل الثالث» في التأثير الإعلامي، والتوهم بأنك أنت تقدم نموذجا للاعتدال والاتزان المزعوم في التعامل مع التقنية، مع أنك في الواقع لست كذلك.

 

2- حذار من أن تعتبر حديثي هذا موجها للأسماء الشهيرة التي ذاع صيتها، من المشايخ والدعاة المعروفين، بل حديثي لك أنت؛ فكم من أدوار ومهام وأعمال تنتظر هبتك، ووقتك، وهمتك، وكم من مساحات من التأثير تحتاج لمثلك كي يقوموا بها، ويؤثروا من خلالها؛ فلم تعد صغيرا على التأثير، ونظرتك لنفسك على أنك لست الشخص المناسب للتأثير، هي مشكلة أخرى تحتاج إلى أن تتعالج منها.

 

3-  إنما يقاس حجم المشكلة بالتفكير في الفرص البديلة؛ فكم من الوقت تمضيه على جوالك؟ وما المهام التي كان بالإمكان إنجازها لو انقطعت شبكة "الإنترنت" لمدة أسبوع عن العالم كله؟

4- أستثني من بعض حديثي هذا من كانت مشاريعهم الدعوية والتعليمية قائمة على توظيف تلك التقنيات لإيصال رسالتهم بشكل جاد ومستمر وممنهج؛ فهؤلاء على ثغر عظيم يمكنهم من خلاله إنقاذ من يمكن إنقاذه، وتوظيف التقنية لخدمة أهدافهم، بدلا من أن توظفهم التقنية لخدمة أهدافها.

 

5- حديثي عن هذه المشكلة لا يعني بحال من الأحوال أنني سالم منها، وأنني الطبيب الذي يصرف وصفات العلاج لمرضاه وهو معافى، بل أنا واحد منكم، أصابني من هذا الداء ما أصابكم، لكنني لم أجد بدا من أن أقوم من بين الصفوف واعظا لنفسي ولأحبتي؛ لكي يتحقق فينا قول الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110]، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)).

 

وما أسعدني برسالة لاحقة منك تبشرني فيها بدخولك مع نفسك في برنامج علاجي فعلي، ووصولك لمرحلة التشافي من هذا الوباء.

دمت مؤثرا فاعلا إيجابيا، وجعلك الله مباركا أينما كنت.

 

وتقبل كل تقديري ومحبتي وودي، واعتذاري و قسوة عبارتي؛ فإنني أرجو أن تكون قد صدرت من قلب محب مشفق.

 

وألقاك على خير.

 


 

المصدر:

موقع الدرر السنية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج3 | مرابط
مناظرات

مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج3


أما بعد.. فقد كتبت ما حضرني ذكره في المشهد الكبير بقصر الإمارة والميدان بحضرة الخلق من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء العامة وغيرهم في أمر البطائحية يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة خمس أي بعد السبعمائة لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس على الاطلاع عليه. فإن من كان غائبا عن ذلك قد يسمع بعض أطراف الواقعة ومن شهدها فقد رأى وسمع ما رأى وسمع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
487
مشكلة الشر: المنهج المادي والتطور | مرابط
أباطيل وشبهات اقتباسات وقطوف الإلحاد

مشكلة الشر: المنهج المادي والتطور


لا يمكن للملحد طلب العدل في مقابل الظلم مثلا إلا إذا كان لديه مسبقا مصدر يوجب على المخلوقات كيف تعيش ليحتكم إليه وعليه يقيس ومن هنا: فلا يوجد أي منهج أو فكر إلحادي أو لا ديني عموما فيه مثل هذا الوجوب أو الإلزام المسبق فحيث لا خالق لا يوجد افعل ولا تفعل كل شيء سيصير نسبيا حسب حاجة كل فرد لضمان بقائه ولو على حساب ظلم أو هلاك الآخرين

بقلم: م أحمد حسن
806
بين الدوام وصلاة الفجر | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الدوام وصلاة الفجر


ومن الطريف حقا أن مثل هذا المعتاد على إخراج الفجر عن وقتها مع الالتزام ببداية الدوام الصباحي ينظر لنفسه على أنه شخص ناجح ومنضبط في حياته بل ربما أسدى بعض النصائح لبعض اليافعين حوله: كيف ينجحون في حياتهم بالانضباط والالتزام بالمواعيد والجدية في الحياة ولا يرف له جفن على صلاة الفجر التي ينقرها كل ضحى!

بقلم: إبراهيم السكران
257
لا تستعجل النتائج | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا تستعجل النتائج


إن القرآن يوجه القلوب والعقول ألا تستعجل النتائج فهي لا بد آتية حسب السنة الماضية التي لا تتبدل وأعمار الأفراد ليست هي المقياس والجولة العارضة ليست هي الجولة الأخيرة قد ينتصر الباطل فترة من الوقت ويزدهر ويتمكن ويعلو في الأرض ولكن هذا ليس نهاية القول ولا نهاية المطاف إنه جزء من سنة الله المتشعبة الجوانب

بقلم: محمد قطب
746
إسلام الوجه لله والإحسان هما أصلا الشريعة | مرابط
مقالات

إسلام الوجه لله والإحسان هما أصلا الشريعة


وهذان الوصفان - وهما إسلام الوجه لله والإحسان - هما الأصلان المتقدمان وهما: كون العمل خالصا لله صوابا موافقا للسنة والشريعة وذلك أن إسلام الوجه لله هو متضمن للقصد والنية لله كما قال بعضهم: أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
651
صدق المرسلين | مرابط
اقتباسات وقطوف

صدق المرسلين


مقتطف من كتاب درء تعارض العقل مع النقل لشيخ الإسلام ابن تيمية يشير فيه إلى استحالة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أي شيء من أهل الكتاب ولكن التشابه فيما أخبر به الرسول وأي رسول قبله يوحي بأن المرسل واحد ويدل على صدق المرسلين وهذا ما ينكره أهل الكتاب

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2395