الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد

الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد | مرابط

الكاتب: د. سلطان بن عبد الرحمن العميري

136 مشاهدة

تم النشر منذ 6 أشهر

أصول الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد، يتحصل في الأمور التالية:

الأمر الأول: تقليص دائرته، فإن كثبرا منهم جعل دائرته مقتصرة على إثبات معنى الربوبية والأسماء والصفات، وهذا خلل كبير، فدائرة التوحيد أوسع من ذلك، فإن من أهم ما يدخل فيها توحيد الله تعالى في استحقاقه للعبادة وإفراده بها دون ما سواه.

الأمر الثاني: الانحراف في حقيقة ما أثبتوه من أنواعه، ومعنى ذلك أنه مع تقليص كثير من المتكلمين لدائرة التوحيد إلا أنهم لم يصيبوا تمام الإصابة فيما أثبتوه، وإنما دخل عليهم الخلل من جهات كثيرة، فلم يجعلوا توحيد الربوبية فطريا، ولم يثبتوا تمام صفات الله تعالى، ولم يصيبوا في أدلة ما أثبتوه.

الأمر الثالث: اعتقاد كثير منهم الترادف بين الربوبية والألوهية، وذلك بجعل الإله والرب بمعنى واحد، ونفسيرهم للإله بأنه القادر على الاختراع، وقد سبق مناقشة ما في هذا الأمر من حلل.

وقد جاء في بعض كلام ابن تيمية ما يشير إلى أنه قول لجميعهم، ولكنه بين في مواضع أخرى أنه قول لبعضهم،  فإنه قول لبعض المتكلمين، كبعض متقدمي الأشاعرة وكثير من المتأخرين منهم وليس قولا لجميعهم، فإن بعضهم فق بين معنى الربوبية والألوهية واستدل بالأول على الثاني كما سبق بيانه.

الأمر الرابع: تغليب الاهتمام بالربوبية على الألوهية، ومعنى ذلك أن المتكلمين غلب عليهم الاشتعال بتفاصيل توحيد الربوبية والأسماء والصفات على توحيد الألوهية، فذكرهم لما يتعلق به كثيرًا جدًا.

ومن خلال هذا البيان يتضح لك أن المتكلمين لم يعقلوا توحيد الألوهية ولم ينكروه، وإنما أغفلوا الاشتعال به، والناظر في مصنفات المعتزلة والأشاعرة والماتريدية يجد مادة واسعة في بيان حقيقته وشرح أدلته وبراهينه وذكر لعدد من التفاصيل المتعلقة به، ولكنها لا تساوي ما فيها من مواد متعلقة بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولا تساوي منزلته في دين الله تعالى.

الأمر الخامس: الانحراف في تحديد غايته، فقد جعل كتير منهم أعلى ما في التوحيد إثبات وحدة الله تعالى في ربوبيته، يقول محمد عبده في تعريف التوحيد: “وسمي بذلك بأهم أجزائه، وهو إثبات الوحدة لله تعالى في الذات والفعل في خلق الأكوان”

الأمر السادس: الانحراف في معنى التوحيد في اللغة، وذلك أن كثيرا من المتكلمين يجعلون من معاني التوحيد في اللغة ما لا ينقسم، أو ما ينفى عنه الصفات، وفي بيان هذا الخلل يقول ابن تيمية: "ليس في كلام العرب بل ولا عامة أهل اللغات أن الذات الموصوفة بالصفات لا تسمى واحدًا ولا تسمى أحدًا في النفي والإثبات بل المنقول وبالتواتر عن العرب تسمية الموصوف بالصفات واحدا وأحدا حيث أطلقوا ذلك ووحيدا قال تعالى: "ذرني ومن خلقت وحيدا" وهو الوليد بن المغيرة.

وقال تعالى: "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف"، فسماها واحدة وهي امرأة واحدة متصفة بالصفات بل جسم حامل للأعراض، وقال تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله"، وقال تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره"، وقال تعالى "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" .. فإن كان لفظ الأحد لا يقال على ما قامت به الصفات، بل ولا على شيء من الأجسام التي تقوم بها الأعراض ﻷنها منقسمة، لم يكن في الوجود غير الله من الملائكة والإنس والجن والبهائم من يدخل في لفظ أحد، بل لم يكن في الموجودين ما يقال عليه في النفي أنه أحد"


المصدر:
د. سلطان العميري، المسلك الرشيد في شرح كتاب التوحيد

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-المتكلمين #حقيقة-التوحيد
اقرأ أيضا
من معينات الخشوع | مرابط
تفريغات

من معينات الخشوع


يجب أن يهيئ الإنسان لنفسه موضعا للصلاة الآن بالنسبة لمن يصلي في البيوت النساء الشيوخ الأطفال العجزة على كل حال من يصلي في البيت هذا يجب أن يهيئ له موضعا يكون هادئا وقد كان الأسلاف يتخذون في دورهم مساجد يصلون فيها

بقلم: سعيد الكملي
186
منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل | مرابط
تفريغات

منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل


إذا ضل الإنسان في معرفة الموازين والقوى فإنه يختل حينئذ من جهة التوكل المحبة الخوف الرجاء وما ينتج عن ذلك من بذل العبودية لله سبحانه وتعالى بعبادة الجوارح السجود لغير الله سؤال غير الله التضرع لغير الله كحال ذلك الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشفع بالله عليه لأنه عرف شيئا وجهل أشياء فكفر بالله سبحانه وتعالى ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف الله عز وجل للناس بتعريف مخلوقات الله عز وجل إليهم

بقلم: عبد العزيز الطريفي
120
المؤامرة على المرأة المسلمة ج3 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج3


ثم ما الذي ينتج إذا عملت المرأة كما هو واضح إذا عملت المرأة أولا تنافس الرجال في الوظائف الدولة التي عندها عشرة آلاف وظيفة مثلا وتخرج عشرة آلاف خريج وعشرة آلاف خريجة إنها ستعطي خمسة آلاف منهن خمسة آلاف وظيفة فيتعطل خمسة آلاف شاب فيتحولون إلى مجرمين وإلى لصوص وإلى مدمني مخدرات وإلى ما لا يحتاج إلى أن يذكر لمعرفته في الإحصائيات العالمية

بقلم: سفر الحوالي
462
أغلال المجتمع التقني | مرابط
اقتباسات وقطوف

أغلال المجتمع التقني


إن الانسان سيصبح مغلولا خلال سنين طويلة في المجتمع التقني لكنه لن يموت في الأغلال. فالمجتمع التقني يستطيع ابتداع الرفاهية لكنه لا يستطيع خلق الفكر. ومن دون الفكر لا توجد العبقرية. ومجتمع محروم من رجال عباقرة مجتمع محكوم عليه بالفناء

بقلم: قسطنطين جيورجيو
193
تصنيف الرجولة | مرابط
مقالات

تصنيف الرجولة


الرجولة عندهم أن تكون قوامتك شراكة وليست قيادة لأن القيادة معناها سائق وركاب رئيس ومرؤوس قائد وأتباع وهذا كله بالنسبة لهذا النوع من النساء ليس من الرجولة الحقيقية بل هي ذكورية متسلطة تريد أن تستولي على الدركسيون بمفردها وعدم اعتبار الشراكة بحال!

بقلم: محمد سعد الأزهري
60
آثار العالمانية في الغرب: أزمة المبدأ الخلقي | مرابط
فكر مقالات العالمانية

آثار العالمانية في الغرب: أزمة المبدأ الخلقي


مثلت العالمانية علامة فارقة في تاريخ الغرب إذ نقلته من عصر السلطان الكنسي إلى عصر سلطان العالم المادي والفجوة بين العصرين هائلة حتى لا يكاد يربط الزمن الأول بالزمان الآخر كثير لكنهما يشتركان في التيه بعيدا عن حقيقة الإنسان وجوهر حاجته إلى ما يروي غلته والنظر عن كثب في حال الغرب المتعلمن في زمن ما بعد الحداثة يكشف أن الآلة الدعائية الخارجية للغرب وآلة التجميل لأقنانه في بلاد المسلمين قد نقلا عن عمد صورة تكاد تكون عديمة الصلة بالعالمانية الغربية وأدوائها القاتلة

بقلم: د سامي عامري
1795