المرأة القارة في البيت: تصحيح المفاهيم

المرأة القارة في البيت: تصحيح المفاهيم | مرابط

الكاتب: د. ليلى حمدان

301 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

كل الأبواق والمنابر والقنوات تدافع عن المرأة الموظفة، وتزين حياتها وتصورها على أنها محض تفوق ونجابة، ويصفق لهم دعاة “حقوق المرأة”. فإن خرج صوت واحد يدافع عن المرأة القارة في البيت، يذكر محاسنها وميزاتها وإنجازاتها، يخرج لك هؤلاء “دعاة حقوق المرأة” ينددون ويعترضون ويهاجمون! حدثني عن الحقوق!

أكثر امرأة ظُلمت في العالم هي المرأة التي اختارت القرار في البيت والانشغال بتربية أبنائها وإصلاح بيتها، فهي أكثر النساء تعرضا للشيطنة والتحقير والبخس والتهميش! هي أكثر من يُزدرى مع أنها أهم امرأة وأكثرهن خدمة لأمتها قبل نفسها! وظلم هذه المرأة ظلم لها ولزوجها وأبنائها. وهو ظلم مركب!

لا يمكن لامرأة أن تجمع بين مشروعين متناقضين، مشروع يتطلب منها الخروج كل الوقت ومشروع يتطلب منها الرباط مع أبنائها كل الوقت! وأغلب نماذج العاملات أبناؤهن في ضعف عقدي وتربوي وخلقي واضح، والنماذج المهملة حقيقة هي لكل امرأة آثرت الانشغال بصناعة الأجيال عن خدمة ساحة العمل وجني الأموال.

من أهم أسباب الطلاق في زماننا، دخول المرأة في علاقة زوجية وفي ذهنها وقناعاتها أن وظيفتها أهم من زوجها وأبنائها، وأن نجاحها الأهم وتفوقها هو في نوع الوظيفة التي تحصل عليها. فتنجب الأبناء وهي لا تدرك قيمتهم ولا عظم مسؤوليتهم، وتتركهم لتربية “الصدفة” ينالون منها بعض العناية في وقت فراغها!

لقد تمكنت الآلة الإعلامية والبرامج الغربية الموجهة للمرأة من ترسيخ مفهوم التفوق والنجاح في إطار “الوظيفة والعمل خارج البيت” وأصبح تلقائيا في تعليقات النساء لدينا الحديث عن المرأة القارة في البيت إشارة للفشل والعجز، ولو كانت بالأصل خريجة جامعية واختارت هذا القرار بنفسها. إننا أمام تشويه المفاهيم!

إذا تحدثت المرأة غير المتعلمة عن مزايا القرار في البيت، هوجمت بالتخلف والجهل.

وإذا تحدثت المرأة المتعلمة الموظفة عن مساوئ القرار في البيت، أثني عليها وصفق لنجابتها وفطنتها.

وإذا أثنت المرأة المتعلمة التي اختارت القرار في البيت على هذا القرار، هوجمت وشُيطنت! القضية:: “ما يريدون لا ماتريدين أنت!”,

رحم الله نساء السلف كان صيت المرأة ينتشر لكثرة صدقاتها وحسن دينها وخلقها، لحسن تربيتها لأبنائها، تذكر أسماؤهن في حلقات العلم والجهاد، هذا ابن تلك الأم، نعم المربية! أما اليوم فقيمة المرأة في كم هو راتبها؟ وفي أي شركة تعمل؟ وكم من مزايا الوظيفة جنت ولو كان أولادها لا يصلون ولا يعرفون دينهم!

محاولة ربط التعليم والعلم بالوظيفة أكبر فخ تقع فيه المسلمة. العلم متاح ولا يعني ضرورة العمل! وحصر العلم في الوظيفة أكبر أكذوبة تتحجج بها المنافحات عن الوظيفة،

ويعلم الله أن الكثيرات منهن وبشهادات بليدات جدا.

فالعلم ليس الوظيفة بل البصيرة وحسن الفهم والأم الواعية متعلمة بالأساس وتدرك الأولويات.

أولويتك أبناؤك أيتها المسلمة! وولد صالح يدعو لك بعد وفاتك!

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

قال تعالى (إِنّ هَٰؤُلَاء يُحِبُّونَ العَاجِلةَ وَيَذَرُونَ وراءَهُم يَومًا ثقيلًا)

قال ابن كثير – قالها تعالى- :”منكرا على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها،وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) يعني: يوم القيامة”.

تعليق سابق لي على اتصال بهذا الشأن

نساء ظُلمن

هناك نسبة كبيرة من النساء مهووسة بالعمل ومزاحمة الرجال على حساب نفسها وأسرتها. وهناك نسبة كبيرة أخرى من الرجال والأسر التي تدفع ببناتها دفعا للعمل والخروج، وتطالبهن بالمشاركة في مصاريف البيت. وهن يحلمن بالقرار في البيت، والزوج الصالح، (ويرفضن غيره) لا يتحدث عنهن إلا القلة. تصلني شكاوى لأخوات في كرب عظيم!

ثم نشاهد دعوات من قبيل لا تتزوج المرأة العاملة وبإطلاق وتعميم فيه إجحاف، ذلك أن هناك بالفعل نساء أجبرن على العمل ويتمنين أن يجدن زوجا ينتشلهن من مستنقع الجاهلية هذا، لا زوجا يغرقهن فيه، فيزيد عليهن أصحاب هذه الدعوات هما وغما. لذلك أشدد حذاري من الإطلاقات ولا بد من العدل وتمييز المضطرة من المعاندة. وشتان بينهما.

معالجة قضية المرأة بفصلها عن أسرتها وواقع الرجل في حياتها أبا وزوجا، معالجة قاصرة لا تليق بمن يريد الإصلاح، فهذه المرأة في بيت رجل فإن تزوجت دخلت بيت رجل آخر ولا يجب أن تزاح المسؤولية عن هؤلاء الرجال وتحمل المرأة التي هي بالأساس تحت ولاية الرجل كل المسؤولية ويصمت عن تقصير الآباء والأزواج.

هناك نساء قابضات على الجمر -حرفيا- في بيت رجل فاسق يتاجر بابنته، وفي أسرة تسخر من استقامتها وتدينها وتعيّشها الجحيم لتتحول لحساب بنكي يحقق لهم أحلامهم، بالمن والأذى تُحاسب على لقمة أطعموها إياها في طفولتها! فأين تذهب هذه الفتاة بين جحيم أسرة تعيش الجاهلية ودعاة يطلقون ويعممون بلا رحمة!

علينا أن نعترف أن الأسر كلها أصيبت بداء جاهلية العصر، وأن تحول النساء لما نشاهده الآن من انفلات وضياع إلا من رحم ربي ليس من صنيع المرأة لوحدها بل صنيع أسرة كاملة ساهمت في ضياعها.مع لذلك لدينا نماذج فاخرة لنساء ثابتات رغم أنهن في أسر منفلتة، فمن لهن إن لم يكن تراحم المؤمنين والمؤمنات

تصنيف كل امرأة اضطرت للعمل على أنها فاسدة ظلم ولا يليق في مجتمعات نعلم جيدا أنها تعاني من خلل عظيم لبعدها عن منظومة الإسلام العظيمة، والذي كان له تبعات لا تُعالج إلا بإعادة هذه المنظومة كاملة، فيعم العدل والأمان، أما تحميل المرأة التي تكون في مرات ضحية، كل المسؤولية، هذا من التملص من المسؤولية وظلم آخر.

قضية صلاح المرأة ترتبط بداية بعقيدتها ودينها وخلقها، فمن كانت تنشد القرار في البيت الأصل مساعدتها لا إعلان الحرب عليها ونبذها ومهاجمتها كأنها الفاسدة. ويعلم الله أن هناك أخوات مسلمات يعانين الأمرين من أب وزوج لا يصلي، ومع ذلك لا نسمع صوتا يوجه لهؤلاء! وكم من امرأة صلحت على يد رجل!

لماذا يخجل البعض من الاعتراف أن هناك بالفعل أسرا فيها الأب لا يصلي والزوج لا يسجد لله، لماذا تعامل نساء تربين في مثل هذه البيوت واستقمن رغم ذلك بالشيطنة وإعلان الحروب، قول النبي صلى الله عليه وسلم واضح “فاظفر بذات الدين” كل من أدخل شروطا لم يشترطها الإسلام كلامه يبقى رأيا شخصيا، فرج الله كرب كل مؤمنة عفيفة.

كم من طالبة جامعية آثرت البقاء في البيت والتوقف عن الدراسة، فماذا كان رد الأسرة، إعلان الحرب عليها، وتضييق العيش عليها وإجبارها على الدراسة، والأمثلة في ذلك مؤلمة جدا إذ تتأذى من أقرب الناس لها، مع ذلك حين تخرج تجد من يعايرها بالاختلاط ويصنفها بالفاسدة، فتأمل مطرقة وسندان!
العدل عظيم.


المصدر:
موقع د. ليلى حمدان

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الكتاب المعجز الجزء الثاني | مرابط
تعزيز اليقين

الكتاب المعجز الجزء الثاني


ولو عدنا ثانية إلى الفرض بأن القرآن من تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنشائه لتبين لنا استحالة هذا الفرض بمجرد النظر في نظم القرآن وأسلوبه ومقارنته مع أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المدون في كتب السنة والحديث ليقيننا أنه لا يمكن لأديب أن يغير أسلوبه أو طريقته في الكتابة بمثل تلك المغايرة التي نجدها بين القرآن والسنة ولو شئنا أن نضرب لذلك مثلا فنقارن بين بيان القرآن وأسلوبه وبين كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلاهما كلام بليغ لكن شتان بين كلام الباري وكلام عبده

بقلم: د منقذ السقار
693
القرآن متضمن لأدوية القلب | مرابط
اقتباسات وقطوف

القرآن متضمن لأدوية القلب


جماع أمراض القلب هى أمراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هى عليه وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية

بقلم: ابن القيم
730
كذب الفلاسفة | مرابط
مناقشات

كذب الفلاسفة


ولا بد لنا أولا قبل المضي في الحديث أن نبرر هذا الاهتمام بالفلاسفة: لماذا الحديث عن كذب الفلاسفة؟ ولماذا هذا التدقيق والتنقيب عن الخطايا الشخصية لدى هذا الصنف من الناس؟ الجواب يكمن في حقيقة خطرة وجوهرية وهي أن اللغة الفلسفية والخطابات التجريدية توهم بوجودها المستقل عن الذوات التي شيدتها فهي تشعر الدارس لها بنقاء أسطوري وأصالة مزعومة وتكرس قدرا واسعا من اشتغالها التأويلي للبرهنة على عموميتها النظرية وعمق موضوعيتها المعرفية

بقلم: عبد الله الوهيبي
307
عليك بدين الصبي | مرابط
تعزيز اليقين

عليك بدين الصبي


والأصل الجامع في هذا الباب أنه ما ابتدعت في الإسلام بدعة إلا كان لها مقدمات تنبوا عنها أفهام المخاطبين الذين يتلقون الخطاب فطريا بلا تكلف ولا تعسف فلا يسلم بها من بقي على الأصل الذي يأتي عليه خطاب الوحي وإنما لابد أن ينحرف المبتدع عما يقبله عموم المخاطبين إلى ما لا يقبل إلا مع قيود خارجة عن اعتبار الخطاب على أصله.

بقلم: عبد الله القرني
585
حاضر العالم الإسلامي | مرابط
فكر مقالات مناقشات

حاضر العالم الإسلامي


رغم التطورات التكنولوجية الجديدة في عالمنا المعاصر إلا أن الأمة الإسلامية تزداد بعدا وتفرقا وتشتتا ويزداد المسلمون شقاقا وخلافا فيما بينهم وقلما تجد مسلما يعرف شيئا كبيرا من أخبار إخوانه وجيرانه المسلمين وهذا بجانب ما ضربته وفرضته الحدود من شقاق فوق الشقاق القائم فصار المسلمون متشرذمون متباعدون لا يجمعهم الدين كما كان سابقا وفي المقال يتحدث العلامة محمود شاكر عن هذا الأمر من وحي كتاب حاضر العالم الإسلامي

بقلم: محمود شاكر
2363
تأويلات الرازي.. وموقف الإمام الشافعي من علم الكلام | مرابط
مقالات

تأويلات الرازي.. وموقف الإمام الشافعي من علم الكلام


من شؤم علم الكلام على أصحابه أنه يوقعهم في الحرج والحيرة حين يعرضون لبيان موقف أئمة أهل السنة من علم الكلام وذلك أنهم إن وافقوهم في القدح في علم الكلام وأنه منهج مبتدع في الدين فقد ناقضوا منهجهم وأبطلوه وإن خالفوا أئمة أهل السنة فقد أظهروا المباينة بينهم وبين من ثبتت إمامتهم عند عموم المسلمين وأنهم قد شذوا عنهم وانحرفوا عن منهجهم ويكون المخرج الذي يسلكونه لتجنب الوقوع في هذين الخيارين أن يتأولوا تحذير الأئمة من علم الكلام على غير وجهه.

بقلم: عبد الله القرني
255