جدلية المساواة بين المرأة والرجل

جدلية المساواة بين المرأة والرجل | مرابط

الكاتب: عباس محمود العقاد

658 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

لم يكن جنس النساء سواء لجنس الرجال قط في تاريخ أمة من الأمم التي عاشت فوق هذه الكرة الأرضية، على اختلاف البيئات والحضارات.. وكل ما يقال في تعليل ذلك يرجع إلى علة واحدة؛ وهي تفوق الرجل على المرأة في القدرة والتأثير على العموم.

فليست جهالة القرون الأولى سببًا صالحًا لتعليل هذه الفوارق العقلية بين الرجال والنساء في جميع الأمم؛ لأن الجهل كان حظًّا مشتركًا بين الجنسين، ولم يكن مفروضًا على النساء وحدهن دون الرجال، ومن زعم أن الرجل فرض الجهل على المرأة فقبلته وأذعنت له؛ فقد قال: إنه أقدر من المرأة، أو إنه أحوج إلى العلم وأحرص عليه منها.

وليس الاستبداد في القرون الأولى سببًا صالحًا لتعليل تلك الفوارق؛ لأن استبداد الحكومات كان يصيب الرجل في الحياة العامة، قبل أن يصيب المرأة في حياتها العامة أو حياتها البيتية، ولم يمنع الاستبداد طائفة من العبيد المسخرين أن ينبغ فيهم العامل الصَّنَّاع، والشاعر اللبق، والواعظ الحكيم، والأديب الطريف.

وليس عجز المرأة عن مجاراة الرجل في الأعمال العامة ناشئًا من قلة المزاولة لتلك الأعمال؛ لأنها زاولت أعمال البيت ألوف السنين، ولا يزال الرجل يبزها في هذه الأعمال كلما اشتغل بصناعاتها؛ فهو أقدر منها في الطهو، وفي تفصيل الثياب، وفنون التجميل، وتركيب الأثاث، وكل ما يشتركان فيه من أعمال البيوت.

وقد يرجع الأمر إلى الخصائص النفسية، فيحتفظ الرجل فيها بتفوقه على الرغم من استعداد المرأة بتلك الخصائص من أقدم عصور التاريخ.

فالنواح على الموتى عادة تفرغت لها المرأة، منذ عرف الناس الحداد على الأموات، ولكن الآداب النسوية لم تخرج لنا يومًا قصيدة من قصائد الرثاء تضارع ما نظمه الشعراء الرجال، سواء منهم الأميون والمتعلمون، وقد كان أكثر الشعراء في العهود القديمة من الأميين.

بل هناك خاصة نفسية، لا تتوقف على العلم، ولا على الحرية، ولا نوع العلم أو الوظيفة، في المجتمعات أو البيوت؛ وهي خاصة الفكاهة، وخلق الصور الهزلية، والنكات التي يلجأ إليها الناس حين يحال بينهم وبين التعبير الصريح.

وربما كان الاستبداد، أو الضغط الاجتماعي من دواعي تنشيط هذا «السلاح» النفسي في قرائح المستعبَدين والمغلوبين؛ لأنه السلاح الذي ينتقم به المغلوب لضعفه، والمنفذ الذي يفرج به عن ضيقه وخوفه، وقد كان ضغط الرجال على النساء خليقًا أن يغريَهم باستخدام هذا السلاح لتعويض القوة المفقودة، والانتقام للحرية المسلوبة، ولكن الآداب والنوادر لم تسجل لنا فكاهة واحدة أطلقتها النساء على الرجال كما فعل الرجال المغلوبون في الأمم الحاكمة، أو المحكومة على السواء، أو كما فعلوا في تصوير رياء المرأة، واحتيالها على إخفاء رغباتها، وتزويق علاقاتها بالرجال.

وهذه الملكة -ملكة الفكاهة- خاصة نفسية لم يقتلعها من طبائع الرجال ظلم، ولا جهل، ولا فاقة، ولا عجز عن العمل في ميدان الحياة. فمن اللجاجة أن يتجاهلَ المتجاهلون هذه الفوارق وهي أثبت من كل ما يثبته العلم والعلماء، وما كان للعلم أن يوجِد شيئًا لم يكن له وجود في الوقائع أو في تفكير العقول، وإنما هو أبدًا في مقام التسجيل، أو مقام التفسير.


المصدر:
عباس محمود العقاد، الفلسفة القرآنية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المساواة #الرجل-والمرأة
اقرأ أيضا
المطالعة | مرابط
فكر مقالات

المطالعة


وقصة البخاري في بغداد أعجب لما جاء البخاري بغداد وقعد للدرس وكان شابا أراد بعض المحدثين أن يختبروا حفظه فجاؤوا بمائة حديث فخلطوا متونها بأسانيدها أي أنهم جعلوا سند هذا المتن لذاك وسند ذاك لهذا ثم جاؤوا بعشرة أشخاص فحفظوا كل واحد عشرة من الأحاديث المخلوطة فلما قعد البخاري للدرس قام أولهم فسأله: ما تقول في حديث كذا وسرد عليه أحد الأحاديث المخلوطة فقال: لا أعرفه فسأله عن الثاني والثالث إلى العاشر وهو يقول: لا أعرفه

بقلم: علي الطنطاوي
1236
مناظرة فخر الدين الرازي وعالم نصراني | مرابط
مناظرات

مناظرة فخر الدين الرازي وعالم نصراني


مناظرة هامة جرت بين أحد علماء النصارى واشتهر بالذكاء والتحقيق والتمحيص والنظر وبين فخر الدين الرازي ودار الحديث حول ألوهية المسيح التي يقول بها النصارى وما يترتب على ذلك من لوازم فاسدة واستلزامات يتنزه عنها الإله جل في علاه وسنرى كيف ألزمه فخر الدين بهذه اللوازم التي تنكرها العقول والفطر السوية

بقلم: فخر الدين الرازي
2199
القوامة.. بين الإسلام والنسوية | مرابط
النسوية المرأة

القوامة.. بين الإسلام والنسوية


لم تعد النسوية محصورة في أصحاب هذا التيار فقط وإنما تم الترويج للأفكار النسوية عبر مضامين ووسائل غير مباشرة فصار مألوفا أن ترى من ظاهرها الاستقامة ولكنها نسوية من الناحية الفكرية تجد ذلك في نظراتها للأمور ومواقفها وطموحاتها وغير ذلك.

بقلم: محمود خطاب
458
لماذا يحل زواج المسلم من الكتابية لا العكس؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا يحل زواج المسلم من الكتابية لا العكس؟


في كل نظام اجتماعي في العالم توجد قاعدة أساسية هي حفظ النظام الاجتماعي أو تماسك النظام الاجتماعي .. كل تشريع كل قانون في أي نظام اجتماعي يجب أن يخدم هذه القاعدة سواء كانت دولة قانون أو دين أو أعراف.. وإلا انهار النظام الاجتماعي المشكل للدولة كلية!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
389
مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية | مرابط
مناقشات

مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية


بعد خمسة عشر قرنا من استقرار أحكام الإسلام في نصوص الوحي وآثار الصحابة والتابعين وتقريرات المذاهب الأربعة تفاجأ المسلمون بالتفوق المادي للمجتمعات الغربية وتعلق الناس بثقافتها التي تمركز الحرية الليبرالية وتفاجأ المعنيون بأمر الإسلام أمام هذا السؤال أعني سؤال الموقف من الثقافة الليبرالية الغالبة فجماهير الفقهاء والدعاة مالوا إلى ضرورة التمسك بنص الإسلام كما أنزل وكما فهمته القرون المفضلة مع الأخذ بالأسباب والوسائل المادية المعاصرة وذهبت طوائف من العلمانيين إلى رفض أحكام الإسلام ببجاحة وضرورة...

بقلم: إبراهيم السكران
710
من علامات مرض القلب وصحته | مرابط
مقالات

من علامات مرض القلب وصحته


كل عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به كماله فى حصول ذلك الفعل منه ومرضه: أن يتعذر عليه الفعل الذى خلق له حتى لا يصدر منه أو يصدر مع نوع من الاضطراب فمرض اليد: أن يتعذر عليها البطش ومرض العين: أن يتعذر عليها النظر والرؤية ومرض اللسان: أن يتعذر عليه النطق ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف عنها ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خلق له من المعرفة بالله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوته فلو عرف العبد كل شىء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئا

بقلم: ابن القيم
782