وإن النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه كانوا من أعبد الناس لله وأعظمهم إتيانا بأداء الواجبات وترك المحرمات، وكان خواص أصحابه من أعظم الناس تقريرًا لما بُعث به من الإخبار عن الله بأسمائه وصفاته وعن ملائكته وعن اليوم الآخر وغير ذلك من أخباره، ومن أعظم الناس تقريرًا لما بعث به من الأمر والنهي، فكان ما يبطنونه من العلم والحال موافقًا لما يظهرونه من القول والعمل، ولم يكونوا يبطنون ما يناقض ظاهرهم، ولا كانوا يعتقدون مذهب أهل النفي، بل قول نفاة الصفات إنما حدث في الأمة بعد انقضاء عصر الصحابة وكبار التابعين، وإلا فلم يكن أحد يتكلم في زمن الصحابة بشيء من أقوال الجهمية ونفاة الصفات، فكيف بأقوال هؤلاء الملاحدة الذين نفى الصفات بعض إلحادهم؟
فإن الله تعالى أرسل الرسل ليدعوا الخلق إلى عبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" وقال تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" وقال تعالى "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" وقال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"
المصدر:
شيخ الإسلام ابن تيمية، الرسالة الصفدية، ص348