آثار مفهوم النسوية على الديانتين اليهودية والنصرانية: في ظل السباق المحموم لمحاربة كل ما هو أبوي وذكوري؛ قدمت النسوية الديانتين اليهودية والنصرانية بصورة سيئة، مع ما طال هاتين الديانتين في الأصل من تحريف!
إذ ترى النسوية أن الأديان هي أكبر من يمارس الإقصاء والتهميش ضد المرأة، وأنها كانت ولازالت مستمرة في التقليل من شأن المرأة واضطهادها، وبهذا تعطي الأديان الرجل الضمان اللازم ليهيمن على المرأة ويسيطر عليها، ومن أجل ذلك كله سعت النسوية إلى تحرير النساء من سلطة هاتين الديانتين، مستخدمة عدة أساليب، أبرزها:
1- إخضاع الكتاب المقدس للدراسة من منظور نسوي:
لقد سعت النسويات الغربيات انطلاقا من موقفهن من الدين إلى إخضاع كتابي العهد القديم والجديد للدراسة من منظور الفكر النسوي الذي يعتنقنه، تمثل هذا في إعادة تفسير النصوص؛ خاصة النصوص التي تكرس سلطة الرجل، وتثير كراهية المرأة.
وقد قدمت إليزابيث كادي ستانتون وثلاثين مترجمة من بينهن ماتيلدا غيج تفسيرًا نقديًا لكل الفقرات الكتابية التي تتحدث عن النساء، ونشر هذا عام 1895م، وعام 1898م، ولم تكن هذه محاولة لرفض الكتاب المقدس كله، وإنما كانت تلك المحاولة لكشف المركزية الذكورية الموجودة في الكتابات المقدسة.
ونتيجة لذلك فقد استخدمن بعضًا من المناهج الغربية من مثل: منهج الهرمينوطيقيا لكشف مكامن التمييز على أساس الجنس في هذه النصوص الدينية
وقد بدأ هذا التفسير النسوي للنصوص المقدسة يتزايد بشكل مستمر، ظهر جليا من خلال استخدامه لهرمينوطيقيا الشك والتي تساهم في الكشف عن عملية الرقابة والتنقيح التي كثيرًا ما تُستغل للحفاظ على التقاليد الذكورية في المسيحية، ويمثل هذا الاتجاه إليزابيث شوسلر فيورينزا التي قامت بالكتابة في إطار تقاليد العقيدة المسيحية.
ولكن الأمر لم يقف عند هذا فمار ديلي التي كانت تأمل في إحداث نوع من التغيير والتحول من خلال نقدها لرؤى الكتاب المقدس، ومن خلال رؤيتها في أن المجتمعات الأبوية الغربية إنما تصوغ صورة الرب على صورتها، لم تلبث أن نفضت يدها من مسألة الدين باعتباره معاديا للمرأة بشكل لا رجوع عنه!
2- التعديل على نصوص الكتب المقدسة:
لم يقف الأمر لدى النسوية عند حد إعادة قراءة النصوص المقدسة فقط، بل طالبت بإعادة صياغة الكتب السماوية، بحيث يتم تغيير المصطلحات والضمائر المذكرة إلى مصطلحات وضمائر محايدة، لأنها رأت أن توجيه الخطاب بصيغة المذكر يحمل نوعا من التهميش والإقصاء للمرأة!
لقد استجابت الكنيسة لمطالبات النسوية إذ أصدرت طبعة جديدة من كتب العهد القديم والجديد أطلق عليها الطبعة المصححة في عام 1994 تم فيها تغيير الكثير من المصطلحات والضمائر إلى مصطلحات وضمائر محايدة، كما تم تخفيف حدة الكلمات التي تصف الشذوذ الجنسي
ولم تكن هذه هي المحاولة الأولى ففي عام 1978م امتدت التغييرات إلى إنجيل متى، ففي الإصحاح الخامس تم تغيير كلمة sons والتي تعني الأبناء الذكور إلى كلمة children والتي تعني: الأبناء من الجنسين، وفي موضع آخر من هذا الإنجيل تم تغيير كلمة man التي تعني الرجل إلى person التي تعني الشخص أو الإنسان.
كما أنه في عام 2004م في صحيفة واشنطن بوست أن جمعية الكتاب المقدس الدولية أعلنت أنها سوف تصدر ترجمة جديدة للكتاب المقدس، تتسم ألفاظها بالحيادية في مخاطبة الجندر وهذه التعديلات اللغوية ستكون على الترجمة الدولية الجديدة التي تعد من أكثر ترجمات الكتاب المقدس مبيعًا في الأسواق الأمريكية، وستعرف هذه الترجمة المعدلة بترجمة اليوم الدولية الجديدة وقد تم فيها استبدال الألفاظ التي تخاطب الذكور إلى ألفاظ تصلح لمخاطبة الجنسين
3- البحث عن دين وثني نسوي:
لقد حاولت النسوية أن تجد في تاريخ الشعوب والحضارات القديمة ارتباطا بين الطبيعة والمرأة، ﻷنها ترى أن تلك الشعوب البدائية قد ساد فيها احترام وتقدير الطبيعة التي تجلب الخير وتهب الحياة، ولما كانت تلك الطبيعة في نظرهن هي التي تنجب الإنسان عن طريق المرأة، أصبحت المرأة هي الطبيعة في صورة إنسان! ومن ثم صارت المرأة راعية للحياة وحامية لها، وداعية إلى الخير والخصب والنماء مما أدى إلى تقديس المرأة فحلت عبادة الطبيعة/المرأة.
ثم جاء النظام الأبوي الذي ساعد على استفحاله الأديان السماوية الذكورية معلنة رفضها لعبادة المرأة وتقديس الطبيعة، ولذا كانت هناك محاولات نسوية من أجل بناء دين نسوي جديد يمكّن المرأة من حياة روحية مقدسة، ولأنها في ضوء الأديان السماوية لا تتمتع بأي ميزة؛ كان من الضرورة العودة إلى عبادة المرأة / الآلهة مرة أخرى؛ ﻷن عبادة المرأة تعلي من شأن المرأة وتربط بين الدين والخصوبة والنماء والرخاء والطاقة إلى جانب أن عبادة الرب/الإله تدعو إلى الثبات والهيمنة والسيطرة.
لقد حاولت النسوية وصف الآلهة تلك بدلا من تعريفها إذ تقول: إنها قانون أنثوي كامن، ينساب في جميع الأشياء. وبالرغم من كونه أنثى، إلا أنه ليس معزولًا عن عالم المادة، ولكنه قوة الحياة في كل شيء وفي كل إنسان.
وترى لوسي إيرغاري أن الآلهة المؤنثة وحدها هي التي يمكنها أن تحرر المرأة وتسعدها مع سائر أفراد المجتمع، ﻷنها ستعيش الإحساس الحقيقي بشرعيتها بوصفها امرأة بعيدا عن علاقتها بالرجل!
المصدر:
أمل بنت ناصر الخريف، مفهوم النسوية: دراسة نقدية في ضوء الإسلام، ص113