لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الثالث

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الثالث | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

2645 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

حسنًا .. أعتقد أن الشواهد والمعطيات السابقة كافية جدًا لتزويدنا بمؤشرات في غاية الخطورة حول حجم التدهور الأخلاقي في الداخل الليبرالي والتغريبي، فالسؤال الآن: ماهي الثمرة من هذا التصور؟ وماذا يفيدنا تكلف فحص المعطيات حول الواقع الأخلاقي الليبرالي؟

 

خلاصات هامة من الواقع الليبرالي العربي

 

الحقيقة أن فحص وتحليل المعطيات حول الواقع الأخلاقي الليبرالي برغم أنها مؤذية لمشاعر المؤمن؛ إلا أنها مهمة جدًا لتحقيق عدة استنتاجات وخلاصات، منها:

 

أن بعض الذين ينسبون أنفسهم للتجديد الإسلامي من المتصالحين مع المشروع التغريبي يتورطون في تدليس حقيقة الصراع مع التيار الليبرالي، وتراهم يكررون دومًا بأن الصراع مع التيار الليبرالي صراع مفتعل، وساذج، وحول قضايا تافهة، وأنه يدور حول مشاغل ليست من حاجات المجتمع الحقيقية، ونحو هذا الكلام، وهذا تلبيس فظيع على الناس، بل الصراع بين الإسلاميين وجمهور الليبراليين هو صراع بين الفضيلة والرذيلة، وليس هذا مجرد دعوى، بل هذا باعتراف وشهادة كثير ممن هم داخل التيار الليبرالي نفسه.

 

وهل حفظ الفضيلة في المجتمع المسلم، وحماية فتيات المسلمين من هذا المشروع الانحلالي المذهل؛ ليس من حاجات المسلم الحقيقية، يا لله العجب، وهل على المسلم شيء بعد التوحيد أغلى من الأعراض؟! ألا بئست تلك النفوس التي زهدت في حفظ أعراض المسلمات..

 

ومن أعجب الإشارات القرآنية إلى هذا التيار الانحلالي المفسد أن الله تعالى قابل بين إرادة الله التوبة، وإرادة هؤلاء المفسدين انتشار العلاقات غير المشروعة، وهذا تنبيه لطيف من الله تعالى أن ضد مراد أولئك من تشريعات الزكاء والطهر ما شرعها الله لنا إلا ليتوب علينا ويزكينا ويطهرنا، قال تعالى موضحًا هذه المقابلة:
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا)[النساء، 27].

 

وما رأيت أكثر مجازفة من هؤلاء المفسدين، فإن الله لم يكتف بالعقوبة الأخروية، بل حذرهم عقوبتين، عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية، والدنيوية أعم من الحد، قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)[النور، 19]
ويحك إنك لا تطيق عقوبة ملك من ملوك الأرض، فكيف تطيق عقوبة ملك الملوك في الدنيا والآخرة؟!

 

ومن أهم النتائج لاستيعاب الانحدار الأخلاقي في الداخل التغريبي أن الشاب المسلم حين يرى ذلك يرفع يديه بحمد الله وشكره والثناء عليه أن شرفه وذاده وجنّبه الدخول في هذه المستنقعات الليبرالية، فهذا كله فضل من الله وحده جل وعلا، كما أشار كتاب الله لذلك:
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا)[النور، 21].
بل تأمل في قرب تأثير الشيطان لولا لطف الله بالعبد كما يقول تعالى:
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا)[النساء، 83]

 

يا ألله .. لاتبعنا الشيطان إلا قليلا؟!

 

فكيف لو حجب الله التوفيق عن العبد؟! والحقيقة أن تأمّل هذا يوجب للعبد مزيد تعلق بالله، وشدة تفويض الأمور إليه، والبراءة من الاغترار بالقدرات الذاتية، فإن الله تعالى إن وكلك إلى نفسك فوالله لا يبالي الله بأي أودية الدنيا هلكت، كما أشار كتاب الله لهذه الحاجة المركوزة في فطر بني آدم إلى لله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر، 15].

 

ففي القلوب صدع لا يرأبه إلا الإقبال على الله، وفي النفوس وحشة لا يطمئنها إلا ذكر الله والتعلق به (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد، 28]

 

ومن أعظم ثمرات هذا التصفح للواقع الأخلاقي الليبرالي الأليم؛ أن فيه أمارة من أمارات نبوة محمد، وتصديقًا لخبره صلى الله عليه وسلم، فكلما رأيت شدة وانهماك التغريبيين في التركيز على (ملف المرأة) تعاظم يقيني بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق خبره، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

(إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء)[مسلم، 7124]

 

وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

(ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) [البخاري، 5096]

 

ومن أعظم ثمرات اكتشاف تغرير الليبراليين بالفتيات السعوديات تحت شعارات تحرير المرأة وحقوق المرأة وعمل المرأة ونحوها؛ أننا يجب أن لا نقف متفرجين مكتوفي الأيدي، بل يجب أن نتحرك بكل ما في وسعنا لإنقاذ أكبر عدد يمكن إنقاذه من هؤلاء المستغفلات، وفي الداعيات والمثقفات الإسلاميات خير كبير، وهن الأمل -بعد الله- في تنفيذ هذه المهمة الإنقاذية بشكل إسعافي عاجل.

 

ومن نتائج الوعي بالمكر الليبرالي الخطير في ملف المرأة؛ معرفة فضل العلماء الربانيين المحتسبين الذين صاروا مرصادًا لهؤلاء المفسدين، وعامة علمائنا ولله الحمد لهم جهود مشكورة في تعليم الناس الفضيلة وتحذيرهم من مخططات هؤلاء المفسدين، ولكن الأحداث الأخيرة أظهرت إمامين اختصا بجهاد لا يكل ولا يفتر، وهما الإمامان عبدالرحمن البراك وعبدالمحسن العباد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فاسأل الله أن يزيدهما شرفًا في الدنيا والآخرة، لقاء ماقدما لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alsakran/91.htm
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #الليبرالية
اقرأ أيضا
الابتلاء بالسفهاء | مرابط
مقالات

الابتلاء بالسفهاء


الجامع المشترك بين أولئك السفهاء هو: اتباعهم للخواطر النفسية الغضبية الشيطانية دون مراجعة ومحاسبة عميقة توقفهم أمام المحكمات وتكفهم عن سوء الظن ووتحجبهم عن الاستعجال في الحكم على المسلمين وتذكرهم بخطورة موقف السؤال بين يدي الله تعالى عن حقوق المسلمين.

بقلم: أحمد يوسف السيد
593
دولة الكلام المبطلة الظالمة | مرابط
فكر مقالات

دولة الكلام المبطلة الظالمة


إن المعقول المتبادر من حكمة الله في نعمة النطق ومزية الكلام التي ميز بها الإنسان وفضله من سائر أنواع جنسه الحيواني هو أنها التعبير عما في النفس من العلم ليتعاون الناس بإفضاء كل بما في نفسه إلى غيره على تكميل علومهم وتحسين أعمالهم ولكن الأشرار منهم كفروا هذه النعمة بما أساءوا من استعمالها في الكذب والإفك والخلابة حتى قال بعض الأذكياء: إن حكمة الكلام وفائدته إخفاء ما في النفس وصرف الأذهان عن الحقائق

بقلم: محمد رشيد رضا
932
بين العمل المادي والعمل الإنساني: المرأة أنموذجا | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين العمل المادي والعمل الإنساني: المرأة أنموذجا


لعله قد يكون من المفيد ألا نتحدث عن حق المرأة في العمل أي العمل المنتج ماديا الذي يؤدي إلى منتج مادي سلع - خدمات. ونعيد صياغة رؤية الناس بحيث يعاد تعريف العمل فيصبح العمل الإنساني أي العمل المنتج إنسانيا وبذلك نؤكد أسبقية العمل الإنساني على المادي والطبيعي

بقلم: د. عبد الوهاب المسيري
452
أعيادنا بين العادة والعبادة | مرابط
فكر مقالات

أعيادنا بين العادة والعبادة


لم يبق من معنى كلمة العيد في الإسلام إلا أنه يعود في زمن مقدر أما ما عدا ذلك فصرفه إلى معان دينية مما ينفع الناس ففي العيدين المشروعين أحكام تقمع الهوى من ورائها حكم تغذي العقل من تحتها أسرار تصفي النفس من بين يديها ذكريات تثمر التأسي في الحق والخير وفي أطوائها عبر تجلي الحقائق وأمثلة عملية في الإحسان وتقوية ملكته وقواعد متينة في التربية الفاضلة وموازين تقيم المعدلة بين الأصناف المتفاوتة من البشر ومقاصد سديدة في حفظ الوحدة وإصلاح الشأن ودروس تطبيقية عالية في التضحية والإيثار والرحمة والمحبة...

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
1941
السعادة الحقيقية | مرابط
تفريغات

السعادة الحقيقية


أغلب الناس وكل واحد منهم سوف يقول: أريد أن أعيش سعيدا مرتاحا مطمئنا أبحث عن شيء يسمى السعادة والراحة كل الناس يلهث ويتعب وراءها وينصب من أجلها من أجل أن يعيش سعيدا في هذه الحياة الدنيا. انظر إلى من يجمع الأموال: الملايين .. العمارات .. العقارات .. والأرصدة لا يعدها ولا يستطيع حسابها هل حصل على السعادة؟!

بقلم: نبيل العوضي
563
روح العصبية الغربية | مرابط
اقتباسات وقطوف

روح العصبية الغربية


لم أستطع أن أكتشف فترة في التاريخ الأوروبي أو التاريخ الأمريكي منذ العصور الوسطى ناقش أحد فيها الإسلام أو أي فكر فيه خارج إطار صاغته العاطفة المشبوبة والتعصب والمصالح السياسية وقد لا يبدو ذلك اكتشافا يدعو إلى الدهشة ولكنه يضم في ثناياه جميع ألوان المباحث العلمية والأكاديمية التي كانت منذ مطلع القرن الثامن عشر تطلق على نفسها اسما كليا هو مبحث الاستشراق أو كانت تحاول بانتظام دراسة الشرق

بقلم: إدوارد سعيد
1993