السعادة الحقيقية

السعادة الحقيقية | مرابط

الكاتب: نبيل العوضي

565 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

فهذا المجلس لعلك تجلسه يوم القيامة في الجنة، في روضةٍ من رياض الجنة، فإياك إياك والملل! وإياك إياك والسآمة! فإن هذا المجلس عظيم! تحضره الملائكة، بل وتحفه إلى السماء الدنيا، ويختم هذا المجلس بـ (قوموا مغفورًا لكم؛ قد بُدِّلت سيئاتكم حسنات) فهي دقائق معدودة، تُمحى بها كثير من السيئات، فتحمل وتصبر فإن هذا الصبر له أجرٌ عظيم.

 

أيها الأخ الكريم! لو سألت الناس جميعًا ماذا تطلبون من الدنيا؟ وماذا تريدون؟ وما هي أغلى أمنية عندك في هذه الدنيا؟

 

أغلب الناس وكل واحدٍ منهم سوف يقول: أريد أن أعيش سعيدًا مرتاحًا مطمئنًا، أبحث عن شيء يُسمَّى السعادة والراحة، كلّ الناس يلهث ويتعب وراءها، وينصب من أجلها، من أجل أن يعيش سعيدًا في هذه الحياة الدنيا. انظر إلى من يجمع الأموال: الملايين .. العمارات .. العقارات .. والأرصدة، لا يعدها ولا يستطيع حسابها، هل حصل على السعادة؟!

 

سله! واجلس معه .. اجلس مع أولئك الذين يتمتعون بالغناء والطرب منذ الصباح إلى المساء .. ليلهم طرب .. نهارهم طرب .. أغاني وموسيقى ومعازف، سلهم! هل حصلتم على السعادة؟! كيف سوف يجيبونك؟

 

سل أولئك الذين يبحثون ويطلبون الشهرة والسمعة بين الناس، يتمنى يومًا من الأيام أن يظهر على صفحات الجرائد فيقال: النجم، أو المطرب، أو الممثل فلان الفلاني، هذه غايته وأمنيته، وبعد أن يحصل عليها سله! هل وجدت السعادة؟!

 

هل وجدت راحة البال؟!

 

كلا وربي! إن السعادة لا توجد إلا في شيء واحد وهو طاعة الله جلَّ وعلا "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا" [طه:124] ويقول ربنا: "أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" [الملك:14] يقول الله: كل من أعرض عن ذكري وعن طاعتي .. عن القرآن .. عن المساجد، فحياته وعيشته ودنياه كلها ظنكٌ في ظنك "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا" [طه:124-125] يا رب! كنت في الدنيا أبصر وأرى، فلم حشرتني؟

 

الجواب: "قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى" [طه:126] كذلك في الدنيا ألا تذكر ذلك المسجد في ذلك المكان بعد صلاة المغرب لما جلست واستمعت إلى آياتي لكنك نسيت؟

 

أتذكر تلك الخطبة -خطبة الجمعة- التي جلست فيها، واستمعت، وأنصت، وعاهدت ربك ثم نسيت؟ أتذكر ذلك الشريط الذي استمعت إليه، وعاهدت ربك بالتوبة، وما هي إلا أيام ونسيت؟ "قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى" [طه:126]. عبد الله: من الناس من تصل به الكآبة والحزن والضيق والهم في الدنيا، وعنده ملايين .. عنده أرصدة .. عنده كلما يريده من الدنيا، ولكنه الحزن والضيق، أي ضيق؟!

 

ضيق الصدر "وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ" [الأنعام:125] فمن شدة الضيق يجلس مع أصحابه في مجلس .. في ليلة حمراء، يتعاطى بعض الحبوب، جلست معه يومًا من الأيام، فسألته! لمَ تتعاطاها؟ فقال لي: لأنسى تلك الهموم والأحزان، ولأشرح الصدر شيئًا ما، ولأعيش في أوهام أبتعد بها عن هذه الدنيا الكئيبة، وعن هذه الحياة المظلمة، وعن هذه العيشة الضيقة، بتلك الحبوب!!

 

إنه مسكين، حبة بعد أخرى، ثم ثالثة، ثم رابعة، ثم يشعر بالألم، ثم لا يتحمل يومًا إلا ويتعاطاها، ثم حياة كئيبة لا يعرف زوجًا، ولا بنتًا، ولا أمًا، ولا أبًا، ليس في قلبه أية رحمة، يقتل من يجد لأجل تلك الحبوب .. يسرق ما يجد لأجل تلك الحبوب! ثم أين مصيره؟ جرعة زائدة في ليلة سوداء مظلمة مع أصحابه الأشقياء أخذها ليتمتع بها ولينسى همه؛ فإذا به يُعالج سكرات الموت، ويستنجد بأصحابه! أليس منكم راق؟ أليس منكم طبيب؟ أنقذوني! أرجعوا الروح فإني أحس بها تخرج من رجليَّ، أتعرف ما السبب؟

 

أخذ جرعة زائدة فإذا بهم يهجمون عليه لينقذوه ولينجدوه، كيف؟

 

يقطعون شرايينه وأوصاله .. يمزقون جلده لينزف الدم من يديه ومن رجليه طلبًا لنجاته، ولكن هيهات هيهات! بكى صاحبه .. استنجد أخوه، وجاءوا بالطبيب، ولكن لا مناص؛ فإذا به يُفارق الحياة الدنيا، ثم يُوضع في كيسٍ للقمامة، ثم يُرمى في إحدى الزبالات، ولم يدرِ به أحد، ولم يشعر به إنسان، غادر الدنيا ولم يصل على جسده أحد، ولم يطلب له الرحمة أحد، ولم يستغيث له بالمغفرة أحدٌ من الناس، أي عيشةٍ تلك؟! "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" [طه:124].

 

ألم تسمع بذلك الذي جمع ملايين الدنانير، ملايين ومليارات، جمعها بهمٍ وغم، وتعب ونصب، ثم هو بعد هذا يتعب في حفظها، ويتعب في نمائها، ويهتم لحفظها حتى بلغ به الكبر عتيا، ثم ماذا؟ ثم أولاده وفلذات أكباده يترقبونه متى يُفارق الدنيا؟ ومتى يترك لنا هذه الأموال؟ بنته تعد الأيام عدًا لموته، وولده يتربص به لوفاته، أهله أقرباؤه يتقربون ويتزلفون إليه ليس لأجله بل لأمواله، أيُّ حياةٍ تلك؟! وأي سعادة أرادها؟!

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السعادة
اقرأ أيضا
صديقات السوء | مرابط
تفريغات المرأة

صديقات السوء


عجبا لك يا ابنة الإسلام كيف تستخدمين صلة العلم التي هي أشرف الصلات وأكرمها في المدارس والكليات لتبادل الأرقام والأفلام كيف تجرأت على القلم الذي هو أفضل أداة للخير وأعظم وسيلة للفضيلة وواسطة للآداب والكمال فخططت به الأرقام ورسائل الحب والغرام ونشر الحرام ألم تسمعي للحبيب صلى الله عليه وسلم يقول ويل لمن كان مفتاحا للشر مغلاقا للخير

بقلم: إبراهيم الدويش
418
أين الآباء من أولادهم؟ | مرابط
مقالات

أين الآباء من أولادهم؟


أيها الآباء لا حاجة لأولادكم في الثوب الجديدأو المصروف الكبيرأو الميراث الوفير إذا لم تؤسسه بحضورك على حب الله ومراقبته وتكتشف مواطن الخير فيه فتتعهدها وتنميها وتعرف مكامن الشر في نفسه فتنتزعها وتنقيها..

بقلم: خالد حمدي
369
الثمار المرة لدعاة تحرير المرأة | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر المرأة

الثمار المرة لدعاة تحرير المرأة


ما زال دعاة تحرير المرأة في بلادنا ينعقون بضرورة تخليص المرأة المسلمة من قيود العادات والتقاليد -على حد زعمهم- ولم يسلم الدين من هذه الدعاوى ضاربين المثل بالمرأة الغربية وكيف أنها استطاعت تحقيق ذاتها وإثبات شخصيتها والحصول على حقوقها بخروجها من بيتها ومنافسة الرجل في كافة الميادين وهم في كل هذا متغافلين عن ذكر الواقع المرير الذي تعيشه المرأة في البلاد الغربية في هذا المقال رد على دعاة تحرير المرأة واستعراض للواقع الحقيقي

بقلم: منى الشريف
2027
شبهات حول القرآن الكريم | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

شبهات حول القرآن الكريم


يناقش هذا المقال بعض الشبهات والأباطيل المثارة حول القرآن الكريم ومن أبرزها: ادعاء وجود أخطاء لغوية في نص القرآن الكريم وادعاء وجود أخطاء علمية أو آيات مخالفة لأمور علمية ثابتة والأخير هو ادعاء وقوع التناقض في نص القرآن والكاتب أحمد يوسف السيد يرد على هذه الشبهات الثلاث بالدليل الدامغ

بقلم: أحمد يوسف السيد
2712
المستبد الليبرالي | مرابط
مناقشات الليبرالية

المستبد الليبرالي


تقدم الليبرالية دائما على أنها المثال الصريح للحرية واحترام آراء الآخرين وعقائدهم ورفض إكراه أي إنسان على أي شيء إنها ذروة ما وصل إليه العقل البشري في نظر البعض ولكن هل عرفت الوجه الآخر لليبرالية هل عرفت تطبيقاتها على أرض الواقع هنا ستقرأ عن الليبرالي المستبد الذي يلجأ إلى الأنظمة الديكتاتورية لكي يفرض آراءه على الجميع الليبرالي الذي لا يعرف الحرية إلا حروفا تنقش بالحبر على الورق أما أرض الواقع فليس فيه إلا القوة والفرض والقهر والديكتاتورية

بقلم: إبراهيم السكران
2376
عبقرية اللغة العربية | مرابط
لسانيات

عبقرية اللغة العربية


يحضرني عبقرية الفقهاء قديما في اختيار مصطلحاتهم في الفقه وفي العلوم..كيف ربطوا من خلالها بين العلم والدين ببراعة شديدة؟! وكيف وسعت العربية الفذة هذا الأمر؟! تأمل مثلا استعمالهم لفظ المكلف للتعبير عن المخاطب في الكلام.. فأي فعل لا ينفك عنه معنى الافتقار والعبودية.. يمكن أن تفهم ذلك أكثر من ملاحظة استعمال القانون مثلا للفظ العاقل للتعبير عن المخاطب.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
335