بلا وصاية

بلا وصاية | مرابط

كل حر عاقل بالغ رشيد فإنه ينكر أحقية أن يكون أحد وصيًّا عليه، فالوصاية سلطة قهرية تُفرض على الإنسان، تحول بينه وبين تصرفاته وحقوقه، وبطبيعة الحال فإن مثل هذا المعنى مرفوض عند الناس، ولا يقبل أحد أن يكون ثم وصاية من أي شخص أو جهة عليه.

 

حسنًا.. أين المقولة الفاسدة في الموضوع؟

 

الفساد يظهر في بعض استخدامات هذه المقولة وتوظيفاتها، فإشكالية بعض المقولات لا يقتصر على وجود معنى باطلٍ فيها، بل قد يكون في بعض التوظيفات الخاطئة لها. وهذه المقولة هي من جنس تلك المقولات التي جرى استخدامها وتوظيفها في عصرنا في سياقات كثيرة تعود إلى معنى واحد وهو: رفض بعض الحق بدعوى أنه يشتمل على نوع وصاية.

 

والمشكلة هنا في تعدية الوصاية إلى غير مجالها، واستغلال النفور النفسي من كلمة الوصاية للتنفير من بعض صور الحق، وهو ما ينكشف سريعًا عند رفض بعض الناس لبعض صور التواصي بالحق، والنصح بالخير، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بذريعة ما تتضمنه مثل هذه الأفعال من وصاية.

 

فالشريعة جاءت بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإقامة دين الله، ومنع التجاوز على حرماته، وحفظ حقوق الناس في دينهم ودنياهم، وكل مسلم عليه نصيب من هذا الواجب بحسب استطاعته وقدرته وعلمه. فمحرك القيام بهذه الشريعة شعور المسلم بواجبه الشرعي، وانتصابه للقيام بأمر الله تعالى، بالإضافة إلى دافع أخوي بالنصح للمسلمين وبذل الخير لهم، والتواصي معهم على الحق والإيمان، وهو معنى متفق عليه لا يختلف عليه المسلمون في الجملة.

 

الذي حدث في عصرنا أن بعض تطبيقات هذه الشعيرة أصبحت توصف بأنها من قبيل الوصاية المنبوذة، وأن من يأمرك بمعروف أو ينهاك عن منكر فإنه يمارس وصايته عليك.. وهذا فيه تضليل من جهتين:

 

الأولى: التضليل من جهة مفهوم الوصاية: فالوصاية أن تمنع الإنسان من تصرفاته المالية والبدنية بلا حق، وليس منها أن تمنعه من الفعل الضار أو تأمره بالفعل الحسن، فالأنظمة المعاصرة تفرض قائمة طويلة من الممنوعات، وقائمة مثلها من الأوامر التي يلتزم الجميع بها، ويرون فيها تحقيقاً لمصلحتهم ودفعاً لما يضرهم، ولم يقل أحد إن هذا من قبيل الوصاية عليهم.

 

الثانية: تضليل من جهة تسمية الحكم الشرعي بالأسماء المنفرة: وهذا أسلوب قديم في رفض الحق بتوظيف التسميات المنفرة عنه، كما قال فرعون: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد).

 

سيقال هنا: لكن الخلاف في مفهوم المعروف والمنكر، وليس في الأمر بجنس المعروف أو النهي عن جنس المنكر، فمحل النقد هو لمن يأمر بما ليس بمعروف، أو ينهى عما ليس بمنكر.

 

وهنا ينتقل البحث في تحقيق ماهية المعروف والمنكر، وتحقيق مناطاتهما في الواقع، وحل ما قد يعرض في هذا الباب من أخطاء، وهذا كله جزء من التفكير الصحيح في المقولات المعاصرة وكيفية التفاعل الإيجابي معها، وذلك بالضغط عليها ومساءلتها وتفكيك بنيتها لتحييد المعنى الباطل منها، والكشف عما فيها من حقّ أو ما يحتمل أن يكون كذلك، وهنا يجب أن يكون النقاش في تحديد القضية المختلف فيها هل هي من الواجبات الشرعية التي يجب الالتزام بها، أم ليست كذلك، وهذا التمييز ضروري لوضع حدٍ فاصل يحول بين المفاهيم الباطلة أن لا تتمدد في المساحات المحتملة.

 


 

المصدر:

  1. عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان، زخرف القول: معالجة لأبرز المقولات المؤسسة للانحراف الفكري المعاصر،
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات #أباطيل #زخرف-القول #الوصاية
اقرأ أيضا
قصور العقول عن إدراك مسألة القدر | مرابط
مقالات

قصور العقول عن إدراك مسألة القدر


وقصور عقول البشر سبب لإنكار كثير مما لا تدركه من أحكام الله وأداره فالله خلق عقل الإنسان وجعله كالوعاء يحوي به وجعل الأوعية مختلفة لم يجعل للأوعية طاقة باستيعاب كل شيء فإن منها ما لا يصلح لها ومنها ما يمكن أن يحتوي منه بقدر وما زاد فاض. وأصل الضلال: اغترار الإنسان بعقله وطلبه أن يحوي كل شيء به وبعض المعلومات بالنسبة للعقل كالمحيطات بالنسبة للأواني لو سكبت عليه طوته وضاع فيها وتحير.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
238
أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأمومة والإنجاب | مرابط
النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأمومة والإنجاب


لقد بلغت الأنانية وعبادة الذات وحب الاستمتاع بالشهوات والتمرد على الطبيعة ورفض المسؤولية والتهرب منها والانحراف عن الفطرة والتفسير السقيم بالحركة الأنثوية الراديكالية إلى درجة رفض الأمومة والإنجاب كخطوة لاحقة لرفض الأسرة والزواج زعيمة الأنثوية الوجودية الفرنسية سيمون دي بوفوار تسمي هذا الواجب بعبودية التناسل وكأن الأولاد للأب فقط ولا علاقة لهم بالأم

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
3407
الجهل بأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان | مرابط
أباطيل وشبهات اقتباسات وقطوف

الجهل بأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان


الابتلاء في هذه الحياة مثل الكأس وكل الناس شارب منه ولا بد لكنه يتفاوت من شخص إلى آخر حسب قوة إيمانه ويقينه وحقيقة نفسه التي يخرجها الله بهذه الامتحانات وهذا من ضمن أسباب إشكالية وجود الشر التي أثارها الكثير من الفلاسفة بين يديكم مقتطف يعالج فيه الكاتب هذه المسألة

بقلم: م أحمد حسن
590
القراءة الحداثية للسنة النبوية عرض ونقد | مرابط
فكر مقالات

القراءة الحداثية للسنة النبوية عرض ونقد


ثم كانت الخطورة حينما بدأ نفر من أبناء جلدتنا من أبناء هذه الأمة يتناولون القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة بقراءة عرفت ب الحداثية أو القراءة الجديدة للنص الديني وهي قراءة تأويلية تستمد آلياتها من خارج نطاق التداول الإسلامي بل تأتي وفقا للتجربة الغربية في فهم النصوص واللاهوتية منها خصوصا فلا تريد أن تحصل اعتقادا من النص بقدر ما تريد أن تمارس نقدها عليه واستخداما لنظريات لغوية حديثة مثل: البنيوية والتفكيكية والسيمائية وهي قراءات في حقيقتها اقتبست كل مكوناتها من الواقع الحداثي الغربي في صر...

بقلم: الشيخ الدكتور محمد بن عبد الفتاح الخطيب
1893
الرد على عدنان إبراهيم: فرية نبش بني العباس لقبر معاوية | مرابط
أباطيل وشبهات

الرد على عدنان إبراهيم: فرية نبش بني العباس لقبر معاوية


ادعى عدنان إبراهيم أن بني العباس نبشوا قبر سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ووجدوا خيطا أسود كالهباء واستدل في مقولته هذه بما رواه العماري وليست هذه هي الشبهة الأولى التي يروجها عدنان إبراهيم ضد سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وفي هذا المقال رد على تلك الشبهة وتوضيح للخطأ فيها

بقلم: أبو عمر الباحث
1655
إثبات الحجة لا يستلزم الإقرار | مرابط
اقتباسات وقطوف

إثبات الحجة لا يستلزم الإقرار


إن إلقاء الحجة مع بيان ووضوح يفهمها المجادل والسامع لو أرادا الفهم - كاف في قيام التكليف عليه لذا لما كان أعظم تكليف - وهو الإسلام - يكفي في ثبوته الإسماع على وجه ولغة يفهمها المخاطب قال - تعالى -: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله التوبة:6

بقلم: عبد العزيز الطريفي
809