تصوير ناسا أم خلق ناسا؟

تصوير ناسا أم خلق ناسا؟ | مرابط

الكاتب: د. إياد قنيبي

546 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

السلام عليكم ورحمة الله

أيها الكرام نشرت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا صورًا تشويقية لما قالت أنه أعمق صور للكون تلتقط حتى الآن على الإطلاق؛ وهذه الصور تبين جانبا من عظمة الكون من حولنا. الملفت للنظر أن هذه الصور نفسها تزيد الذين آمنوا إيمانا، وتزيد المنبهرين بالغرب سفها وكفرانا، وهذا حال الآيات الكونية المنظورة تماما كالآيات المستورة، قال تعالى في المنافقين "وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ"

 

هل يعني هذا أن الدليل نفسه محايد، بحيث يمكن أن يدل على الله ويمكن أن يدل على إنكار الله؟ طبعا لا، وإنما يعني أن الآيات الكونية كلها دالة على الله بحيث ينتفع بها من سلمت فطرته وعقله وقلبه، أما إذا انحرفت فطرة الإنسان وعقله وقلبه فإنه كالأعمى لا تنفعه الصور الجميلة مهما عرضت عليه، "وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ"

 

ولاحظ أن الله تعالى عبر باللفظ نفسه عن أدلة القرآن المستورة وأدلة الكون المنظورة.. آيات.. فكلها آيات.. دلالات على الله تعالى وعظمته وقدرته، الشاك أو المهزوم نفسيا والذليل للغرب يتكلم عن هذه الاكتشافات وكأن الذين صوروها هم الذين خلقوها، وبدل أن يسعى لتتقدم أمته الإسلامية في العلوم من جديد فإنه يعيّر بها المسلمين، هذا مع أن المكتشفين والمنبهرين بهم والبشر أجمعين لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له.. ذبابة واحدة، وليس مجرة ولا حتى نجم أو كوكب.

 

بينما المسلم العزيز بإيمانه، كلما رأى آية جديدة كهذه قال "رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" .. ربنا ما خلقت هذا باطلا فكون بهذه العظمة دال بلا شك على رب قدير عظيم عليم حكيم، سبحانك، تنزهت يا ربنا عن الباطل والعبث، فلا شك أنك خلقتنا وخلقت الكون لحكمة، فإذا وقفنا بين يديك للحساب فقنا عذاب النار.

 

المؤمن يستدل بهذه الآيات على قدرة الله تعالى على إحياء العظام وهي رميم لأنه يعلم أن ذلك أهون على الله من خلق هذا الكون الفسيح "لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" قال الله تعالى بعدها مباشرة "وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ"

 

الذي لا ينتفع بهذه الآيات: أعمى، المؤمن إذا رأى عظمة الكون علم أن الله خلق السماوات والأرض بالحق، قال الله تعالى "وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" قال تعالى بعدها مباشرة "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"

 

الذي يعبد الهوى ويعيش لأجل الشهوات لا ينفعه علمه ولا هذه المشاهدات العظيمة بل يعجبنا الله من قدرته على حجب هؤلاء عن أكبر الحقائق وأوضحها وهي وجوده ووحدانيته وعظمته سبحانه، بحيث لا تنفعهم علومهم وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة 

 

"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" واحد من عدة احتمالات، أنهم خلقوا هكذا من غير شيء وخرجوا من العدم إلى الوجود من غير مسبب، وهذا ما لا يقول به عاقل، أو أنهم هم الخالقون وخلقوا أنفسهم بأنفسهم وهذا لا يقول به عاقل، أو أنهم خلقوا السماوات والأرض بأنفسهم وهذا لا يقول به عاقل، فلا يبقى إلا أنهم مخلوقون من مسبب أول، خالق غير مخلوق، يحتاج إليه كل ما في الكون ولا يحتاج إليه أحد.

 

الجاهلية الحديثة كما أنها أفسدت فطرة الناس الأخلاقية، وجعلت المسلمات الأخلاقية محل شك ونقاش بل وفرضت أقذر الفواحش فرضًا، وقالت في من يرفضونها: "أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" فإن الجاهلية الحديثة أفسدت فطرة الناس العقلية ودلالة العقل والفطرة على وجود الله وعظمته.

 

ختاما ننصحكم بمراجعة حلقة من رحلة اليقين بعنوان: هل يمكن إثبات وجود الله علميا أم أن العلم محايد.. وتذكروا: إله نرى أثر عظمته وقدرته وحكمته جدير بأن يُطاع ولا يعصى، ويُذكر ولا يُنسى، ويُعظّم ولا يُستهان بأمره ونهيه وشرعه.. نسأل الله أ، يهدينا ويهدي بنا والسلام عليكم ورحمة الله.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ناسا
اقرأ أيضا
التوبة والندم | مرابط
اقتباسات وقطوف

التوبة والندم


مقتطف من كتاب التوبة لابن أبي الدنيا يعرض لنا بعض الأحاديث والآثار أو الأخبار فيما يخص التوبة وهل الندم يدخل في معنى التوبة أم لا وهل التوبة تخلص العبد من عقوبة الله عز وجل أم لا وهل التوبة تكفي للتخلص من آثار الذنوب

بقلم: ابن أبي الدنيا
881
مناظرات مع رستم قائد الفرس | مرابط
مناظرات

مناظرات مع رستم قائد الفرس


عندما طلب رستم ملك الفرس أن يرس له سعد رضي الله عنه بعض الرسل يجيبونه عما يسأل عنه ومن هنا أرسل سعد المغيرة بن شعبة ثم أتبعه بربعي بن عامر ثم حذيفة بن محن وأخيرا المغيرة بن شعبة مرة أخرى وفي كل مرة كان يدور حوار يشبه المناظرة بينهم وبين رستم وهذا تفصيل ما دار

بقلم: ابن كثير
2513
كيف أبدأ ..؟ | مرابط
ثقافة

كيف أبدأ ..؟


والله لا أستطيع إحصاء الرسائل التي تأتيني يوميا:كيف أبدأ في حفظ القرآن ولماذا ومتى وأين ومع من؟كيف أبدأ في طلب العلم؟ ما المراحل والخطط والكتب والطبعات وكيف أدرس وأحفظ وأراجع؟كيف أبدأ في الرياضة.. كيف أنقص وزني؟كيف أربي أولادي ومتى وأين؟.. إليكم الجواب.

بقلم: حسين عبد الرازق
586
إضاءة في سبيل العلم وطلبه | مرابط
مقالات

إضاءة في سبيل العلم وطلبه


هل جربت يا طالب العلم قبل كل كتاب تقرؤه أو درس تحضره أو مادة تسمعها أن تتضرع إلى الله وتسأله أن يبارك لك في هذه القراءة وهذا الدرس وأن يفتح على قلبك وأن ييسر لك سبيل العلم النافع وأن لا يكلك إلى نفسك وأن يجعل ذلك كله سبيلا إلى رضوانه.

بقلم: د. طلال الحسان
1956
دقة القراءة | مرابط
تفريغات ثقافة

دقة القراءة


وعندما نقول اتفق العقلاء هذه تثير في نفسي معنى أن هذا الأمر لا يحتاج إلى العلماء ليدركوه ليس هذا مما يكتسب بالعلم وإنما هو مما تعلمه العقول علم ضرورة وإذا كان الشيخ وهو في معمعان تعليم دقائق العلم يحدثك بحديث تعلمه العقول علم ضرورة يدني هذه الدقائق والخفايا ويقربها حتى تصير مما تعلمه العقول علم ضرورة هو بهذا يعطيك درسا في التربية

بقلم: د محمد أبو موسى
746
مآلات تدهور اليقين | مرابط
فكر

مآلات تدهور اليقين


يسرد ابن تيمية في مواضع عديدة من مرافعاته جملة من الاعترافات والسير الذاتية لأئمة من أهل الكلام والمتفلسفة القدامى مشيرا إلى مآلاتهم المروعة نتيجة انحراف أنظارهم عن الحق ودخولهم في متاهات الرذائل النظرية فيذكر حكايات عن الشهرستاني والرازي وأبي الحديد والآمدي والخونجي وغيرهم ويقول أن أكثر الفضلاء العارفين بالكلام والفلسفة بل والتصوف تجدهم في العلم الإلهي حيارى.

بقلم: عبد الله الوهيبي
562