
تعريف العلم هو: رصد الظاهرة ثم تحليلها بغية تفسيرها والاستفادة منها!
ومنذ اكتشف عالِم الفيزياء الألماني هايزنبرج Werner Heisenberg مبدأ عدم اليقين أو مبدأ الريبة uncertainty principle، تبين أننا سنظل محرومين للأبد من معرفة الحقيقة الكلية باستخدام العلم وحده!
عدم اليقين
ويَنُص مبدأ عدم اليقين على أنه: "يستحيل تحديد موقع وسُرعة أي جسيم في وقتٍ واحد"، فنحن ممنوعون من معرفة موقع وسُرعة الجسيم في آنٍ واحد، وليس لنا أنْ نختار إلا نِصف الحقيقة، أما الحقيقة الكاملة فنحن ممنوعون من معرفتهـا.
يُعَدُّ مبدأ عدم اليقين قانونًا صارمًا من قوانين الطبيعة، ولا يرتبط بأي شكل من الأشكال ببعض القصور الموجود في أجهزتنا، أو بقدراتنا على الرصد، بل هو قانون كوني.
ولذا فهذا المبدأ من أعظم المبادئ أثرًا في تاريخ العلم الحديث، حيث أنه يضع حدًا لقُدرة الإنسان على قياس الأشياء، وكان لهذا المبدأ تأثيرٌ فلسفيٌّ عميقُ الأثر على العقل العِلمي، يقول الفيزيائي النمساوي [شرودينجر] Schrödinger “ لقد تم الحصول على صورة معتدلة لهذا العالم، بتكاليف باهظة.”
والغريب أن هذا النصف المُتاح لنا معرفته محفوفٌ أيضًا بجدران بلانك التي لا نستطيع تجاوزها علميًا. فنحن مثلًا لن نعرف ما قبل الثانية 10 أس -46 من عمر الكون.
فالعلم لا يقبل أن يكون الحَكمَ الأخيرَ على القضية الكُلية في الوجود، لأنه بذلك يكون مثل لابس ثوبي زور، وكالمُتلبس بما لم يُعط.
تأثير الفراشة
ولم تمر على الجنس البشري إلا عقود قليلة بعد صدمة مبدأ عدم اليقين، حتى ظهرت في ستينيات القرن الماضي نظرية جديدة، تدمر كل ما بقي لنا من أمل في تحصيل معرفة موضوعية متكاملة عن هذا النصف من العالم الخارجي، إنها نظرية تأثير الفراشة Butterfly Effect والتي لنا معها منشور قادم إن شاء الله!
وقبلها كانت مبرهنة جودل Gödel Incompleteness Theorem التي تؤكد أنه لا يوجد نظام رياضي متكامل.
فالعلم لا يُغطي إلا جانب ضيق جدًا من حقل المعرفة، وهو ليس موضوعي وإنما ذاتي يخضع للرؤية البشرية وتحلله القدرة البشرية، والعلم لن يقترب من أسئلة الوجود الكبرى مثل: لماذا نحن هنا، وإلى أين نحن ذاهبون؟
ولذا لما سألت دير شبيغل هايدغر عما إذا كان في مقدرة الانسان الوصول للأفضل والأكمل عبر مساعيه وأبحاثه قال :" الله فقط يمكن أن ينقذنا."
Only God Can Save Us, Heidegger, The Man and The Thinker, p.45