حفظ اللسان

حفظ اللسان | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

1310 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن ربنا سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد جاء عنهما الأمر بحفظ اللسان، هذا العضو السريع الحركة، أسرع الأعضاء حركة وأنشطها، لا يكل ولا يمل من كثرة الاستعمال، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق 18]. فكل ما خرج منه يُكتب ويُرصد، ويُحفظ ويُجمع؛ لينشر يوم الدين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».

وجاء سفيان بن عبد الله الثقفي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له سائلًا: "يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا» أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. 

وقال صلى الله عليه وسلم:  «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»  وقال للصحابي: فكف لسانك إلا من خير وقال لمن سأله ما النجاة؟ قال: املك عليك لسانك رواه الترمذي وحسنه، وفي حديث معاذ المشهور قال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أوصاه: « ألا أخبرك بملاك ذلك كله، كف هذا وأشار إلى لسانه»، قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»  (رواه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح).

ألا أخبرك بملاك ذلك؛ أي ما يحكم الأمور ويعين على تقويتها، أخذ صلى الله عليه وسلم بلسانه وأشار إلى هذا العضو وقال قولًا بعد الفعل كف، أي: امنع هذا، هذه الإشارة والقول تدل على اهتمام الشارع بحفظ هذا العضو، وقدم عليك على قوله هذا إشارة للاهتمام بهذا الأمر، فلم يقل أمسك هذا عليك، وإنما قال أمسك عليك هذا، وهذه الإشارة في اللغة تكون لمزيد من التعيين، أو التحقير؛ لأن الناس كثير ما يتساهلون به، ولم يكتفِ صلى الله عليه وسلم بالقول وإنما أخذ بلسانه بالفعل؛ ليدل بقوله وفعله على هذا الأمر، بيانًا لصعوبة ضبط اللسان، ومعنى الحديث لا تتكلم بما لا يعنيك كما ورد في الحديث الآخر من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، وكثرة الكلام لها مفاسد لا تُحصى.

وقال الصحابي: وإنا لمؤاخذون، أي: معاقبون ومحاسبون بما نتكلم به، أي: على جميع الكلام الخارج، لأن معاذًا لا يخفى عليه أن بعض الكلام يحسب للإنسان، فقال له: وهل يكب ويلقي الناس ويسقطهم ويصرعهم على وجوههم أو على مناخرهم -وهي أول ما يصل إلى الأرض إذا سقط الإنسان على وجهه- إلا حصائد ألسنتهم، وفي هذا بلاغة نبوية عظيمة، فإنه شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود، شبهه بالمنجل، فكما أن المنجل الذي يُحصد به الزرع يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس، والجيد والرديء، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسنًا وقبيحًا مثل المنجل، يحصد كل ما يأتي عليه، لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم، من الكفر، والقذف، والشتم، والغيبة، والنميمة، والبهتان.

فعليك يا عبد الله بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان، ومن صمت نجا، والإسلام في السلامة من اللسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «المسلم من سلم المسلمون من لسانه» خص اللسان بالذكر؛ لأنه يعبر عما في النفس، وهو أمضى من اليد، ولذلك قدمه على اليد، في قوله من لسانه ويده؛ لأن اللسان يؤثر ويقول في الماضين، والموجودين، والحادثين بعد، وأما اليد فيمن هو أمامها، ولذلك كان التأكيد عليه، وتقديمه في هذا الحديث.

 


 

المصدر:

 http://iswy.co/e2blf8

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حفظ-اللسان
اقرأ أيضا
قاعدة جليلة في التوكل | مرابط
اقتباسات وقطوف

قاعدة جليلة في التوكل


قاعدة جليلة في التوكل منتقاة من كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية يعرض فيه أنواع التوكل على الله فمن الناس من يتوكل على الله في جلب حوائجه الدنيوية ومنهم من يتوكل على الله في حصول ما يحبه الله ويرضاه كما يعرض لنا مفهوم التوكل بشكل صحيح والفرق بينه وبين التواكل وحال المؤمن المتوكل على الله

بقلم: ابن القيم
1346
البخاري غير معصوم لكن كل ما في كتابه صحيح | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

البخاري غير معصوم لكن كل ما في كتابه صحيح


إن عدم العصمة لا يقتضي حتمية وجود الخطأ في كل ما يروي غير المعصوم وإنما يقتضي احتمال وجود الخطأ وإذا كان الأمر كذلك فإن على من يدعي وجود الخطأ ألا تكون حجته مرتكزة على مجرد عدم عصمة الكاتب أو الراوي لأن صيغة حجته ستكون عندئذ كما يلي: الكاتب غير معصوم إذن احتمال الخطأ فيه وارد إذن هو مخطيء وهي كما ترى حجة فاسدة وذلك أن احتمال الخطأ هو بالضرورة العقلية احتمال للصواب وإذن فعلى من يدعي وجود الخطأ أن يأتي بحجة مستقلة تثبت وجوده ولا يعتمد على مجرد احتمال وجوده

بقلم: جعفر شيخ إدريس
536
فإنها لا تعمى الأبصار | مرابط
مقالات

فإنها لا تعمى الأبصار


تسمع بين الفينة والأخرى صوت الهمز واللمز يزداد ويعلو حول هدي الإسلام وشعائره: كيف تتحملين النقاب في الحر الشديد؟ ازاي تستحملوا الكتمة دي؟ هل أنت عبدة لزوجك؟ ما لك تشبهين الخيمة السوداء في الطرقات؟ كيف تتحمل مظهرك بهذه اللحية؟ ألا ترى مظهرك مضحكا بهذا السروال القصير؟ يا أمة ضحكت من جهلها الأمم هل الدين يهتم بهذه المظاهر؟

بقلم: محمود خطاب
771
عمارة النفوس بالله | مرابط
مقالات

عمارة النفوس بالله


لقد جبلت النفوس البشرية على التعلق بالدنيا والغفلة عن الآخرة لذلك جاءت آيات القرآن فجعلت الأصل في الخطاب الدعوي ربط الناس بالآخرة والتبع هو التأكيد على أهمية إعداد القوة هذه نزعة ظاهرة في القرآن والسنة ووصايا السلف.. ولكن للأسف جاءتنا خطابات دعوية مادية أرهقتها مواجهة التغريب فانكسرت وتشربت ثقافة الخصم ذاته وصارت منهمكة في تذكير الناس بالدنيا وجعلت التبع هو الآخرة.. خطابات لم تعد تستحي أن تقول مشكلة المسلمين في نقص دنياهم لا نقص دينهم! ولكن لا يزال ولله الحمد- من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهد...

بقلم: إبراهيم السكران
376
شبهات حول الحجاب: الحجاب شريعة رجعية 2 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب شريعة رجعية 2


كثيرا ما طرق آذان المسلمات قول صارخ منتفش ودعوى فجة مغرورة أن مطالبة المرأة العربية بارتداء الحجاب في القرن الواحد والعشرين حيث تطور العالم وبلغ في ابتكاراته العلمية الذروة وتطور المجتمع وأصبح أكثر انفتاحا ونضجا لهو دعوة صريحة إلى الانتكاس والعودة إلى القرون الوسطى عصور الظلام

بقلم: سامي عامري
921
أحفاد كعب بن الأشرف وقضية الحجاب | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

أحفاد كعب بن الأشرف وقضية الحجاب


يناقش الكاتب راغب السرجاني قضية الحجاب وعلاقتها بالحرب الإبليسية المشتعلة منذ قديم الزمان يقف بنا أمام معالم هذه الحرب القائمة على إشاعة الفاحشة وكيف ازدادت هذه المحاولات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يربط ذلك بما يحدث في عصرنا من دعوات خلع الحجاب وإشاعة الفاحشة في الإعلام بشكل ممنهج

بقلم: راغب السرجاني
2216