حكاية السينما والمتشددين

حكاية السينما والمتشددين | مرابط

الكاتب: فهد بن صالح العجلان

2036 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قد نكون مجتمعًا لا يفهم، ولا يقرأ، ومستوى الوعي لدينا في انخفاض مستمرّ، وربّما نكون مغفّلين وبلهاء ..
إلا أنه ما زال فينا شيء من فهم وإدراك، ولم يصل بنا الغباء والبلاهة إلى الحدّ الذي تمرّر علينا (المحرّمات) الشرعية الظاهرة لنتعامل معها بشكل طبيعي فلا يبقى منكر لها إلا كلّ متطرّف متشدد بمجرّد أن يكتب على هذا المحرم (وفق الضوابط الشرعية) وبما ( لا يتعارض مع الشريعة السمحة).

 

(جميلٌ) أن يعتني المرء بأمر الضوابط الشرعية ويجهر في وسائل الإعلام بتعظيمها ومراعاته لها، ومن (السيء )غير الجميل أن يقف الأمر عند هذا الحدّ، فتسير الأمور على ما هي عليه ولا يبقى من أمر الضوابط الشرعية إلا الصوت والحبر والورق!

 

حيلة تمرير المحرمات

قصّة (السينما) في هذه الأيام تبدو كنموذج مجهري لانكشاف حقيقة هذا العبث المستتر بالضوابط الشرعية، وتعرية متقنة للممارسة السلبية الخفيّة التي تنافق هذا المجتمع المبارك فلا تقدر على تمرير المحرّمات إلا عبر بوّابة التأكيد على الالتزام بقيود الشريعة السمحة.

 

حكايتها .. تبرز فئة وفعالًا تحسب أنّها بمجرّد ملفوظة (الضوابط الشرعية) قد أبيح لها انتهاك كلّ الأحكام الشرعية على شاكلة من يكتب على لحم الخنزير ذبح على الطريقة الشرعية، فالقيمة الحقيقية لهذه (الضوابط) أن يصكّ بها في وجه المنكرين الغيورين، وأما الواقع فلا يعرف أحد ما هو الضابط الشرعي الذي يجزم أنهم لن ينتهكوه!

 

تبرّج ظاهر، واختلاط، وتقارب غير محتشم، وموسيقى .. في حال لا يخفى تحريمها على مسلم، ولا يتصوّر أن يكون فيها خلاف بين العقلاء فضلًا عن العلماء ..

 

الضوابط الشرعية

ومع ذلك .. فكلّ ما في هذه السينما هو بحسب (الضوابط الشرعية) ووفق (القيم الفاضلة) وبما فيه (خدمة المجتمع)!
ويطلع علينا بيان [روتانا] ليقرّر( سنحرص على تقديم ما يتناسب مع خصوصية مجتمعنا وعاداته وتقاليده وما يتناسب مع شريعتنا السمحة) كما هي سيرة قنوات روتانا دومًا!

 

ولا يعارض هذه (السينما) الشرعيّة حسب رؤية الكتّاب والصحفيين إلا فئة قليلة من (المتطرّفين المتشدّدين) الذين لا يفقهون الحكم الشرعي، ويعارضون (كلّ جديد) ويرفضون (التقدم والانفتاح العالمي) ويسعون لدفع المجتمع نحو (التخلّف والهمجية).

 

آثام السينما

طبعًا .. ما ترونه هو أول آثام السينما، ومن طبيعة أول كلّ شيء أن يكون محافظًا متزنًا مداهنًا.. فإذا رأيتم في أول الأمر (تبرّجًا) و (اختلاطًا) و(فسادًا) حسب الشريعة الإسلامية السمحة ووفق الرؤية المعتدلة فإن (روتانا) تعدكم أن تمضي بكم في طريق الوسطية والاعتدال إلى (الرقص) و (التفسّخ) و (تهييج الشهوات) و (إثارة الغرائز) المنضبطة –جدًّا- بالقيم والأصول الشرعية بما يشهد به كلّ معتدل وسطي ولا ينكره إلا كلّ متطرّف عنيد!

 

أن يقع المسلم في الخطأ وهو مقّر معترف هو أمر (هيّن) في مقابل من يقع في الخطأ ويأبى إلا أن يكون صوابًا، ويسير بالدليل الشرعي ليكون موافقًا له ودالًا على صحّة فعله بقطعية لا يشكّ فيها إلا الغلاة الجفاة، فهذا ليس مجرّد خطأ أو فعل محرّم لا يسلم منه أحد، بل هو تعدٍ على الشرع وتلبيس وتدليس على عباد الله لا يجوز السكوت عنه.

 

وأربأ بأحد يعظّم النصوص الشرعيّة أن يدافع ويذبّ عن مثل هذا ولو كان في حقيقة نفسه يودّ أن توجد السينما، فليكن هذا في مسار السلوك والهوى لا في دائرة التلبيس والتحريف للحكم الشرعي.

 

أبت حكاية (السينما) إلا أن تضع كلّ من يحرّم سلوكياتها ضمن ساحة المتطرّفين المتشددين، وهم –أي المتطرّفين هؤلاء- فئة قليلة جدًّا ليس فيها إلا (عبد العزيز بن باز) و (محمد بن عثيمين) و(اللجنة الدائمة للإفتاء) و(هيئة كبار العلماء) و (طلّاب العلم ) و (المشايخ) و (الدعاة) و (القضاة) و(أساتذة الجامعات) و ( المتخصصين) في العلوم الشرعيّة ..

 

فقط هؤلاء القلّة هم الذين يحرّمون السينما المعاصرة .. وما نقموا من السينما وما حاربوها إلا لانحرافهم عن (طريق الوسطية والاعتدال) الذي قد مضى على جادّته كتّاب الزوايا الصحفية ونجوم قنوات (روتانا)!
 
 
صحيفة سبق
19/6/1430هـ

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#فهد-العجلان #السينما
اقرأ أيضا
أخوك أم الذئب؟ | مرابط
مقالات

أخوك أم الذئب؟


إن الشرق إذا خلص من شر النفايات الطافية على سطحه وإذا وثق بسلطان الروح السامية التي لا تذل وإذا نهج النهج لا يتهيب فما بد من أن يحوز من القوة ما يضارع قوة المدنية الأوربية المتهالكة وأن يجعل في هذه القوة من النظام الروحي النبيل ما يرد كل غائلة ويمنعها كل عدوان ويرفع الإنسانية درجات في طريقها إلى السماء. وهذه أيام فيها عبر كثيرة لمن يعتبر فإن حقائق المدنية الأوربية تستعلن كلها في هذه الرجة العظيمة التي ترجف بالعالم ساعة بعد ساعة.

بقلم: محمود شاكر
315
الإخلاص والنية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإخلاص والنية


كتاب الإخلاص والنية من أهم ما نقل إلينا عن أبي بكر بن أبي الدنيا ففيه روايات وأخبار كثيرة كلها تدور حول نية العبد وكما نعلم فالنية هي أشق شيء على المؤمن لكي يضبطه ويحدد بوصلته في كل أعماله والأعمال بالنيات وبين يديكم اقتباسات موجزة من هذا الكتاب الماتع

بقلم: ابن أبي الدنيا
784
لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول


يستطيع الليبرالي أن يعيش ازدواجية عنيفة بين شخصيته التي يظهر بها أمام أضواء الإعلام وفي سطور مؤلفاته أو مقالاته وشخصيته الحقيقية التي تظهر عندما تنطفئ هذه الأضواء وعندما يعم الظلام ويجف مداد القلم هنا تظهر هذه الازدواجية لترى الانحلال الأخلاقي والنظرة الشهوانية الجنسية للمرأة التي تقبع داخله بينما ينادي ليل نهار بحرية المرأة والتعامل معها على أنها إنسان له حقوق وكرامة قبل كل شيء وفي هذا المقال سترى الكثير من الشهادات بألسنة الليبراليين أنفسهم لتدرك وهم الليبرالية

بقلم: إبراهيم السكران
2037
السر في كون البدعة أحب إلى إبليس من المعصية | مرابط
تفريغات

السر في كون البدعة أحب إلى إبليس من المعصية


قالسفيان الثوريوغيره من العلماء: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها ومن أظهر الدلائل على أن إبليس لا يكترث بالمعصية حديثجابرالذي رواه الإماممسلمفي صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء فهو يضع عرشه أي: الكرسي ثم يجلس عليه وبعد ذلك يعطي للأبالسة خط سير كل واحد يذهب إلى بني آدم: يرسل سراياه تترى إلى بني آدم تترى: بعضها خلف بعض إنهم لا يكلون ولا ينامون ولا يهدءون فإبليس لا يحاسب رأس كل شهر ولا أسبوع إبليس يحاسب كل يوم ي...

بقلم: أبو إسحق الحويني
792
مراجعة لكتاب الاسترقاق القيمي | مرابط
مناقشات

مراجعة لكتاب الاسترقاق القيمي


العناصر التي تعزز أي مشروع تغريبي هي كتلة مقومات ومنها: التغطية السياسية والشرعية والنخبة الثقافية المسوقة وضعف الممانعة الشعبية وذكر ستة نماذج لمشروعات تغريبية وقام بتفصيلها وإبراز هذه العوامل الفاعلة فيها

بقلم: إبراهيم السكران
2288
الابتلاء بالشدة والضر | مرابط
اقتباسات وقطوف

الابتلاء بالشدة والضر


فمن تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم الشدة والضر وما يلجئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين ويرجونه لا يرجون أحدا سواه وتتعلق قلوبهم به لا بغيره فيحصل له من التوكل عليه والإنابة إليه وحلاوة الإيمان

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
469