وأما اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الأخروي فظاهر؛ لأن من أعظم مظاهر العدل الإلهي: التفريق بين المحسن والمسيء، كما قال الله تعالى "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"، فجعل التسوية بين المحسن والمسيء حكما سيئًا منافيًا للحق الذي خلقت به السماوات والأرض، والواقع أن هذا التفريق الذي يقتضيه عدل الله تعالى وحكمته غير متحقق تماما في الدنيا، بل إنا قد نشاهد الكافر أو المسيئ منعّمًا في الدنيا، والمحسن المؤمن مبتلى مقدورًا عليه؛ لحكمة يريدها الله، فلزم من ذلك ضرورة وجود جزاء أخروي، يتجلى فيه العدل الإلهي بإثابة المحسنين ومعاقبة المجرمين. وقد قيل في معنى قوله "سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ" إن محيا كل من الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا مساو لمماته، أي: لا يتبدل حال الفريقين بعد الممات، بل يكونون بعد موتهم كما كانوا في الحياة، فيكون ضمير "محياهم" وضمير "مماتهم" عائدين للفريقين على التوزيع.
المصدر:
د. سعود عبد العزيز العريفي، الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد، ص374