حول مشروع الجندر

حول مشروع الجندر | مرابط

الكاتب: الحارث عبد الله بابكر

394 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

«إن الفرد لا يولد امرأة، وإنما يصبح امرأة». مثّل هذا التقرير للفيلسوفة الفرنسية الشهيرة سيمون دي بوفوار شعارًا مهما في مسيرة الموجة الثانية من الحركة النسوية؛ فهو كان التدشين الأول للفكرة التي ستصبح خطة العمل الرئيسة للبحث الأكاديمي النسوي، وكما تؤكد ويندي سيالي هاريسون، فإن: «التفريق بين الجنس/الجندر كان أساسيًا للازدهار الكامل للموجة الثانية من النسوية... وقد تبع ذلك ما يزيد على الثلاثين سنة من البحث النسويّ المثمر بشكل هائل، والذي أثبت أن ما كشفه مصطلح «الجندر» كان مجالا واسقا وخصبًا فكريًا».

تدور الفكرة الرئيسية لمفهوم الجندر حول أن «صفاتنا النفسية والاجتماعية وأدوارنا لا تولد معنا بل نكتسبها من خلال التربية والثقافة المحيطة» وأن «الاختلاف الطبيعي الوحيد بين الذكر والأنثى هو في تلك الوظيفة [الإنجاب]. أما الاختلافات الأخرى من حيث الطباع أو الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها كل من الذكر والأنثى، فهي ليست مرتبطة بالاختلافات البيولوجية أو الفيزيولوجية الموجودة في جسد كل منهما، بل بسبب عوامل اجتماعية صنعها البشر أنفسهم».

فصل الأدوار الاجتماعية

فمفهوم الجندر في أساسه النظري عملية فصل بين الأدوار الاجتماعية والطبيعة البيولوجية، أي «أن دي بوفوار تفصل ما بين الجنس كبيولوجيا وبين الجنوسة [الجندر] باعتبارها تشكلا اجتماعيا ثقافيا». ثم هو ينظر لهذه الأدوار الاجتماعية باعتبارها وسائل يستعملها النظام الذكوري لترسيخ هيمنة الرجال على النساء عبر ربط معنى الأنوثة بالأمومة والحياء والرقة مثلًا وجعلها نتيجة لذلك خاضعة لسلطة المجتمع والأسرة. بينما في الحقيقة -بالنسبة للمتبنين لمفهوم الجندر- لا توجد علاقة بين هذه الصفات النفسية والاجتماعية وجنس الأنوثة.

ومفهوم الجندر بهذا التوصيف هو نظرية اجتماعية. فهو «يشكل عند مستخدميه معيار التفسير لفك شفرة الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية، من خلال فكرة رئيسة: الاختلافات بين النساء والرجال ليست مرتبطة بتغاير طبيعي. ولكنها نتاج بنية ثقافية. والتي نظقت برمتها لترسيخ الهيمنة على جنس من طرف الآخر.. فمفهوم النوع [الاجتماعي أو الجندر] يغطي كذلك رؤية معينة إلى العالم ونظرية. المفهوم نفسه لا ينفصل عن الفرضية التي يرتكز عليها، التي تذعي السمة الثقافية والتي تنبني على الاختلاف بين الرجل والمرأة».

وبما أنه يمثل مفهوما ضمن نظرية اجتماعية فهو بصورة حتمية متحيز وذو اتصال مع أرضية ثقافية وفلسفية ينطلق منها ويفترضها. وفي ذلك يقول الدكتور خالد بن عبد العزيز السيف: «إن أي مصطلح لا يمكن أن يُولد في فراغ. ولذلك فهو ينتمي إلى المنظومة الفكرية والفلسفية التي ولد فيها ومرجعيته هو الحقل والسياق الثقافي والمعرفي الذي عبر عنه إبان تشكله، ويمكن أن يعبر عن السياق الذي تشكل فيه بأنه هو هوية المصطلح. ولذلك فكل بحث في دلالة المصطلح دون اعتبار لهوية المصطلح يعتبر بحثا غير مكتمل الجوانب، فكثير من المصطلحات ليست مفاهيم عالمية كونية متعالية عن الزمان والمكان، وليست متجردة عن الخصوصية التاريخية والحضارية، بل تتحيز هذه المصطلحات إلى هويات راسخة سواء كانت فلسفية أو دينية..»

لكن وكما تذكر الأستاذة ملاك الجهني: «استخدام المفاهيم التحليلية الغربية بطريقة انتقائية بحيث ننتقي منها ما يناسبنا من الدلالات وننفي أخرى لا يفصم المفهوم عن جذوره ولا يفرغه من حمولته الثقافية بحال». لذلك التعامل مع المضامين التي يقدمها مشروع الجندر كحقائق نهائية يتجاهل حقيقة كونها مجرد نظرية اجتماعية. وكما يذكر فرانسوا-كزافييه بيلامي: «المدافعون عن هذا المفهوم الذين يستخدمونه بشكل واسع اليوم ... يرفضون بشدة أن تكون «نظرية» ما مخفية وراء هذا المفهوم. ولكن هذا الرفض ليس له ببساطة أي معنى.. تفسير التاريخ والأدب والحياة الاجتماعية كأماكن للهيمنة الذكورية من خلال إقامة القوالب النمطية حول الجنسين. يمكن أن يكون فرضية للاشتغال؛ ولكن الأمر يتعلق كثيرا بنظرية خاصة. وبهذا الصدد فهي لا تملك دليلا مؤكدًا لا جدال فيه.»

الجندر والموقف الأخلاقي

ومن الجوانب المهم الوعي بها أيضًا -إضافة إلى أن مفهوم الجندر ينطلق من أرضية فلسفية ونظرية اجتماعية محددة- فإن مفهوم الجندر أيضًا لا ينفصل عند أكثر المتبنين له عن الموقف الأخلاقي المصاحب له، فقد تم الربط بين عملية وضع الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء بفكرة هيمنة الرجال على النساء. باعتبار أن الحديث عن وجود تغاير «طبيعي» بين الرجل والمرأة هو ادعاء تم استعماله لمدة طويلة لقمعها والهيمنة عليها وجعل ذلك أمرا طبيعيا وبذلك سيستعمل الجندر لتفكيك هذه «الطبيعية» ولبيان أنها اجتماعية؛ أو على حد وصف كاملا بهاسين: «طرح الاختلاف بين «الجنس» والنوع الاجتماعي «الجندر» لمعالجة التوجهات العامة التي ترجع خضوع المرأة إلى تركيبتها الجسدية. إذ ساد طويلًا الاعتقاد بأن التباين بين خصائص دور المرأة والرجل ومكانة كل منهما في المجتمع تحدد وفقًا للتصنيف البيولوجي للجنس المعين، لذلك اعثتبرت هذه الخصائص طبيعية وغير قابلة للتغيير. بهذا المفهوم: ظل التكوين الجسدي للمرأة، ولا يزال، سببا مباشرا لخضوعها في المجتمع. وفي حالة قبول هذا كوضع طبيعي من البديهي ألا تثار قضية عدم المساواة وعدم العدل في المجتمع». ولذلك يتم النظر إلى الاختلافات في بعض التشريعات الاجتماعية بين الرجال والنساء وردّها إلى اعتبارات تتعلق باختلاف طبائع الرجال والنساء على أنها وسيلة للحفاظ على الهيمنة الذكورية من الرجال على النساء.


المصدر:
مجلة أوج

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الجندرية
اقرأ أيضا
أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأمومة والإنجاب | مرابط
النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأمومة والإنجاب


لقد بلغت الأنانية وعبادة الذات وحب الاستمتاع بالشهوات والتمرد على الطبيعة ورفض المسؤولية والتهرب منها والانحراف عن الفطرة والتفسير السقيم بالحركة الأنثوية الراديكالية إلى درجة رفض الأمومة والإنجاب كخطوة لاحقة لرفض الأسرة والزواج زعيمة الأنثوية الوجودية الفرنسية سيمون دي بوفوار تسمي هذا الواجب بعبودية التناسل وكأن الأولاد للأب فقط ولا علاقة لهم بالأم

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
3419
قصة الحروب الصليبية الجزء الأول | مرابط
تاريخ

قصة الحروب الصليبية الجزء الأول


الحروب الصليبية هي سلسلة الحروب التي شنها المسيحيون الأوربيون على الشرق الأوسط للاستيلاء على بيت المقدس ومنذ أن انتصرت القوات الإسلامية على القوات البيزنطية في معركتي اليرموك وأجنادين في عام 13 هجريا منذ ذلك الوقت والإسلام يهاجم الصليبيين ويفتح أراضيهم وظل الصليبيون يترقبون الفرصة والزمن المناسب للأخذ بالثأر ورد الفعل وهكذا كانت أحسن الفرص للانتهاز في القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي والمقال الذي بين يدينا يقف بنا على أهم مراحل الحروب الصليبية وأبرز أحداثها ونتائجها

بقلم: موقع قصة الإسلام
1612
هل الأجر دائما على قدر المشقة؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

هل الأجر دائما على قدر المشقة؟


ومما ينبغي أن يعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق حتى يكون العمل كلما كان أشق كان أفضل كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء لا ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله. فأي العملين كان أحسن وصاحبه أطوع وأتبع كان أفضل فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل.

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
298
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثالث ج3 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثالث ج3


العلوم الحياتية دائمة التطور فإن بقيت أمة الإسلام سنة أو سنتين أو ثلاثا راكدة والعلم فيها راكدا لا يتحرك اتسعت الفجوة بشكل هائل بينها وبين الأمم فلا بد من حركة سريعة وكما ذكرت بالأمس لا داعي للتسويف فتبدأ من اليوم والأخ الذي أخبرتكم عنه الذي ذهب ليتعلم الإنجليزية في نفس الليلة ذهب للتعلم وهذه أمثلة طيبة جدا

بقلم: د راغب السرجاني
678
لو أطاعوه لدخلوا النار! | مرابط
تعزيز اليقين

لو أطاعوه لدخلوا النار!


بعث النبي ﷺ سرية فاستعمل رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال: أليس أمركم النبي ﷺ أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: فاجمعوا لي حطبا. فجمعوا فقال: أوقدوا نارا. فأوقدوها فقال: ادخلوها. فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون: فررنا إلى النبي ﷺ من النار!.. فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ النبي ﷺ فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف!

بقلم: أحمد يوسف السيد
345
شروط لا إله إلا الله | مرابط
تعزيز اليقين إنفوجرافيك

شروط لا إله إلا الله


روى البخاري عن وهب بن منبه أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله قال: بلى ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح وبين يديكم إنفوجرافيك يوضح لنا شروط لا إله إلا الله والتي هي بمثابة أسنان هذا المفتاح الذي به نرجو أن يفتح الله لنا بابا من أبواب الجنة

بقلم: حافظ بن أحمد الحكمي
1248