قصور العقول عن إدراك مسألة القدر

قصور العقول عن إدراك مسألة القدر | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

229 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

وقصور عقول البشر سبب لإنكار كثير مما لا تدركه من أحكام الله وأٌداره؛ فالله خلق عقل الإنسان، وجعله كالوعاء، يحوي به، وجعل الأوعية مختلفة، لم يجعل للأوعية طاقة باستيعاب كل شيء، فإن منها ما لا يصلح لها، ومنها ما يمكن أن يحتوي منه بقدر، وما زاد فاض.

وأصل الضلال: اغترار الإنسان بعقله، وطلبه أن يحوي كل شيء به، وبعض المعلومات بالنسبة للعقل كالمحيطات بالنسبة للأواني، لو سكبت عليه، طوته وضاع فيها وتحيّر.

ومما يدخل في ذلك: مسألة القدر، وهي مسألة لا يقدر العقل على الإحاطة بها، حتى لو عرضت عليه من أولها إلى آخرها حكمةً وعلةً، حتى يجعل الله له عقلا يختلف عن عقله الذي هو عليه؛ فكما أنه لا يمكنه عد الرمل والنجوم بالحساب، ولا تأمّل شمس الظهيرة بالبصر، ولا تحسس النار بالجسد، وكذلك لا يحيط بمسألة القدر بالعقل والفكر، وقد جاء عن جعفر بن محمد، وأبي حنيفة: أن الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس؛ كلما ازداد نظرا ازداد تحيرًا

ومن دخل فيه ولو أطال التأمل والتفكر، فلن يصل إلى شيء لم يرده الله؛ لأن الله أخفاه، ولا مجال للوصول إلى شيء من ذلك إلا بالقدر الذي يأذن الله فيه؛ وقال تعالى "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" فالواجب معه التسليم والانقياد.

ومن الإيمان بالله وتعظيمه: التسليم لما أخفاه، وعدم البحث عنه؛ فإنه لا يبحث إلا عما يمكن الوقوف عليه، والله أخبر عن عدم إمكان ذلك؛ فالتوقف إيمان وتسليم بخبره، والبحث والتنقيب شك أو تكذيب به

وفي ذلك يقول ابن عمر: شيء أراد الله عز وجل ألا يطلعكم عليه؛ فلا تريدوا من الله ما أبى عليكم

ولذا كان غير واحد من الصحابة والتابعين يسمى القدر "سر الله"، كما روي عن علي بن أبي طالب؛ قال: سر الله فلا تَكَلّفه.. ونحوه جاء عن طاوس ويحيى بن معاذ وروي مرفوعا ولا يصح؛ من حديث ابن عمر وأنس وعائشة وهكذا سماه غير واحد من الأئمة كالآجري، وابن عبد البر وغيرهما.

وكثير ممن يعجز عقله عن تأمل المسائل، ويتحيّر عن فهمها لا يبيئ الظن بعقله، وإنما يتهم المسألة بعدم انضباطها فيجحدها، أو يخرج بنتيجة خاطئة ليخرج من ضعف العقل واتهامه إلى الاغترار به.

وأما أهل الإيمان ورجاحة العقل، فيعرفون نقص العقل وكمال النقل؛ فيتوقفون عند ما ثبت به النص، وعجز عنه العقل، ويسلمون إيمانا بربهم وتسليما له.

والتسليم والتوقف هو أمر الله لعباده في المسائل التي لا يدركونها، ولا يمكنهم الإحاطة بها؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينتهِ) وفي رواية (فليقل: آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه)

وفي الحديث أن رسول الله لم يمنعه من بحث خلق المخلوقات، ولكن منعه من بحث خلق الرب سبحانه؛ وذلك لأن المخلوقات تتشابه، وفالإيمان بخلق شيء يقويه خلق غيره من الكون، فلكل مخلوق مثال يشابهه أو يقارنه

ولكن لما كان الرب هو الخالق؛ ولا خالق سواه، فلا خالق له؛ ولهذا فقد أمره بالاستعاذة من الشيطان، وبالانتهاء عن مجرد التفكير في ذلك؛ لأن غاية العقل والإيمان بالأقيسة العقلية فقط، والله لا مثال له، ولا يشابهه شيء، ولا يتمكن العقل من إيجاد نتيجة متدرجة منتظمة لمن لا مثال له؛ لأن عقله سيتحير، وواجبه التوقف والتسليم والإيمان بالله.


المصدر:
عبد العزيز الطريفي، الخراسانية في شرح عقيدة الرازيين

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#القدر #العقل #النقل
اقرأ أيضا
الدفاع عن السنة الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الدفاع عن السنة الجزء الثاني


النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء بدين الله عز وجل قال له ورقة هذه الكلمة التي تعد من أصدق ما قاله إنسان جاء النبي فخالف كثيرا من أعراف العرب وأهواء الجاهلية ولذلك رموه عن قوس واحدة وجاء يقول لهم: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا فأبت العرب أن تقول هذه الكلمة ورضيت أن تدخل في حروب دمرت اقتصادياتها وقتلت أشراف الناس فيها وسبيت النساء وكان العرب أصحاب غيرة إذا هم فهموا معنى: لا إله إلا الله وما معنى أن يقول الواحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

بقلم: أبو إسحق الحويني
593
محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه


إذا تأملنا في الشبهات المثارة ضد تشريعات الإسلام وأحكامه العملية فإننا نجد أنها تمر -في الغالب- من ثلاثة أبواب: وهي الجهاد والمرأة والحدود وإذا أمعناالنظر في كل باب من هذا الأبواب من جهة مقاصدها التشريعية وتفصيلات الأحكام المتعلقة بها فسنجد فيها من الحكمة والحسن والجمال ما يصح لنا أن نفخر به لا أن نواريه ونخجل منه

بقلم: أحمد يوسف السيد
849
المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج2 | مرابط
تفريغات الديمقراطية

المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج2


تناحر الأحزاب وتشاحنها فإن الديمقراطية تسمح بتكوين أحزاب وهذه الأحزاب تشحذ همم الناس على ترشيحها وقد تصل إلى السلطة وقد لا تصل إليها وهذا يفرق وحدة المسلمين والله عز وجل قد أمر بالوحدة والألفة فقال الله عز وجل وإن هذه أمتكم أمة واحدة المؤمنون 52 وأمر سبحانه وتعالى بالاجتماع على كلمة سواء ونهى عن التفرق والاختلاف فتكوين الأحزاب بهذه الطريقة هو تفريق لوحدة الأمة

بقلم: عبد الرحيم السلمي
669
عبادات ميسورة | مرابط
مقالات

عبادات ميسورة


ومن العبادات الميسورة التي لا يعجز أحد عنها: عبادة جميلة هي زكاة العلم وهو أنك إذا سألك أحدهم عن معلومة قلها كاملة مثلما ساقها لك رب العالمين عن طريق أحدهم... ابعثها لكل الناس أفدهم بها وكذلك عبادة الرضا الرضا بما قسمه الله لك أيا كان لأنه هو الأنسب لك في كل الأحوال

بقلم: محمد لبيب
387
تسويف التوبة | مرابط
اقتباسات وقطوف

تسويف التوبة


وما مثال المسوف إلا مثاله من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا بمشقة شديدة فقال أؤخرها سنة ثم أعود إليها وهو يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها وهو كلما طال عمره ازداد ضعفه فلا حماقة في الدنيا أعظم من حماقته إذ عجز مع قوته عن مقاومة ضعيف فأخذ ينتظر الغلبة عليه إذا ضعف هو في نفسه وقوي الضعيف

بقلم: أبو حامد الغزالي
207
حجاب الغفلة | مرابط
مقالات

حجاب الغفلة


حجاب الغفلة من أعظم جند الشيطان لإغواء بني آدم وما أحوج العبد إلى تمزيق هذا الحجاب بين الفينة والأخرى حتى لا يفجؤه الموت وهو بعيد عن الله حينها تتجلى له الحقيقة. ويعض أصابع الندم على ما قدم وأخر.إن زيارة واحدة للمقبرة ورؤية ذلك اللحد الضيق تكشف لك حقيقة الدنيا وتبين لك عوارها.. أهده نهاية الدنيا التي يتقاتل الناس من أجلها وفعلوا لأجلها الأفاعيل؟

بقلم: د. طلال بن فواز الحسان
235