حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الثاني

حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: د منقذ بن محمود السقار

1534 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

هموم السلف الصالح:

ثم ورث هموم الآخرة الصالحون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويظهر ذلك في أمانيهم وأحلامهم وتتبع أحوالهم، ومن ذلك أن عمر قال لأصحابه يومًا: (تمنوا، فقال رجل منهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا أنفقه في سبيل الله عز وجل، فقال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله عز وجل وأتصدق به،ثم قال: تمنوا، قالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين. قال عمر: لكني أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالًا مثل أبي عبيدة بن الجراح) [صفوة الصفوة1/367].

وعندما يحلمون فإنما يحلمون بهموم الدين، لذا تتوافق أحلامهم، ومن ذلك ما رواه أبو داود بإسناده إلى بعض الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع يعني الشبور، وقال زياد شبور اليهود فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، قال: فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت، فأراني الأذان، قال وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومًا، قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت)). [أبو داود ح498].

وقال عمر رضي الله عنه: (إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة) [رواه البخاري في باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة].
وهم الإسلام والآخرة في صدورهم حتى الرمق الأخير من حياتهم، لما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يأتيني بخبر سعد بن الربيع الأنصاري)) فقال رجل: أنا يا رسول الله فذهب الرجل يطوف بين القتلى فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك فقال له الرجل: بعثني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك قال: (فاذهب إليه فاقرأه مني السلام، وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأني قد أنفذت مقاتلي، وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي) [الموطأ 1013].

وهذا عمر بن عبد العزيز لما مرض جيء له بطبيب فقال: به داء ليس له دواء، غلب الخوف على قلبه. [سير أعلام النبلاء 5/137].
ويقول ابن مهدي عن سفيان الثوري: كنت أرمق سفيان في الليلة بعد الليلة ، ينهض مرعوبًا ينادي : النار النار ، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات.
لما حضرته الوفاة ذهبوا ببوله إلى الطبيب فقال : هذا بول راهب ، هذا رجل قد فتت الحزن كبده ، ما له دواء [سير أعلام النبلاء 7/270، 274].
وهذا الإمام البخاري أرقه العلم وتدوينه فحرمه لذة الرقاد،قال محمد الوراق: كنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارًا ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلِّم عليها. [سير أعلام النبلاء 12/404].

 

فضل الاهتمام لشئون الآخرة:

عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)) [البخاري ح5642، مسلم ح2573].

وعن عائشة قالت سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان عليه دين همه قضاؤه أو هم بقضائه لم يزل معه من الله حارس)) [أحمد ح25655].
أما الذين لا يهتمون إلا بدنياهم التي شغلت عليهم جل حياتهم فهؤلاء في إيمانهم دخن وفيهم من صفات المنافقين كما ذكر أبو طلحة، فعن أنس أن أبا طلحة قال ذاكرًا حال المنافقين في غزوة أحد: (والطائفة الأخرى: المنافقون ليس لهم همّ إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [الترمذي ح3008]. وهو قول الله: {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} [آل عمران:154].

 

ما يذهب الهموم ويعين عليها:

1- دعاء الله عز وجل:
عن أبي سعيد الخدري قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: ((يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني)) [أبو داود ح1555].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها)) [أحمد ح3704].
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: ((سبحان الله العظيم وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم)) [رواه الترمذي ح3436، وقال: هذا حديث غريب].

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش)) [البخاري ح6345].

عن ابن عمر قال: فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه ((اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)) [رواه الترمذي ح3502، وقال هذا حديث حسن غريب].


2- الاستغفار:
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب)) [أبو داود ح1518، ابن ماجه ح3819، أحمد ح2234].

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم - سبع مرات - كفاه الله ما أهمه صادقًا كان بها أو كاذبًا) [أبو داود ح5081].


3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: ((يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك)) [رواه الترمذي ح2457، وقال: هذا حديث حسن].


4- الصلاة:
وعن حذيفة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى) [أبو داود ح1319]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)) [أبو داود ح4985].

 


 

المصدر:

http://saaid.net/Doat/mongiz/6.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#منقذ-السقار #الدنيا-والآخرة
اقرأ أيضا
رسالة إلى كل مبتلى ومصاب ومهموم | مرابط
مقالات

رسالة إلى كل مبتلى ومصاب ومهموم


هذه رسالة جامعة من الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم يوجهها إلى كل مسلم مبتلى أو مهموم أو سقط في دوامات الحزن ولم يقدر على الخروج منها هنا تجد معالم الطريق وتتنبه إلى معاني الابتلاء وطبيعة الحياة الدنيا وتجد تعزية وتسلية على حالك وإعانة لك على الخروج

بقلم: عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
2042
لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الأول


يتصور البعض أن وجود الشرور في العالم وانتشار بعض صور الخراب والدمار تعني بصورة ما أنه ليس هناك إلها خالقا مدبرا حكيما لهذا الكون وإلا لما كان يوجد هذا الشر المستطير وعلى النقيض يؤمنون أن وجود الخالق مرهون بانتفاء الشر من العالم وهذه شبهة قديمة يرد عليها الدكتور سامي عامري في هذا المقال ويوضح الخطأ فيها

بقلم: د سامي عامري
2064
النساء وهوس العمل | مرابط
المرأة

النساء وهوس العمل


قضية صلاح المرأة ترتبط بداية بعقيدتها ودينها وخلقها فمن كانت تنشد القرار في البيت الأصل مساعدتها لا إعلان الحرب عليها ونبذها ومهاجمتها كأنها الفاسدة. ويعلم الله أن هناك أخوات مسلمات يعانين الأمرين من أب وزوج لا يصلي ومع ذلك لا نسمع صوتا يوجه لهؤلاء! وكم من امرأة صلحت على يد رجل!

بقلم: د. ليلى حمدان
1140
الحرية بين الحقيقة والوهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحرية بين الحقيقة والوهم


الحرية هي المعنى الذي يسعى إليه جميع الناس ويريد كل واحد أن يعيشه ويلتذ به ولكن ما هو الطريق المسلوك للوصول إليها هنا نقف أمام مفترق طرق بين الرجل الصادق الذي يدعو إليها وإلى وسائلها وبين الرجل الدجال الذي يخدع الناس ويرشدهم إلى مواطن الخلل التي لا تفضي إلى شيء

بقلم: محمود شاكر
1530
ظهور اليهود المسلمين | مرابط
فكر تفريغات

ظهور اليهود المسلمين


مقطع من محاضرة قديمة للدكتور عبد الوهاب المسيري كان يتحدث فيها عن العدو الصهيوني ووقف على ظاهرة وجود المسلمين اليهود بيننا حتى لو كانوا يصلون ويتمسكون بالظاهر الخاص بالمسلمين ولكن كل هذه ادعاءات فارغة من يحاول النظر إلى بنيتهم الداخلية سيجد أنه أمام صهيوني أو يهودي من الطراز الأول كما يحدثنا عن الدعاية الإسرائيلية وآثارها في بث الرعب في قلوبنا

بقلم: عبد الوهاب المسيري
1222
مصادر التنظير في التاريخ الإسلامي ج2 | مرابط
مقالات أبحاث

مصادر التنظير في التاريخ الإسلامي ج2


وكثير من المصادر الغربية يغلب عليها الطابع الحداثي في قراءة الأحداث التاريخية أو تحليلها ذلك أنها اعتبرت الشريعة مثل القانون والأمر ليس كذلك نشأت وتطورت تبعا لنمو المجتمع وتطوره فأخضعت كل مجريات تاريخ التشريع الإسلامي لهذا المبدأ! في حين أن الشريعة سابقة على وجود الدولة لا مسبوقة بها حاكمة للمجتمع لا محكومة به والذي يتطور إنما هو وعي الناس بها.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
321