خطر البدعة وأهلها

خطر البدعة وأهلها | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

777 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

خذ على الجانب الآخر المبتدع حديث ذي الخويصرة لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعدل فإنك لم تعدل!! فقال: (ويحك! ومن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا، فقال رجلٌ: ألا أقتله يا رسول الله؟ قال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) هؤلاء هم المبتدعة، وهذا جد الخوارج الذين كفروا الصحابة وخرجوا عليهم، فانظر كيف قال فيهم: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) أي: لأشرعن في قتلهم قتلًا ذريعًا كما قتل الله قوم عاد، وهذه مبالغة في تقتيلهم، ومعلوم أن دم المسلم معصوم لا يهدر إلا من الدين، فما الذي أهدر دم هذا الرجل؟ إنها البدعة.

انظركيف تكلم عن أهل المعاصي وأثبت ما أثبت في الله ورسوله مع وجود المعصية، وانظر كيف قال في أهل البدع.

 

الترهيب من البدعة

ثم أصحاب البدع يحملون أوزارهم وأوزار الذين أضلوهم، كما قال تبارك وتعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل:25] إن المبتدعة ليس عندهم علم ولا برهان، وإنما هو استحسان، شيءٌ ظنه قربة إلى الله عز وجل؛ لذلك نخرج من هذا بالقاعدة المعروفة عند أهل السنة: إن الزيادة في الخير ليست خيرًا إلا أن تكون مشروعة، وعلى هذا يخرّج كلام الإمام القرطبي عندما استنبط من قوله تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27] فقال: ذم الله الذين ابتدعوا الرهبانية؛ لأنهم ما استمروا عليها، فلو أنهم استمروا عليها ما ذمهم، ورددنا على هذا المعنى، لكن قال القرطبي : إن الذي ينوي خيرًا لا بد أن يتمه.

نقول: إن الذي نوى خيرًا بشرط أن يكون مشروعًا دون اللغو فيه، لأننا نقول في بدء كل خطبة: خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، إن المبتدع نصب نفسه ندًا للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يقول بلسان الحال أو بلسان المقال: إن الشريعة ما تمت، لذلك ينبغي أن نضيف شيئًا لتتميمها، وكفى به خسرانًا مبينًا أن ينصب نفسه ندًا للرسول عليه الصلاة والسلام!

ثم إن المبتدع لا تقبل توبته حتى يدع بدعته: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله احتجر -وفي رواية-: احتجز التوبة عن صاحب كل بدعةٍ حتى يدع بدعته) رواه الإمام الترمذي وحسنه.

ولو لم يكن في الترهيب من البدعة غير هذا الحديث لكان كافيًا؛ لأنه يعبد الله عز وجل من تلقاء نفسه بغير برهان، فكأنما لم يعبد الله بشيء.

وأضف إلى ذلك أن صاحب البدعة محرومٌ من شربة الحوض، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليردن أقوامٌ على حوضي أذودهم عنه). أي: أدفعهم، وفي رواية: (ليذادن أقوامٌ عن حوضي فأقول: رب! أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقا)، أي: بعدًا لكم.

 

احتجاج الرافضة

وهذا الحديث: احتج به الرافضة -وهم الشيعة الموجودون في إيران وغيرهم- على فسق جميع الصحابة واستثنوا علي، والمقداد، وحذيفة، وعمارًا، وسلمان، فهل المقصود بهؤلاء: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟

هناك جوابان لأهل العلم:

الجواب الأول: أن المقصود بقوله: (أصحابي) هنا، هم أهل الردة الذين منعوا الزكاة وحاربهم الصحابة.

وهناك جوابٌ آخر أقوى: وهو أن لفظ (الصاحب) لا يشترط فيها المصاحبة الفعلية الحسية، بل تشمل المصاحبة ولو باتفاق المذهب مع اختلاف الزمان، ألا ترى أن أي شافعي الآن، أو حنبلي يقول: وهذا قول أصحابنا، مثلًا: كـأبي يعلى ، وابن الجوزي ، وابن عقيل ، والمروذي ، ولا يزال أصحاب المذاهب يقولون: وهذا قول أصحابنا أمثال فلان وفلان، وبينه وبين الذي سماه مئات السنين، صار صاحبًا له في الطريقة، وإن لم يصطحبا حقيقةً، فقوله عليه الصلاة والسلام: (أصحابي أصحابي) أي: الذين آمنوا به واعتنقوا دين الإسلام، وإن تباعد بهم الزمان، وإنما أقول هذا التوضيح حتى لا يلتبس في ذهن أحدٍ.

والحديث الصحيح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وددنا لو أنا رأينا إخواننا، فقالوا: يا رسول الله! أولسنا إخوانك؟ قال: لا. أنتم أصحابي، وإخواني أقوامٌ يأتون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني) فمن الممكن أن يقول بعض الناس: هؤلاء هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ونفى أن نكون أصحابه نحن معاشر المتأخرين، بل نحن إخوانه، فيقول: إذًا قوله: (أصحابي أصحابي) يدل على الصحابة.

نقول: لا. إن لفظ (الصاحب) يطلق على المعاشرة الحقيقية، وعلى الموافقة في المذهب، وإن لم تكن هناك معية ذاتية؛ لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (أصحابي أصحابي) أي: الذين اعتنقوا دين الإسلام بعد الرسول عليه الصلاة والسلام.

فصاحب البدعة محروم من شربة الحوض؛ ثم إن صاحب البدعة ملعون لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث فيها - أي: في المدينة- أو آوى مُحْدِثًا -والـمُحدث: المبتدع- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

ثم إن صاحب البدعة مردود الشهادة باتفاق العلماء؛ لأنه مخروم العدالة، فأي شيء بقي للمبتدع؟! ما بقي له دينٌ ولا دنيا؛ لذلك ينبغي للمسلم إذا أراد أن يتقرب إلى الله عز وجل أن يسأل أهل العلم، هل الذي سأفعله قربة إلى الله تبارك وتعالى أم لا؟!

ربما يسأل سائل فيقول: إن العوام يسألون من ليسوا من أهل العلم؛ فيحسنون لهم البدع، أعليهم وزرٌ في ذلك؟ لأن غالب القرى والأرياف المسيطرا عليها قديمًا ولا زال فيها فلول الصوفية، فيحسنون لهم البدعة؛ فهل هؤلاء العوام عليهم وزرٌ في ارتكابهم لهذه البدع؟

نقول: إن الرجل إذا ظن في رجلٍ أنه من أهل العلم وهو جاهلٌ بسمت العالم، لكن بذل وسعه في البحث عمن يظن أنه من أهل العلم، فوافق ظنه مبتدعًا من المبتدعة فأفتاه بتحصيل بدعة ما، فعبد الله بها أنه مأجورٌ على ذلك.

وأنا ذكرت قيدًا مهمًا في الكلام وهو: أن يكون ليس له هوى، وبذل الوسع في السؤال عمن يظن أنه من أهل العلم، وبهذا فعل الذي عليه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فأهل الذكر عنده فلانٌ وفلان، وقد يصادف أنهم من المبتدعة، فلا لوم عليه إذا فعل الذي أمر به في حدود إمكانياته.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة #الحويني
اقرأ أيضا
نابليون والمهمة الحضارية: سأستعمر مصر الجزء الأول | مرابط
تاريخ مقالات

نابليون والمهمة الحضارية: سأستعمر مصر الجزء الأول


الحملة الفرنسية التي حملت الكثير من التناقضات وكشفت الوجه الحقيقي والقبيح لفرنسا كحركة استعمارية تقوم على السلب والنهب والعداء الصريح للإسلام رغم ذلك أحاطها المؤرخون وغلفها الكتاب بكتلة من مساحيق التجميل حتى تبدو خلاف ما هي عليه وكما يقول المؤلف: رغم كل البيانات والمنشورات والتحليلات التي صاحبت وأعقبت الحملة الفرنسية إلى يومنا هذا فإن نابليون كان صريحا وواضحا في تحديد مهمته في مصر عندما قال: سأستعمر مصر

بقلم: محمد جلال كشك
2120
وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار | مرابط
تاريخ تفريغات المرأة

وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار


حظر اللباس الموريسكي الموريسكيون هم المسلمين الذين دخلوا في المسيحية حظر اللباس الموريسكي على الرجال والنساء وإلزام النساء بالإضافة إلى ذلك بكشف الوجه -لأنهن كن قد غطين الوجوه- في الزفاف وفي كل أنواع الاحتفالات تمنع رقصة السمرة وإقامة الليالي أي: تقوم الليالي بمصاحبة الآلات الغنائية ويجب أن تضل أبواب البيوت مفتوحة وتمنع النساء من التخضيب بالحناء ويحظر استعمال الأسماء والألقاب الإسلامية

بقلم: عبد العزيز الطريفي
382
لمن أكتب | مرابط
مقالات

لمن أكتب


لمن أكتب لم أحاول قط أن أعرف لمن أكتب ولم أكتب ولكني أحس الآن من سر قلبي أني إنما كنت أكتب ولا أزال أكتب لإنسان من الناس لا أدري من هو ولا أين هو: أهو حي فيسمعني أم جنين لم يولد بعد سوف يقدر له أن يقرأني ولست على يقين من شيء إلا أن الذي أدعو إليه سوف يتحقق يوما على يد من يحسن توجيه هذه الأمم العربية والإسلامية إلى الغاية التي خلقت لها وهي إنشاء حضارة جديدة في هذا العالم تطمس هذه الحضارة التي فارت بالأحقاد والأضغان والمظالم ولم يتورع أهلها عن الجور والبغي في كل شيء حتى في أنبل الأشياء وهو ال...

بقلم: محمود شاكر
733
من الأمور التي أحبها الله لنا | مرابط
تفريغات

من الأمور التي أحبها الله لنا


فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى الله لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تنصحوا لولاة أموركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال

بقلم: عمر الأشقر
1303
منشأ الخذلان عدم سؤال الهداية | مرابط
مقالات

منشأ الخذلان عدم سؤال الهداية


من جميل إشارات ابن تيمية قوله: كثير من خطأ بني آدم من تفريطهم في طلب الحق لا من العجز التام جامع الرسائل 2411 ومن أنواع هذا التفريط عدم سؤال الله الهداية بصدق ﻷن من سأل الله الهداية صادقا هاه وإذا فرط العبد في سؤال الله الهداية خذل وأسلمه الله إلى هواه.

بقلم: د. طلال الحسان
337
بيان سنن الله في الكون | مرابط
تاريخ تفريغات

بيان سنن الله في الكون


هذا البيان الذي جاء من عند الله تعالى ببيان سننه وببيان المعادلة الواضحة بين الحق والباطل وبيان الفرق الشاسع بين أهل الجنة وأهل النار بيان أي: إيضاح يحتاج الناس إليه فهو علم من علم الله تعالى وهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك هذا بيان للناس.

بقلم: محمد الحسن الددو الشنقيطي
363