خطر البدعة وأهلها

خطر البدعة وأهلها | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

665 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

خذ على الجانب الآخر المبتدع حديث ذي الخويصرة لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعدل فإنك لم تعدل!! فقال: (ويحك! ومن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا، فقال رجلٌ: ألا أقتله يا رسول الله؟ قال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) هؤلاء هم المبتدعة، وهذا جد الخوارج الذين كفروا الصحابة وخرجوا عليهم، فانظر كيف قال فيهم: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) أي: لأشرعن في قتلهم قتلًا ذريعًا كما قتل الله قوم عاد، وهذه مبالغة في تقتيلهم، ومعلوم أن دم المسلم معصوم لا يهدر إلا من الدين، فما الذي أهدر دم هذا الرجل؟ إنها البدعة.

انظركيف تكلم عن أهل المعاصي وأثبت ما أثبت في الله ورسوله مع وجود المعصية، وانظر كيف قال في أهل البدع.

 

الترهيب من البدعة

ثم أصحاب البدع يحملون أوزارهم وأوزار الذين أضلوهم، كما قال تبارك وتعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل:25] إن المبتدعة ليس عندهم علم ولا برهان، وإنما هو استحسان، شيءٌ ظنه قربة إلى الله عز وجل؛ لذلك نخرج من هذا بالقاعدة المعروفة عند أهل السنة: إن الزيادة في الخير ليست خيرًا إلا أن تكون مشروعة، وعلى هذا يخرّج كلام الإمام القرطبي عندما استنبط من قوله تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27] فقال: ذم الله الذين ابتدعوا الرهبانية؛ لأنهم ما استمروا عليها، فلو أنهم استمروا عليها ما ذمهم، ورددنا على هذا المعنى، لكن قال القرطبي : إن الذي ينوي خيرًا لا بد أن يتمه.

نقول: إن الذي نوى خيرًا بشرط أن يكون مشروعًا دون اللغو فيه، لأننا نقول في بدء كل خطبة: خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، إن المبتدع نصب نفسه ندًا للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يقول بلسان الحال أو بلسان المقال: إن الشريعة ما تمت، لذلك ينبغي أن نضيف شيئًا لتتميمها، وكفى به خسرانًا مبينًا أن ينصب نفسه ندًا للرسول عليه الصلاة والسلام!

ثم إن المبتدع لا تقبل توبته حتى يدع بدعته: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله احتجر -وفي رواية-: احتجز التوبة عن صاحب كل بدعةٍ حتى يدع بدعته) رواه الإمام الترمذي وحسنه.

ولو لم يكن في الترهيب من البدعة غير هذا الحديث لكان كافيًا؛ لأنه يعبد الله عز وجل من تلقاء نفسه بغير برهان، فكأنما لم يعبد الله بشيء.

وأضف إلى ذلك أن صاحب البدعة محرومٌ من شربة الحوض، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليردن أقوامٌ على حوضي أذودهم عنه). أي: أدفعهم، وفي رواية: (ليذادن أقوامٌ عن حوضي فأقول: رب! أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقا)، أي: بعدًا لكم.

 

احتجاج الرافضة

وهذا الحديث: احتج به الرافضة -وهم الشيعة الموجودون في إيران وغيرهم- على فسق جميع الصحابة واستثنوا علي، والمقداد، وحذيفة، وعمارًا، وسلمان، فهل المقصود بهؤلاء: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟

هناك جوابان لأهل العلم:

الجواب الأول: أن المقصود بقوله: (أصحابي) هنا، هم أهل الردة الذين منعوا الزكاة وحاربهم الصحابة.

وهناك جوابٌ آخر أقوى: وهو أن لفظ (الصاحب) لا يشترط فيها المصاحبة الفعلية الحسية، بل تشمل المصاحبة ولو باتفاق المذهب مع اختلاف الزمان، ألا ترى أن أي شافعي الآن، أو حنبلي يقول: وهذا قول أصحابنا، مثلًا: كـأبي يعلى ، وابن الجوزي ، وابن عقيل ، والمروذي ، ولا يزال أصحاب المذاهب يقولون: وهذا قول أصحابنا أمثال فلان وفلان، وبينه وبين الذي سماه مئات السنين، صار صاحبًا له في الطريقة، وإن لم يصطحبا حقيقةً، فقوله عليه الصلاة والسلام: (أصحابي أصحابي) أي: الذين آمنوا به واعتنقوا دين الإسلام، وإن تباعد بهم الزمان، وإنما أقول هذا التوضيح حتى لا يلتبس في ذهن أحدٍ.

والحديث الصحيح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وددنا لو أنا رأينا إخواننا، فقالوا: يا رسول الله! أولسنا إخوانك؟ قال: لا. أنتم أصحابي، وإخواني أقوامٌ يأتون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني) فمن الممكن أن يقول بعض الناس: هؤلاء هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ونفى أن نكون أصحابه نحن معاشر المتأخرين، بل نحن إخوانه، فيقول: إذًا قوله: (أصحابي أصحابي) يدل على الصحابة.

نقول: لا. إن لفظ (الصاحب) يطلق على المعاشرة الحقيقية، وعلى الموافقة في المذهب، وإن لم تكن هناك معية ذاتية؛ لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (أصحابي أصحابي) أي: الذين اعتنقوا دين الإسلام بعد الرسول عليه الصلاة والسلام.

فصاحب البدعة محروم من شربة الحوض؛ ثم إن صاحب البدعة ملعون لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث فيها - أي: في المدينة- أو آوى مُحْدِثًا -والـمُحدث: المبتدع- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

ثم إن صاحب البدعة مردود الشهادة باتفاق العلماء؛ لأنه مخروم العدالة، فأي شيء بقي للمبتدع؟! ما بقي له دينٌ ولا دنيا؛ لذلك ينبغي للمسلم إذا أراد أن يتقرب إلى الله عز وجل أن يسأل أهل العلم، هل الذي سأفعله قربة إلى الله تبارك وتعالى أم لا؟!

ربما يسأل سائل فيقول: إن العوام يسألون من ليسوا من أهل العلم؛ فيحسنون لهم البدع، أعليهم وزرٌ في ذلك؟ لأن غالب القرى والأرياف المسيطرا عليها قديمًا ولا زال فيها فلول الصوفية، فيحسنون لهم البدعة؛ فهل هؤلاء العوام عليهم وزرٌ في ارتكابهم لهذه البدع؟

نقول: إن الرجل إذا ظن في رجلٍ أنه من أهل العلم وهو جاهلٌ بسمت العالم، لكن بذل وسعه في البحث عمن يظن أنه من أهل العلم، فوافق ظنه مبتدعًا من المبتدعة فأفتاه بتحصيل بدعة ما، فعبد الله بها أنه مأجورٌ على ذلك.

وأنا ذكرت قيدًا مهمًا في الكلام وهو: أن يكون ليس له هوى، وبذل الوسع في السؤال عمن يظن أنه من أهل العلم، وبهذا فعل الذي عليه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فأهل الذكر عنده فلانٌ وفلان، وقد يصادف أنهم من المبتدعة، فلا لوم عليه إذا فعل الذي أمر به في حدود إمكانياته.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة #الحويني
اقرأ أيضا
الزيادة على القروض | مرابط
مقالات

الزيادة على القروض


كل زيادة على قرض فهي ربا حتى لو كانت هدية وقد بينا أن الهدية من الربا لما فيه من نفع للمقرض وكذا لما فيه من تودد لا ينبغي لأن القرض الغرض منه الإحسان فمن كان لا يهدي له صحابه قبل القرض ثم صار يهدي له فهذا ظاهر فيما ذكرنا.

بقلم: قاسم اكحيلات
394
الأعياد من جملة الشرع | مرابط
اقتباسات وقطوف

الأعياد من جملة الشرع


إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه : لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه الحج67 كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
476
أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام | مرابط
فكر مقالات

أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام


جاء الإسلام أول ما جاء بإصلاح الأسرة وبنائها على الحب والبر والطاعة: الحب المتبادل بين أفراد الأسرة والبر من الأبناء للآباء والطاعة في المعروف من الزوجة للزوج وحاط ذلك كله بأحكام واجبة وتربية تكفل تلك الأحكام وتجعل تنفيذها صادرا من نفس الإنسان والرقابة عليها من ضميره فلا تحتاج إلى وازع خارجي وجعل تقوى الله والخوف منه حارسين على النفس والضمير فكلما هم الإنسان بالزيغ تنبهاه إلى لزوم الجادة

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
903
حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج3 | مرابط
تفريغات

حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج3


صرح قطز لأمرائه أنه ما طلب الملك إلا لحرب التتار فبدأ الأمراء المماليك يترددون فقد وصلت أنباء التتار المخيفة عن حرب التتار لكن قطز رحمه الله بدأ يضرب لهم مثلا رائعا في فهمه للإسلام ويعطي لهم قدوة راقية في الجهاد لقد أعلن قطز لهم أنه سيذهب بنفسه لحرب التتار ويكون مع جنوده في قلب المعركة ولن يرسل جيشا ويبقى هو في عرينه بمصر بل سيذوق مع شعبه ما يذوقون ويتحمل ما يتحملون ولو أرسل قطز جيشا وبقي هو في القاهرة ما لامه أحد ولكنه لم ير هناك وسيلة أفضل من ذلك لتحميس القلوب الخائفة وتثبيت الأفئدة المضط...

بقلم: د راغب السرجاني
571
هل اتجه عمر رضي الله عنه إلى تقليل رواية الحديث | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل اتجه عمر رضي الله عنه إلى تقليل رواية الحديث


يناقش الكاتب محمد أبو شهبة بعض الشبهات المثارة حول السنة النبوية قديما وحديثا والتي روج بعضها المستشرقون وتلقفها بعدهم أحفادهم من منكري السنة والعلمانيين وأعداء الملة والدين وفي هذا المقال يناقش دعوى أن سيدنا عمر رضي الله عنه اتجه إلى تقليل رواية الأحاديث والاكتفاء بالقرآن الكريم فقط

بقلم: محمد أبو شهبة
3002
الرسالة القرآنية | مرابط

الرسالة القرآنية


ثم تأتي الرسالة من رب الكون إلى هذا الإنسان .. وكان أولى به أن ينظر -أول ما ينظر- إلى مرسلها ويسأل -أول ما يسأل- عن مصدرها حتى يتحقق منه يقينا. ذلك أن الإنسان عندما يتوصل عادة بأي رسالة أرضية بشرية فإنه ينظر بادئ النظر إلى اسم المرسل من هو؟ حتى إذا استقر في ذهنه اسمه قرأ الرسالة حينئذ لأنه على قدر المرسل عند المرسل إليه تكون قيمة الرسالة

بقلم: فريد الأنصاري
189