من الأمور التي أحبها الله لنا

من الأمور التي أحبها الله لنا | مرابط

الكاتب: عمر الأشقر

1147 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا، يرضى الله لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تنصحوا لولاة أموركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).

معلوم: أن الله تبارك وتعالى لا يرضى لعباده إلا ما يصلحهم، ولا يكره لهم إلا ما يفسدهم، فكل ما رضيه الله تبارك وتعالى لنا ففيه الخير والصلاح والبركة؛ لأن الله تبارك وتعالى رحيم بعباده، لا يرضى لهم إلا ما فيه الخير والصلاح، قال تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7]، فالله تبارك وتعالى رضي لنا الإيمان والشكر وكره لنا الكفر، وفي ذلك خيرنا وسعادتنا.

 

رضي الله لنا ثلاثة أمور عظيمة

يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن ربنا رضي لنا ثلاثة أمور عظيمة:

الأول: (أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا) وهو التوحيد والإخلاص.

الثاني: (أن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا) وحدة الأمة بالاستمساك بكتابها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وفي مقابل الاعتصام بالكتاب والسنة: الفرقة والخلاف، فالله تبارك وتعالى يحب من أمة الإسلام أن تكون أمة واحدة مجتمعة على كتاب ربها، وسنة رسولها صلى الله عليه وسلم.

الثالث: (وأن تنصحوا لولاة أموركم) وكذا لخليفة المسلمين وإمامهم، وكذا حكام الدولة الإسلامية يناصحوا بأن يستقيموا على منهج الله، وأن يحكموا شريعته، فإذا ما شذ شاذ نبهه منبه، ونصحه ناصح، ووعظه واعظ.

 

الأمور التي كرهها الله لنا

(وكره لنا ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).

هذه التي يكرهها الله تبارك وتعالى هي أمراض تضيع وقت الناس في أمور لا تغني، قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، فأما أن يكثر الإنسان من الأسئلة في الأمور التي لا تنفع فهو كما حدث من بني إسرائيل، قال تعالى: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [البقرة:108]، وكذلك إنفاق المال فيما لا يحل، أو تبذيرًا وإسرافًا، فتضيع ثروة الأمة، وتكون الأمة ذليلة بعد أن كانت عزيزة.

وأما قيل وقال، فإضاعتها للأوقات أمر ظاهر، بل قد تكون طريقًا للحرام.

 

لب الدين وأساسه

فالقضايا الثلاث التي رضيها الله تبارك وتعالى تمثل في منهج الإسلام أصولًا يقوم عليها المجتمع الإسلامي، ووحدة المسلمين، وذلك عند وحدة المقصد والعقيدة، بأن يعبدوا ربًا واحدًا، وأن يخلصوا دينهم له تبارك وتعالى، وهذه كما ألمحت في أكثر من خطبة هي القضية الأساسية، لا في هذا الدين الذي أنزل إلينا، بل عند جميع الرسل الذين بعثهم الله تبارك وتعالى.

فالله تبارك وتعالى يريد من عباده أن يحققوا الهدف الذي خلقوا من أجله، والله تبارك وتعالى خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، ثم بين لنا كيف نعبده، فأرسل لنا رسلًا، وأنزل علينا كتبًا، فضل الناس عن هذه الحقيقة والقضية الكبرى، فعبدوا عبر التاريخ الأصنام والأوثان، وعبدوا الشمس، والقمر، والنجوم والجبال، والأشجار، والأحجار، والرجال والنساء، وما تركوا شيئًا إلا عبدوه، ولا تزال المسيرة إلى الآن، فملايين من البشر يعبدون غير الله تبارك وتعالى، بل أكثر الناس -كما أخبر الله تبارك وتعالى- ليسوا بمؤمنين، وإن زعموا أنهم مؤمنون، فتُعبد من دون الله آلهة شتى، ولا يزال بوذا يعبده مئات الملايين، والشيوعيون وإن زعموا أنهم لا يؤمنون بإله، ولكن واقع الأمر أنهم يعبدون مؤسس المذهب، فيطيعونه، ويحنون رءوسهم عندما يمرون أمام جثته في الميدان الأحمر في موسكو وهذه من صور العبادة.

والنصارى -وهم مئات الملايين- يعبدون عيسى من دون الله، وهو الذي جاء ليقول للناس: أنا عبد الله، أنا نبي الله، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، ومن المسلمين من سار نفس المسيرة، وهو يزعم أنه يشهد أن لا إله إلا الله، ولكنه يعبد القبور والأولياء والصالحين، ويدعو من دون الله رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ويدعو من دون الله عليًا والحسن والحسين، فأقوام ممن يدعون الإسلام يفعلون ذلك، وما أولئك بالمؤمنين.

إن القضية الكبرى أن نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لنا أن نعبده ولا نشرك به شيئًا)، وقال الله تبارك وتعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، وهذا ميثاق أخذه الله تبارك وتعالى على بني إسرائيل، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83]، وكل رسول يبعث كان يقول للناس: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].

فالقضية مهمة، وهي: أن يكون دينك لله تبارك وتعالى، وأن تقصده عز وجل بإرادتك وحبك ورجائك وخوفك، ورغبتك، ورهبتك، وأن تصلي له تبارك وتعالى لا لغيره، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فتستعين بالله، وإذا دعوت فيكون دعاؤك وطلبك من الله تبارك وتعالى، ولا تدع معه أحدًا، قال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18].

فالتوحيد لب الدين وأساسه، والذي لا يحققه فليس له من الإسلام نصيب، وليس من أهل الجنة، فلا يجوز النار ويدخل الجنة إلا موحد، قد أخلص دينه لله، ووحده تبارك وتعالى.

 

الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق

القضية الثانية: أن نعتصم بحبل الله، كما أمر الله تبارك وتعالى قوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103].
فقوله:  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ  حبل الله: هو كتابه، وطرفه في أيدينا والطرف الآخر عند الله تبارك وتعالى، فمن استمسك به نجا، ونال رضوان الله تبارك وتعالى.

وكتاب الله تبارك وتعالى عقيدة المسلمين، وشريعتهم المسلمين، فيه أخلاقهم وصفاتهم وعلاماتهم!

كتاب الله تبارك وتعالى يمثل المنهج الذي رضيه الله تبارك وتعالى للمسلمين ولهذه الأمة، فيصبحوا بكتاب الله ربانيين، وعلماء، وموحدين، وإذا استمسكوا به اجتمعت كلمتهم، وتوحدت صفوفهم، واتحدت عقيدتهم، وتوحدت تصوراتهم وأعمالهم وقبلتهم، فهو يوجههم إلى رب واحد، ورسول واحد ودين واحد، ومنهج واحد.

وقد ذم الله تبارك وتعالى اليهود لتفرقهم، بعد أن أنزل إليهم كتابهم التوراة، فقال تعالى: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:4]، جاءتهم البينة من عند الله في كتابه، ثم اختلفوا، والنصارى جاءهم الإنجيل يقرر التوحيد والحق، ويشرع لهم ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم فاختلفوا فيه، وجعلوا عيسى إلهًا من دون الله فتفرقوا.

وهذه الأمة بيوت الله مليئة بكتابه، والإذاعات تتلوه ليل نهار، وعلماء المسلمين يعظون به، والأمة ممزقة مختلفة: فئة تنادي بالبعثية، وفئة تنادي بالوطنية، وفئة تنادي بالديمقراطية، وفئة تنادي بالشيوعية، ويقولون: نحن مسلمون، وأين كتاب الله؟ دينه وشرعه؟ وأين تحكيم هذا الدين في رقاب العباد ونفوسهم، ومجتمعات المسلمين؟

أين الاعتصام بكتاب الله، امتثالًا لقوله سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]؟! فيرضى لنا ربنا أن نعتصم بحبله ولا نتفرق، ولا يرضى تبارك وتعالى لنا أن نتفرق ونختلف، ونضع كتاب الله تبارك وتعالى وراء ظهورنا، إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه يشكو في يوم القيامة أمته إلى ربه كما قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، فكأنه يقول: إن قومي هجروا كتابك الذي أنزلته ليكون لهم نورًا وضياءً وحياةً، هجروه واستبدلوا به تعاليم فلان وفلان، ونظرية فلان في الاقتصاد، ونظرية فلان في التربية، ومبدأ فلان في المناهج والعقائد، وتفرقوا شذر مذر، كما هو واقع في أمتنا في هذه الأيام.

 

مناصحة ولاة الأمور

القضية الثالثة التي يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله رضيها لنا: أن نناصح ولاة أمور المسلمين، كخليفة المسلمين وإمامهم، وحكامهم، فنقول لهم إذا ضلوا: لقد ضللتم، وإذا أخطئوا: لقد أخطأتم، وإذا انحرفوا: لقد انحرفتم، استقيموا على كتاب الله، وحدوا صفوفكم وكلمتكم، وتحاكموا إلى شريعة الله، وإلى دينه فبذلك يثبت ملككم، وحكمكم، وبذلك ترضون عنكم ربكم، وإلا فإنكم إلى زوال، فقد زال من قبلكم من ملوك وحكام، كانوا يملئون الدنيا ضجيجًا وإزعاجًا، فزالوا وزالت آثارهم، وبقيت عليهم آثامهم.
ولقد كان علماء المسلمين وفقهاؤهم ووعاظهم ينصحون للأمة عبر التاريخ، وينصحون لحكام المسلمين؛ فاستقامت الأمة دهرًا طويلًا وثبتت، على الرغم من الصعاب والمصائب، والأعاصير التي هبت عليها.

فهذه ثلاث قضايا تصب في: وحدة العقيدة، ووحدة الهدف -بالاعتصام بكتاب الله- ووحدة التشريع، ووحدة الأمة، ثم وحدة قيادة المسلمين، ووحدة القيادة تكون بمنهج الله، وبدينه، فالتوحيد والاعتصام والمناصحة ثلاث قضايا رضيها لنا ربنا، وتصلح بها أمتنا لو كان في الأمة رجال يعرفون كيف الصلاح، وكيف السبيل إلى العزة والقوة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

 


 

المصدر:

محاضرة مع حديث لرسول الله، لعمر الأشقر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاعتصام #العبادة #المناصحة
اقرأ أيضا
الهم والحزن يكفران الذنوب | مرابط
اقتباسات وقطوف

الهم والحزن يكفران الذنوب


الهم والحزن الذي يصاب بهما المؤمن يكفران عنه الكثير من الذنوب والخطايا كما أن الشوكة التي يشاكها تكفر عن خطاياه أيضا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه

بقلم: ابن أبي الدنيا
626
فن أصول التفسير ج6 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج6


وبعض المتصوفة وذكره عنهم أبو عبد الرحمن السلمي قالوا: والبيت المعمور الطور:4 هذا والله قلب رسول الله قد عمره الله بالطاعة وهذا المعنى صحيح بلا خلاف لكن هل المراد بالبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم نقول: لا لا علاقة بين هذا المعنى المذكور وبين الآية فالمعنى المذكور من حيث هو صحيح لكن الآية لا تدل عليه بأي وجه من الوجوه ولهذا يعتبر هذا من التفسير الإشاري الخطأ الذي لا يقبل

بقلم: مساعد الطيار
706
شبهة: المدة الزمنية لخلق السماوات والأرض بين العلم والقرآن | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: المدة الزمنية لخلق السماوات والأرض بين العلم والقرآن


تقول الشبهة: توضح كثير من سور القرآن أن السموات والأرض قد خلقت في ستة أيام وهنا مشكلتان الأولى انه من الثابت علميا أن خلق السموات والأرض قد استغرق بلايين السنين والثانية: أنه في التعبير القرآني نفسه كانت مدة الخلق ثمانية أيام بدلا من ستة فكيف يمكن التوفيق بين هذه الآيات

بقلم: محمد عمارة
1248
نسبية الحق والإنسان المؤله | مرابط
اقتباسات وقطوف

نسبية الحق والإنسان المؤله


إن هذا المؤمن بنسبية الحق هو شخص مؤله لنفسه وذاته وما ادعاؤه لحب البشر واحترامه لهم ورحمته بهم إلا محاولة أخرى لتشبيه نفسه بالرب الرحيم العطوف كأنه في منافسة خفية مع ذلك الرب الأعلى الذي يؤمن به كثير من البشر تاركينه هو ذلك البشري الإله بلا عبادة ولا حمد برغم عطفه وحبه لهم

بقلم: عمرو عبد العزيز
626
الاستغاثة بالأموات | مرابط
مقالات

الاستغاثة بالأموات


سؤال الميت والغائب نبيا كان أو غيره من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين لم يأمر الله به ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
507
هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟


قالوا: النص القرآني تعرض للتغيير والتحريف الذي طرأ عليه بسبب خطأ الرواة والنساخ واستدلوا لذلك بما روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ أفلم يتبين للذين آمنوا فقيل له: إنها أفلم ييأس الذين آمنوا الرعد: ٣١ فقال: إني أرى الكاتب كتبها وهو ناعس.. وبين يديكم رد على هذه الشبهة بقلم الدكتور منقذ السقار.

بقلم: منقذ السقار
594