خيركم لمن؟

خيركم لمن؟ | مرابط

الكاتب: معتز عبد الرحمن

266 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أحيانا كانت تستوقفني أحاديث نبوية شريفة مثل (خيركم خيركم لأهله) وما في موضوعه من أحاديث تفضيل الإحسان إلى الأهل والزوجة والأولاد على أي إحسان آخر، وكان توقفي للتأمل سببه اعتقادي في بديهية اهتمام المرء بأهله أكثر من غيرهم، ومع كون هذا الاهتمام والتفضيل بديهيا حسب ما كنت أظن أرى كثرة الأحاديث النبوية في الحث عليه وتذكير المؤمنين بأنه أفضل من غيره!

وكان هذا التوقف قبل عهد المسئولية وربما في بداياته، إذ مع مرور الوقت وكثرة الاحتكاك والتعامل تبين عمليا كيف أن اعتقادي في بديهية هذا الاهتمام عند الرجال – وحتى النساء – لم يكن دقيقا على الإطلاق، وأن الكثير من الناس يسهل عليه أن يوجه خيره وفضله وحسن خلقه إلى كل الناس أكثر من توجيه هذا إلى أهله، فخير الموظفين وخير الأصدقاء وخير الجيران في أحيان كثيرة لا يكون خير الأزواج ولا خير الآباء، والأمر نفسه في الزوجات والأمهات، وخذها قاعدة أن كلامي الآتي يشمل الجنسين، فالنساء شقائق الرجال.

الإحسان إلى الغير أيسر من الإحسان إلى الأهل؟

فلماذا يكون الإحسان إلى الغير أحيانا أيسر من الإحسان إلى الأهل؟!  ربما من أسباب هذا - في رأيي..

الانقطاع والديمومة

أولا: الانقطاع والديمومة، فالإحسان إلى الناس ممن نقابلهم لساعات في اليوم ولأيام في الشهر أو في العام وضبط النفس معهم وإكرامهم قد يكون أيسر من فعل هذا مع المرتبطين بك دائما والمتصلين بك دائما، ففرص الملل وفقدان الحماس في الحالة الثانية أكبر، فالأمر يشبه قوله صلى الله عليه وسلم (خير الأعمال أدومها وإن قل) وفي هذا إشارة أن المداومة على القليل أصعب من عمل الكثير بصورة غير دائمة ومستمرة، والاهتمام بالأهل أمر جمع بين الديمومة والكثرة معا.

المصلحة

ثانيا: المصلحة المباشرة العاجلة، فعندما يحسن المرء التعامل مع الآخرين في العمل وغيره كثيرا ما يجني فائدة عاجلة من هذا الفعل ولو السمعة الطيبة التي قد تتحول في حد ذاتها إلى مال أو مكانة، بجانب أن الآخرين يتعاملون مع خدماته الشخصية لهم كديون (جمايل) سيردونها له في أقرب فرصة وأقرب احتياج، أما مع الزوجة\الزوج والأولاد وربما سائر الأرحام قد لا يكون الانتفاع بهذه المباشرة ولا بهذه السرعة، وضعيفو البصيرة الذين لا يرون إلا تحت أقدامهم كثيرون، كثيرون جدا، وللأسف لا يدركون هذا عادة إلا متأخرا، بعدما يذهب أصحاب الفائدة السريعة وتذهب فوائدهم معهم، ويأتي وقت جني الثمرة طويلة الأمد فلا يجدونها.

تعامل الأهل مع العطاء

ثالثا: الأهل يتعاملون مع عطاء (الزوج/ الأب/الزوجة/الأم..) كأمر واجب عليه، كأمر اعتيادي كشروق الشمس يوميا، فقلما يجد من التقدير المستمر والتحفيز ما يجده من الأغراب إذا أسدى إليهم شيئا، وهذا مضعف للهمة صارف لخيرية الإنسان لمن يشعر عندهم بالتقدير أكثر ممن يفتقد هذا منهم، وهذه حالة خاصة من النقطة الثانية.

إهمال الأهل

رابعا: إهمال المرء لأهله آثاره وخيمة عليهم وعلى المجتمع أكثر بكثير من آثار إهماله لمن دونهم، فكان فضل المهتم بهم والراعي لهم عظيما على قدر الفساد الذي أنقذ المجتمع منه، فإنه إذا لم يكن زميلا جيدا، صديقا جيدا، فإن هذا شيء سيئ ومضر للفرد والمجتمع ولكنه لا يكون أبدا على قدر الضرر والفساد الذي يقع إذا لم يكن زوجا جيدا أو أبا جيدا.

واقرأوا مشاكل الناس، شكاوى الزوجات من الإهمال وشكاوى الأزواج أيضا من الإهمال، وكيف يؤدي هذا إلى تحطم الأسر وأحيانا إلى الوقوع في الفواحش أو مقدماتها والعياذ بالله، بجانب الوقوع في الحقد والحسد والانشغال بالآخرين، وانظروا إلى آثار هذا الإهمال على الأولاد والنشء ثم على المجتمع بالتبعية، لتستشعروا قدر الخيرية التي يحققها ذلك الحاضن لأسرته المشغول بهم، المشغول (بهم) أي بكل شيء يخصهم، وأهمه دينهم وخلقهم ونفسيتهم ونضجهم العقلي والعاطفي، وليس فقط مشغولا بأكلهم ولبسهم ومدارسهم.

أن تكون خير راع

وإجمال هذا، أن تكون خير راع لأهلك أمر يحتاج إلى هم وتعب دائم مستمر، مع ضعف في العائد العاجل وربما أيضا في التقدير وإظهار العرفان لا سيما من الأبناء الصغار، ولكنه خير درع للمجتمع كله وليس لأسرتك وحدها، فصار بذلك بابا واسعا بلوغ الدرجات العالية عند الله تبارك وتعالى إن أخلصت فيه وأحسنت، فاجعل من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وقودا لك كي تصبر وتستمر.

لا تهمل الآخرين، لا تكن سيئا مع الآخرين، فالفضل في الإحسان إلى كل الناس ثابت وواضح، ولكن إياك أن تغتر بما تفعله في بساتين غيرك، وتترك بستانك بلا رعاية كافية تفوق كل رعاية وكل اهتمام.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#خيركم-لأهله
اقرأ أيضا
المسألة فيها خلاف الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات

المسألة فيها خلاف الجزء الأول


كان الناس قبل عقود -بل سنوات- قليلة إذا تباحثوا في مسألة ما قال أحدهم: ما الدليل واليوم وبعد أن سمع فتوى فلان وفلان قال لك: المسألة فيها خلاف فرد التنازع إلى الخلاف لا إلى الدليل من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وبدلا من أن يجعل القرآن والسنة حاكمين عند الاختلاف جعل الاختلاف حاكما عليهما ومرد ذلك إلى الجهل والهوى والتساهل والتهاون في اتباع الشرع والأخذ بالدليل

بقلم: علوي بن عبد القادر السقاف
1657
مراجعة لكتاب التبرج المسيس للوهيبي | مرابط
فكر مناقشات

مراجعة لكتاب التبرج المسيس للوهيبي


مازالت مشكلات الانحلال السلوكي والتدهور الأخلاقي مسيطرة على المشهد في الكثير من مجتمعات المسلمين وخصوصا في مسألة العلاقة بين الجنسين وموضوعات تحرير المرأة واعتدنا أن نسمع تحليلات تقليدية لهذه المشاكل ترجعها إلى عوامل فردية أو ظواهر عشوائية غير موجهة ولا مقصودة ولكن مؤلف كتاب التبرج المسيس قرر أن يتتبع هذه الظواهر ويصل إلى محركاتها الأولى وبالطبع وصل في تحليله إلى خيوط سياسية كأن هذا المشهد الذي نراه جميعا يقع ضمن أهداف سياسية ومخططات دولية ومن هنا نجد أنفسنا أمام سياسات مكافحة الإرهاب المحل

بقلم: إبراهيم السكران
2386
كيف تقرأ كتابا ج2 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج2


لا بد أن تكون قراءتنا -أيها الإخوة- قراءة واعية المنهج الجاهلي يقول: القراءة للقراءة الفن للفن أي أنهم يجعلون القراءة غاية وليست وسيلة ولذلك فهم يقرءون ما هب ودب دون تمحيص ولا تمييز أما المسلم فإن القراءة عنده وسيلة لتحقيق الهدف وهو أشياء متعددة وعلى رأسها طلب العلم الذي يعرف به المسلم كيف يعبد ربه هذا الهدف الوسيلة: القراءة

بقلم: محمد صالح المنجد
457
التجديد في أصول الفقه؟ | مرابط
تفريغات

التجديد في أصول الفقه؟


بعض المدارس اليوم تقول: التجديد في أصول الفقه ويقولون ما شأننا بقواعد أصول الفقه التي سار عليها الإمام الشافعي فقد مر عليها أكثر من ألف سنة نحن نضع قواعد للفهم تتناسب مع العصر الحاضر أو بعبارة أخرى نحن نريد هدم القواعد التي سار عليها السلف ليست قضيتهم وضع قواعد بالعكس هم يريدون الأمر كما يقولون: قدسية النص وحرية القراءة.

بقلم: عامر بهجت
431
هل الأجر دائما على قدر المشقة؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

هل الأجر دائما على قدر المشقة؟


ومما ينبغي أن يعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق حتى يكون العمل كلما كان أشق كان أفضل كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء لا ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله. فأي العملين كان أحسن وصاحبه أطوع وأتبع كان أفضل فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل.

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
325
مسالك الهوى الخفي | مرابط
مقالات

مسالك الهوى الخفي


افرض أنك قرأت آية فلاح لك منها موافقة قول لإمامك وقرأت أخرى فلاح لك منها مخالفة قول آخر له. أيكون نظرك إليهما سواء لا تبالي أن يتبين منهما بعد التدبر صحة ما لاح لك أو عدم صحته؟. افرض أنك وقفت على حديثين لا تعرف صحتهما ولا ضعفهما أحدهما يوافق قولا لإمامك والآخر يخالفه. أيكون نظرك فيهما سواء لا تبالي أن يصح سند كل منهما أو يضعف؟.

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
279