خيركم لمن؟

خيركم لمن؟ | مرابط

الكاتب: معتز عبد الرحمن

312 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أحيانا كانت تستوقفني أحاديث نبوية شريفة مثل (خيركم خيركم لأهله) وما في موضوعه من أحاديث تفضيل الإحسان إلى الأهل والزوجة والأولاد على أي إحسان آخر، وكان توقفي للتأمل سببه اعتقادي في بديهية اهتمام المرء بأهله أكثر من غيرهم، ومع كون هذا الاهتمام والتفضيل بديهيا حسب ما كنت أظن أرى كثرة الأحاديث النبوية في الحث عليه وتذكير المؤمنين بأنه أفضل من غيره!

وكان هذا التوقف قبل عهد المسئولية وربما في بداياته، إذ مع مرور الوقت وكثرة الاحتكاك والتعامل تبين عمليا كيف أن اعتقادي في بديهية هذا الاهتمام عند الرجال – وحتى النساء – لم يكن دقيقا على الإطلاق، وأن الكثير من الناس يسهل عليه أن يوجه خيره وفضله وحسن خلقه إلى كل الناس أكثر من توجيه هذا إلى أهله، فخير الموظفين وخير الأصدقاء وخير الجيران في أحيان كثيرة لا يكون خير الأزواج ولا خير الآباء، والأمر نفسه في الزوجات والأمهات، وخذها قاعدة أن كلامي الآتي يشمل الجنسين، فالنساء شقائق الرجال.

الإحسان إلى الغير أيسر من الإحسان إلى الأهل؟

فلماذا يكون الإحسان إلى الغير أحيانا أيسر من الإحسان إلى الأهل؟!  ربما من أسباب هذا - في رأيي..

الانقطاع والديمومة

أولا: الانقطاع والديمومة، فالإحسان إلى الناس ممن نقابلهم لساعات في اليوم ولأيام في الشهر أو في العام وضبط النفس معهم وإكرامهم قد يكون أيسر من فعل هذا مع المرتبطين بك دائما والمتصلين بك دائما، ففرص الملل وفقدان الحماس في الحالة الثانية أكبر، فالأمر يشبه قوله صلى الله عليه وسلم (خير الأعمال أدومها وإن قل) وفي هذا إشارة أن المداومة على القليل أصعب من عمل الكثير بصورة غير دائمة ومستمرة، والاهتمام بالأهل أمر جمع بين الديمومة والكثرة معا.

المصلحة

ثانيا: المصلحة المباشرة العاجلة، فعندما يحسن المرء التعامل مع الآخرين في العمل وغيره كثيرا ما يجني فائدة عاجلة من هذا الفعل ولو السمعة الطيبة التي قد تتحول في حد ذاتها إلى مال أو مكانة، بجانب أن الآخرين يتعاملون مع خدماته الشخصية لهم كديون (جمايل) سيردونها له في أقرب فرصة وأقرب احتياج، أما مع الزوجة\الزوج والأولاد وربما سائر الأرحام قد لا يكون الانتفاع بهذه المباشرة ولا بهذه السرعة، وضعيفو البصيرة الذين لا يرون إلا تحت أقدامهم كثيرون، كثيرون جدا، وللأسف لا يدركون هذا عادة إلا متأخرا، بعدما يذهب أصحاب الفائدة السريعة وتذهب فوائدهم معهم، ويأتي وقت جني الثمرة طويلة الأمد فلا يجدونها.

تعامل الأهل مع العطاء

ثالثا: الأهل يتعاملون مع عطاء (الزوج/ الأب/الزوجة/الأم..) كأمر واجب عليه، كأمر اعتيادي كشروق الشمس يوميا، فقلما يجد من التقدير المستمر والتحفيز ما يجده من الأغراب إذا أسدى إليهم شيئا، وهذا مضعف للهمة صارف لخيرية الإنسان لمن يشعر عندهم بالتقدير أكثر ممن يفتقد هذا منهم، وهذه حالة خاصة من النقطة الثانية.

إهمال الأهل

رابعا: إهمال المرء لأهله آثاره وخيمة عليهم وعلى المجتمع أكثر بكثير من آثار إهماله لمن دونهم، فكان فضل المهتم بهم والراعي لهم عظيما على قدر الفساد الذي أنقذ المجتمع منه، فإنه إذا لم يكن زميلا جيدا، صديقا جيدا، فإن هذا شيء سيئ ومضر للفرد والمجتمع ولكنه لا يكون أبدا على قدر الضرر والفساد الذي يقع إذا لم يكن زوجا جيدا أو أبا جيدا.

واقرأوا مشاكل الناس، شكاوى الزوجات من الإهمال وشكاوى الأزواج أيضا من الإهمال، وكيف يؤدي هذا إلى تحطم الأسر وأحيانا إلى الوقوع في الفواحش أو مقدماتها والعياذ بالله، بجانب الوقوع في الحقد والحسد والانشغال بالآخرين، وانظروا إلى آثار هذا الإهمال على الأولاد والنشء ثم على المجتمع بالتبعية، لتستشعروا قدر الخيرية التي يحققها ذلك الحاضن لأسرته المشغول بهم، المشغول (بهم) أي بكل شيء يخصهم، وأهمه دينهم وخلقهم ونفسيتهم ونضجهم العقلي والعاطفي، وليس فقط مشغولا بأكلهم ولبسهم ومدارسهم.

أن تكون خير راع

وإجمال هذا، أن تكون خير راع لأهلك أمر يحتاج إلى هم وتعب دائم مستمر، مع ضعف في العائد العاجل وربما أيضا في التقدير وإظهار العرفان لا سيما من الأبناء الصغار، ولكنه خير درع للمجتمع كله وليس لأسرتك وحدها، فصار بذلك بابا واسعا بلوغ الدرجات العالية عند الله تبارك وتعالى إن أخلصت فيه وأحسنت، فاجعل من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وقودا لك كي تصبر وتستمر.

لا تهمل الآخرين، لا تكن سيئا مع الآخرين، فالفضل في الإحسان إلى كل الناس ثابت وواضح، ولكن إياك أن تغتر بما تفعله في بساتين غيرك، وتترك بستانك بلا رعاية كافية تفوق كل رعاية وكل اهتمام.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#خيركم-لأهله
اقرأ أيضا
إلام يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم جميع الناس | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

إلام يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم جميع الناس


شرع محمد صلى الله عليه وسلم يكلم الناس في الإسلام ويعرض عليهم الأخذ بهذا الدين الذي أرسله الله به وسور القران الذي نزل بمكة تبين العقائد والأعمال التي كلف الله بها عباده وأوصى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتعهد قيامها ونماءها وهذا المقال المختصر يناقش فيه الكاتب محمد الغزالي بعض المحاور التي يدعو إليها الرسول صلى الله عليه وسلم

بقلم: محمد الغزالي
1447
لشد ما اجترأت المرأة في هذا العصر | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

لشد ما اجترأت المرأة في هذا العصر


مقتطف للأستاذ محمود شاكر يعلق فيه على اجتراء المرأة في العصر الحديث ويقف على معنى الحرية التي تعنيها المرأة ونظرتها التي لا تخلو من الجور إلى الرجل ومآلات هذه النظرة إذا وصلت إلى كل بيت من بيوت المسلمين وإذا سمعتها كل واحدة من النساء ومالت إليها

بقلم: محمود شاكر
1868
قراءة واحدة صادقة لكتاب الله | مرابط
اقتباسات وقطوف

قراءة واحدة صادقة لكتاب الله


ما الذي يمكن أن تحدثه قراءة واحدة صادقة للقرآن الكريم نعلم جميعا قدر القرآن الكريم وكيف أنه صنع جيلا شامخا من السلف والصحابة الكرام ولكن في نفس الوقت نرى معظم المسلمين في يومنا هذا يقرأون القرآن ويخرجون منه كما دخلوا أول مرة بلا أي تغير ملحوظ فما السبب في هذا الاقتباس للكاتب إبراهيم السكران يحدثك عن قيمة القراءة الصادقة للكتاب العزيز

بقلم: إبراهيم السكران
1796
مشروعية الرخصة | مرابط
اقتباسات وقطوف

مشروعية الرخصة


مقتطف للإمام الشاطبي يتحدث فيه عن مشروعية الرخصة حيث أراد الله جل وعلا أن يخفف على المكلفين ويرفق بهم فالأخذ بالرخصة إذن موافق لقصده وعلى الجانب الآخر من يرفض الأخذ مطلقا بالرخصة واقع فيما نهى عنه القرآن وما نهى عنه الرسول وهذا ما يقف عليه الشاطبي في هذا المقتطف

بقلم: الشاطبي
1412
من آفات الدعاء | مرابط
اقتباسات وقطوف

من آفات الدعاء


كما نهتم بمعرفة الطريقة الصحيحة للدعاء وأوقات الإجابة يجب أيضا أن نقف على آفات الدعاء أو ما يمنع ترتب أثر الدعاء عليه فهذا مما قد يخفى على كثير من المسلمين وقد لا يهتم به أحد ثم يتعجب عن سبب تأخر الإجابة أو عدم وجود الإجابة بحال

بقلم: ابن القيم
981
كيف كان تطوع الصحابة؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

كيف كان تطوع الصحابة؟


ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه بكثرة الصوم والصلاة بل ببر القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها بالله خشية له ومحبة وإجلالا وتعظيما ورغبة فيما عنده وزهدا فيما يفنى.

بقلم: ابن رجب
370