شرع محمّد صلى الله عليه وسلم يكلّم الناس في الإسلام، ويعرض عليهم الأخذ بهذا الدين الذي أرسله الله به، وسور القران الذي نزل بمكة تبيّن العقائد والأعمال التي كلّف الله بها عباده، وأوصى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتعهّد قيامها ونماءها، وأول ذلك:
1- الواحدانية المطلقة:
فالإنسان ليس عبدا لكائن في الأرض، أو عنصر في السماء، لأنّ كل شيء في السماء والأرض عبد الله، يعنو لجلاله، ويذلّ في ساحته، ويخضع لحكمه، وليس هناك شركاء ولا شفعاء ولا وسطاء، ومن حقّ كلّ امرئ أن يهرع إلى ربّه رأسا، غير مستصحب معه خلقا اخر، كبر أو حقر، وحقّ على كلّ امرئ أن ينكر من أقاموا أنفسهم، أو أقامهم غيرهم زلفى إلى الله، وأن ينزل بهم إلى مكانهم المحدود؛ إن كانوا بشرا، أو حجارة، أو ما سوى ذلك، ويجب أن تبنى جميع الصلات الفردية والجماعية على أساس تفرّد الله في ملكوته بهذه الواحدانية التامة.
ونتيجة هذه العقيدة أن الحجارة التي يعبدها العرب، أصبحت لا تزيد عن الحجارة التي تبنى بها البيوت، أو ترصف بها الطّرق، وأنّ البشر الذين ألّهوا في ديانات أخرى صحّحت أوضاعهم، فعرفوا على أنهم عبيد لمن خلقهم ورزقهم، يتقدّمون عنده بالطاعة، ويتأخّرون بالمعصية، ولا شأن لهم في خلق أو رزق.
2- الدار الاخرة:
فهناك يوم لا شكّ في قدومه، يلقى الناس فيه ربّهم، فيحاسبهم حسابا دقيقا على حياتهم الأولى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) [الزلزلة] ؛ فإمّا نعيم ضاحك، يمرح فيه الأخيار ويستريحون، وإما جحيم مشؤومة، يشقى فيها الأشرار ويكتئبون...
والنظر إلى الدّار الاخرة في كلّ عمل يأتيه المرء أو يذره من أصول السلوك الصحيح في الإسلام، فكما أنّ راكب القطار موقن بأنه سينزل في محطّ قادم، فكذلك المسلم يعلم أن الأيام الجارية به ستقف- حتما- لترده إلى مولاه، حيث يلقى جزاء العمر، ويجني ما غرست يداه..
3- تزكية النفس:
وذلك بلزوم عبادات معينة شرعها الله عز وجلّ، وترك أمور أخرى حذرا من مغبّتها:
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) [الأنعام].
قال أكثم بن صيفيّ: «إن ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام لو لم يكن دينا لكان في خلق الناس حسنا».
4- حفظ كيان الجماعة المسلمة:
باعتبارها واحدة متماسكة تقوم على الأخوة والتعاون، وذلك يقتضي نصرة المظلوم، وإعطاء المحروم، وتقوية الضعيف. وفي سورة (المدثر) - وهي أول سورة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها بالبلاغ- تقرأ قول الله تبارك وتعالى:
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) [المدثر].
وكان أبو بكر لا يرى مستضعفا يعذّب من المسلمين، إلا بذل جهده وماله في سبيل فكّ إساره، وإنقاذه ممّا به، وذلك حقّ الفرد على الجماعة.
المصدر:
محمد الغزالي، فقه السيرة، ص100