إن مقصود الشارع من مشروعية الرخصة: الرفق بالمكلف عن تحمل المشاق؛ فالأخذ بها مطلقا موافقة لقصده.. بخلاف الطرف الآخر فإنه مظنة التشديد والتكلف والتعمق المنهي عنه في الآيات؛ كقوله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) وقوله (ولا يريد بكم العسر).
وفي التزام المشاق تكليف وعسر، وفيها روي عن ابن عباس في قصة بقرة بني إسرائيل: (لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم) وفي الحديث: (هلك المتنطعون) ونهى عن التبتل وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني) بسبب من عزم عن صيام النهار وقيام الليل واعتزال النساء إلى أنواع الشدة التي كانت في الأمم، فخففها الله عليهم بقوله: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
وقد ترخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنواع من الترخص خاليا وبمرأى من الناس؛ كالقصر والفطر في السفر؛ والصلاة جالسا حين جحش شقه، وكان حين بدن يصلي بالليل في بيته قاعدا، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ شيئا ثم ركع.. وجرى أصحابه رضي الله عنهم ذلك المجرى من غير عتب ولا لوم، كما قال: (ولا يعيب بعضنا على بعض). والأدلة في هذا المعنى كثيرة.
المصدر:
الشاطبي، الموافقات، (1/341)