
وذلك أن من المعلوم -قطعًا- من جهة النقل المتواتر، أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كان يقضي قاضيهم على الملأ بسنته وهديه، في الحدود والنكاح والمواريث والبيع وغيرها من أبواب العبادات والمعاملات -سواء أكان ذلك مما ذُكر في نص القران أم لا-، ولا يُنكر بعضهم على بعض، بل يُقرونه، ويُمضونه في أموالهم وأعراضهم وسائر أحوالهم، ويُسنِد من يُسأل منهم عن مصدره في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيرضى منه بهذه النسبة، ويقنع بها، وقد يطلب منه مزيد تحقق وتثبت -إن ظنّ المستفهم احتمال وهم الناقل-، فإذا تحققت أقر ورضي. مع أنهم -في ذات الوقت- ينكرون ما يحدثه الناس من الأعمال الدينية مما لا أصل له في كتاب الله وسنة رسولهصلى الله عليه وسلم.
ولا يشك أحد له أدنى دراية بالأخبار والسير أن هذا الأمر متواتر عنهم تواترًا معنويا، وأن المحفوظ من أقضيتهم وتعاملاتهم شاهدٌ على اعتمادهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه؛ ومن يطالع أقضية الصحابة وفتاواهم في الكتب المسندة التي جمعت أخبارهم كمصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة سيجد مئات الأخبار المسندة الصحيحة المثبتة لذلك. فهذا سبيلهم وتلك طريقتهم.
وهذه بعض النقولات المثبتة لحجية السنة عن طريق إجماع العلماء عليها، وقد قال تعالى "{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}.. فهذا هو سبيل المؤمنين..