مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها

مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها | مرابط

الكاتب: الإمام الشافعي

2009 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

في هذا المقال جزء من مناظرة الإمام الشافعي، رحمه الله، مع أحد المنتسبين إلى طائفة ردّت الأخبار كلها.. وفي هذا المقتطف يدور الحديث حول إثبات أن الحكمة هي السنة وأنها وحي وأن الله فرض علينا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

قال الإمام الشافعي، رحمه الله:

 

قلت: قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2]

قال: فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة؟

قلت: سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه

قلت: تعني بأن يبين لهم عن الله عز وعلا مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي لسان نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: إنه ليحتمل ذلك

قلت: فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال: فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟

قلت: وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا؟

قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت، كتابا وسنة، فيكونا شيئين، ويحتمل أن يكونا شيئًا واحدًا.

قلت: فأظهرهما أولاهما. في القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف ما ذهبت إليه

قال: وأين هي؟

قلت: قال: الله عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} [الأحزاب: 34] . فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.

قال: فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة؟

قلت: إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها.

قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.

 


 

وقلت: افترض الله علينا إتباع نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال: وأين؟

قلت: قال الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65]

وقال عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: من الآية80]

وقال {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: من الآية63]

قال: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كان بعض ما قال أصحابنا أن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قلت: لقد فرض الله عز وجل علينا اتباع أمره فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .

 قال: إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهي عما نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: قلت: والفرض علينا وعلى من هو من قبلنا ومن بعدنا واحد؟

قال: نعم.

قلت: فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؟

قال: نعم.

قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في اتباع أوامر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بالخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 
 قال: وقلت له أيضا: يلزمك في ناسخ القرآن ومنسوخه.

قال: فاذكر منه شيئا

قلت: قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] .

وقال في الفرائض: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: من الآية11]

 فزعمنا بالخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

قال: هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد صرت إلى قبول الخبر لازم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه في كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال: عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بأن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيت الحق.

 


 

المصدر:

  1. الإمام محمد بن إدريس الشافعي، جماع العلم، ص9
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الشافعي #إنكار-السنة
اقرأ أيضا
الإمبريالية النفسية | مرابط
فكر مقالات

الإمبريالية النفسية


الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية هي الرؤية المهيمنة على المجتمعات الغربية وعلى الإنسان الغربي في علاقته مع بقية أعضاء المجتمع أو مع أعضاء أسرته أو حتى مع نفسه فهو حينما يبني بيتا يخضعه تماما لعملية الترشيد المادية حيث يبنيه بهدف الإتجار فيه وتحقيق الربح ثم يتركه بعد بضع سنين وكأن المنزل والسلعة لا فرق بينهما وهو حين يدخل في علاقة مع أنثى لا يبحث عادة عن الطمأنينة وإنما يحاول تعظيم اللذة وتتحول العلاقة العاطفية إلى علاقة غزو وهو إنسان بسيط ذو بعد واحد دائم التنقل والترحال لتحقيق الربح و...

بقلم: عبد الوهاب المسيري
1351
حول تكريم المرأة في الإسلام | مرابط
المرأة

حول تكريم المرأة في الإسلام


قل هو شرع الله والله لم ينزل شرعه على ذوقك! بل لا تؤمنين إلا إذا كان هواك تبعا لما جاء به محمد! لا تقل لها أن القيمة التي تود النسوية رفعك لها هي موجودة في الإسلام لا بل الإسلام هو أعلى قيمة عليك أن تحرصي عليها كي ترفعي لا أنك قيمة باهضة والإسلام والنسوية يتنافسان على الظفر باتباعك عبر الإغراء بمفهوم التكريم

بقلم: باسم بشينية
445
الصلاة على النبي.. قصة واقعية | مرابط
مقالات

الصلاة على النبي.. قصة واقعية


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا أتعرف ما فائدة أن يصلي الله عليك؟ الفائدة هناك في القرآن فإن الله عز وجل يقول: هو الذى يصلى عليكم وملئكتهۥ ليخرجكم من الظلمت إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما. ففائدة صلاة الله عليك أنه بذلك: يخرجك من الظلمات. وكل ضيق وكل مصيبة وكل مشكلة هي ظلمة فإذا أصابك شيء من ذلك فالزم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى متى؟ إلى أن يخرجك الله من هذه الظلمة.

بقلم: خالد بهاء الدين
373
الأسس الفكرية لليبرالية: الفردية ج1 | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

الأسس الفكرية لليبرالية: الفردية ج1


الفردية هي السمة الأساسية الأولى لعصر النهضة وهي من أهم أسس وأعمدة الليبرالية وقد ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطا وثيقا فأصبحت الفردية تعني استقلال الفرد وحريته ولكن الفردية نفسها لها أكثر من مفهوم مثل المفهوم البراجماتي والمفهوم التقليدي وفي هذا المقال يستعرض لنا المؤلف المفهومين وكلام رواد الليبرالية حولهما

بقلم: د عبد الرحيم بن صمايل السلمي
2627
الانقطاع سمة العصر | مرابط
اقتباسات وقطوف

الانقطاع سمة العصر


يبدو أن الانقطاع سمة أساسية لحضارتنا وربما لعصرنا هناك شيء اسمه العلم يزعم أنه يتعامل مع التفاصيل ومع البيئة الشاملة للعالم ويحاول أن يفسر: كيف أتت المادة إلى الوجود وكيف نشأت الحياة ومتى وبأي أسلوب وصلت الكائنات البشرية إلى الأرض ويبدو أن العلم يتعلق بكل شيء ولكن العلم في الواقع قاصر جدا

بقلم: بول فييرابند
657
محاسن الإسلام في براهينه | مرابط
تعزيز اليقين مقالات اقتباسات وقطوف

محاسن الإسلام في براهينه


إن من أهم ما يوقف الناظر المتأمل على محاسن الإسلام وجماله وبهائه وتميزه هو النظر في البراهين المثبتة لصحته ومقارنتها ببراهين أي فكرة أخرى على وجه الأرض إن دين الإسلام قد جاء مبرهنا على صحة كل أصوله ببراهين قوية متعددة متنوعة وهذا ما لا تجده في أي دين آخر ولا في أي توجه أو تيار أو مذهب أو طائفة

بقلم: أحمد يوسف السيد
1089