دور محمد علي الجزء الثالث

دور محمد علي الجزء الثالث | مرابط

الكاتب: محمد قطب

2005 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الهزيمة الداخلية 

 

لا الهزمة العسكرية وحدها تصنع هذا في الأمة ذات العقيدة، ولا التخلف العلمي والحضاري والمادي وحده يصنع ذلك، ولا حتى اجتماع الهزيمة والتخلف معا يمكن أن يؤدي إلى كل ذلك الانهيار..
 
إنما هي الهزيمة الداخلية، الناجمة من التخلف العقدي
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"
 
إن اشتراط الإيمان في الآية الكريمة لا يجئ عبثًا! فالإيمان الصحيح وحده هو الذي يحول دون الوهن والحزن في حالة الهزيمة أمام الأعداء، ويحول دون النتائج التي تترتب على الوهن والحزن، وهي الاستسلام للأعداء، والكف عن مقاومتهم والكف عن محاولة منازلتهم من جديد..
 
والاستعلاء قرين الإيمان.
 
الاستعلاء على الجاهلية والنظر إليها على أنها جاهلية ولو كانت تملك ما تملك من أدوات النصر العسكري ومن أدوات التمكن المادي في الأرض.
 
والآية الكريمة ترد المؤمنين إلى الميزان الحقيقي والمعيار الحقيقي.. فحين تكون القضية هي قضية الكفر والإيمان، فالمؤمنون هم الأعلون ولو أصابتهم هزيمة مؤقتة أو ضعف مادي مؤقت، لأن الإيمان بذاته أعلى من الكفر، أعلى منه نفسيا وروحيا وعقليا وأخلاقيا وإنسانيا بمقدار ما يعو الحق على الباطل، والمنهج الصحيح على المنهج الفاسد، والرؤية الصحيحة على الرؤية الخاطئة، والسلوك المستقيم على السلوك المعوج.
 
"أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مسقيم"

 

هذا من الوجهة النفسية والشعورية والوجدانية التي تمنع الذوبان في العدو، أو الهزيمة الروحية أمامه.

 

ومن الوجهة العملية حين يستيقن المؤمنون بأنهم هم الأعلون بالعقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح -ولو أصابتهم هزيمة مؤقتة أو ضعف مادي مؤقت- فإن هذا اليقين ذاته هو الذي يعينهم على أن يقوموا من كبوتهم، ويسترجعوا قوتهم، ويتأهبوا لمنازلة الأعداء من جديد:  
 
"الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"

 

الإيمان الصادق

 

الإيمان الصادق إذن، بمفهومه الإسلامي الصحيح، لا بالمفهوم الإرجائي ولا المفهوم الصوفي، ولا المتفلت من التكاليف الربانية، هو الذي يعصم الأمة من الهزيمة الروحية أمام الأعداء، وإسلام القياد لهم، والرضى بالتبعية لهم... فهل كان هذا الإيمان موجودا بصورته تلك حين اقتحم الصليبيون بلاد الإسلام، وطغوا فيها وأكثروا الفساد؟
 
كلا بلا شك..
 
ولو كان موجودا بصورته تلك، ألتي نزل بها من عند الله، وعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، لما حل بالمسلمين ما حل بهم مهما يكن حالهم من ضعف القوة العسكرية والتخلف في الناحية العلمية والمادية والتنظيمية.. إنما كان الإيمان كفيلا بأن يبعث الأمة لتزيل عنها ضعفها، وتستدرك تخلفها، وتقوم لمناجزة الأعداء من جديد..
 
حقيقة كان هناك إيمان من لون ما..
 
هو الذي جعل الأمة تقاوم الغزو الصليبي، وتجاهده مجاهدة إسلامية، أي تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتنظر إليه على أنه غزو من قبل الكفار لبلاد الإسلام تنبغي مجاهدته وإزالته؛ وتقاوم ما وسعتها المقاومة عملية تنحية الشريعة الإسلامية وإحلال القوانين الوضعية محلها، على أساس أن هذا كفر يخرج الأمة من الملة إلى رضيت به.
 
كما جاهدت الأمة الإسلامية في مصر حملة نابليون الصليبية، ومنعته من إحلال قانونه محل الشريعة الإسلامية، كما جاهد المسلمون في الشمال الإفريقي ضد الغزو الصليبي الفرنسي، وفي الهند ضد الغزو الصليبي الإنجليزي، وفي أندونيسيا ضد الغزو الصليبي البرتغالي ثم الهولندي.. وباختصار: في كل مكان واجهت فيه الأمة الإسلامية غزو أوربا الصليبية لبلادها.
 
ولكن هذا الإيمان كان قد اعتراه ما بيناه من قبل من الفكر الإرجائي، والاتجاه الصوفي، والتفلت من التكاليف، فضلا عن تحوله عند العامة إلى مجموعة من الخرافات ومجموعة من التقاليد.. لذلك لم يصمد طويلا للغزو، رغم بسالة المقاومة التي أبداها في جهاده.. فلما انهار كان انهياره عنيفًا غير معهود من قبل.. وانهارت معه الأمة وأسلمت نفسها للتيار.

 


 

المصدر:

  1. محمد قطب، واقعنا المعاصر، ص191
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محمد-علي
اقرأ أيضا
من مفسدات القلوب: التعلق بغير الله | مرابط
تفريغات

من مفسدات القلوب: التعلق بغير الله


التعلق بغير الله له عدة نواح والكلام فيه من عدة فروع فمن التعلق بغير الله: التعلق بالدنيا وقد مثله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود تمثيل في قوله عليه الصلاة والسلام: تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش هذا الرجل المتعلق بغير الله فمن الناس من يتعلق بالأموال فيعمل لها كل همه فيخرج من الصباح ويسعى ويعمل ويكدح إلى الليل

بقلم: محمد صالح المنجد
690
الإبداع والانقطاع | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

الإبداع والانقطاع


وما كان لمحمود شاكر أن يستوعب المكتبة العربية قراءة وفحصا واطلاعا إلا حين اعتزل الناس عشر سنوات كاملات كما أخبر عن نفسه! وما كان لك أنت أنت.. يا من تقرأ أن تحظى ببعض الثقافة إلا حين انقطعت سويعات أورثتك طرفا من علم

بقلم: د. علي العمران
343
مصدر تفسير القرآن | مرابط
تعزيز اليقين

مصدر تفسير القرآن


وكل ما استقر عليه فهم الصدر الأول من القرآن فهو مراد الله فيه لأن الله أنزله بلسانهم ليفهموه ولا يسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- معنى باطل استقر في نفوسهم فهذا يخالف مقتضى الرسالة والله مطلع على ما في نفوسهم من فهم.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
268
ما هي البصمة التي تركتها فاطمة بنت الرسول؟ | مرابط
مقالات النسوية

ما هي البصمة التي تركتها فاطمة بنت الرسول؟


السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها لا يوجد لها حضور في خطاب النسويات المحجبات لأنها لا تخدم أهدافهن ولا يوجد في حياتها ما يؤيد شعاراتهن إلا قصة رفضها رضي الله عنها زواج زوجها عليها وليس لهن في موقفها حجة كما هو مبين عند أهل العلم. وهذا ما يحمل المسلمة اللبيبة اليوم على عدم الاغترار بهؤلاء المفسدات بشعارات إسلامية!!

بقلم: نور الدين قوطيط
479
نتائج الاختلاط الغربي | مرابط
فكر

نتائج الاختلاط الغربي


ومن المهم أن نلاحظ هاهنا أنه مع كل ما وضعت النظم الغربية من قوانين لمنع التحرش ومنع علاقات استغلال النفوذ ومع شدة فعاليتها التنفيذية لأنظمتها وقوانينها فإن ذلك كله لم يمنع المشكلة من كونها لا تزال متفاقمة بسبب كون المجتمع الغربي لا يزال مصرا على الاختلاط فهو يهيج الأسباب ويحاول عرقلة النتائج بالقوانين وهذه مناقضة لطبيعة الأمور.

بقلم: إبراهيم السكران
312
المؤامرة على المرأة المسلمة ج3 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج3


ثم ما الذي ينتج إذا عملت المرأة كما هو واضح إذا عملت المرأة أولا تنافس الرجال في الوظائف الدولة التي عندها عشرة آلاف وظيفة مثلا وتخرج عشرة آلاف خريج وعشرة آلاف خريجة إنها ستعطي خمسة آلاف منهن خمسة آلاف وظيفة فيتعطل خمسة آلاف شاب فيتحولون إلى مجرمين وإلى لصوص وإلى مدمني مخدرات وإلى ما لا يحتاج إلى أن يذكر لمعرفته في الإحصائيات العالمية

بقلم: سفر الحوالي
743