الأصل في أقوال النبي، صلى الله عليه وسلم، وأفعاله وتقريراته أنها حجة، وأنها تشكل بمجموعها مفهوم السنة النبوية، وأنها منبع يصدر عنه في تقرير الأحكام وبيان التشريعات، وقد نبه الإمام ابن عبد البر إلى طبيعة الإطلاق في الإطلاقات الشرعية الآمرة بطاعة النبي، صلى الله عليه وسلم، واتباع أمره، فقال: وقد أمر الله جل وعز بطاعته واتباعه أمرًا مطلقًا مجملًا، لم يقيد بشيء، كما أمرنا باتباع كتاب الله(1)
فالأصل إذن أن ما صدر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من تصرفات أنها موضوعة للتشريع، ولفظة الأصل هنا موحية بوجود الاستثناء وهو حق، فثمة أمور داخلة في مفهوم التصرف النبوي مما لم يقصد به التشريع ابتداء وإن كان له اتصال به من وجه، فالتصرفات النبوية على أنواع وأقسام، منها(2):
القسم الأول: التصرفات التشريعية:
وهي التي يقصد بها البيان والتشريع وإيضاح كيفية امتثال الأحكام الشرعية، كأفعال الصلاة والحج وغيرها، فهذا القسم هو الذي يطلب اتباعه فيه، وقد يكون واجبًا وقد يكون مستحبًا
القسم الثاني: التصرفات الجبلية
كالقيام والقعود والأكل والشرب وكل ما صدر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، باعتبارات جبلية محضة، فإن الرسول، صلى الله عليه وسلم مع نبوته بشر "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي" فأحكام البشرية في الأصل تجري عليه كما تجري على غيره، فما كان واقعًا منه، صلى الله عليه وسلم، بمقضيات البشرية المحضة فليس مقصودًا به التشريع ابتداء وليس محلا للتعبد، وإن كان يستفاد من تصرف النبي، صلى الله عليه وسلم، تأكيد الإباحة
القسم الثالث: التصرفات العادية:
وهي ما جرى من النبي، صلى الله عليه وسلم، مما كان معروفًا مألوفًا في قومه، ولا تدل على قربة أو عبادة كأحواله في مأكله ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته؛ كأن يأكل الدباء، وأن يبين طاويًا يربط الحجر على بطنه، أو يلبس القطن، أو ينام على الحصير أو يطيل الشعر... إلخ فهذه الأفعال ونحوها تدل على إباحة فعل الشيء، لا استحبابه؛ ﻷن ذلك لم يقصد به التشريع، ولم يتعبد به. أما إذا ورد الأمر بشيء من الأمور العادية أو جاء الترغيب فيها أو وجدت القرينة التي تدل على قصد التشريع فتكون حينئذ شرعية؛ ﻷن الشارع قصد إخراج هذه العادات من حد العادة إلى حد التعبد، كلبس البياض من الثياب، وإعفاء اللحية، وتوجيه الميت في قبره إلى القبلة، وما يتعلق بأبواب الآداب كآداب النوم، وآداب الأكل والشرب، وآداب السلام والعطاس، وآداب التخلي ونحو ذلك
القسم الرابع: التصرفات الاجتهادية:
القسم الخامس: التصرفات الخاصة به، صلى الله عليه وسلم:
وهي التي ثبت بالدليل اختصاصه بها كالجمع بين تسع نسوة، والتبرك بآثاره، فهذا القسم يحرم التأسي به فيها لاختصاصها به، صلى الله عليه وسلم
القسم السادس: التصرفات المعجزة:
كخوارق العادات التي أجراها الله تبارك وتعالى على يد نبيه سواء قصد بها التحدي أو لم يقصد، فوقوع مثل هذه الخوارق منه، صلى الله عليه وسلم، حاصل يقينًا، وليس ثمة مدخل للاقتداء به، صلى الله عليه وسلم، فيها ﻷن الخارق نفسه ليس محلا للتكليف وهو لم يكن إلا بإذن من الله تبارك وتعالى وهو سبحانه من خرق العادة حقيقة
الإشارات المرجعية:
جامع بيان العلم وفضله 366/2
انظر تفاصيل هذه التصرفات وما يتصل بكل نوع تفصيلا مع نقل كلام أهل العلم ومذاهبهم (أفعال الرسول، صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على الأحكام الشرعية) لمحمد الأشقر رحمه الله
المصدر:
عبد الله بن صالح العجيري، ينبوع الغواية الفكرية، ص565