عليك بدين الصبي

عليك بدين الصبي | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

483 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

روى الآجري في الشريعة واللالكائي في شرح الأصول وغيرهما عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال لرجل سأله عن الأهواء:
"عليك بدين الصبي الذي في الكتاب والأعرابي، واله عما سواهما".

وهذا الذي قاله عمر بن عبدالعزيز رحمه الله هو أصل عظيم، وبه يتميز الدين الواضح البين الذي أراده الله من جميع عباده على اختلاف مراتبهم في الفهم عن الشذوذات البدعية التي يدعي أصحابها التفرد بالحق مع مخالفتهم لمحكمات الدين وما يشترك في العلم به المخاطبون الذين لم يتلوثوا بشبهاتهم.

وإلا فكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخطابين الذين سلمت فطرهم عن شذوذات المبتدعة أن الإيمان بالله مقيد بما أحدثوه من دليل الحدوث وناقضوا به دلالة الحدوث الفطرية، فزعموا اشتراط إثبات الجواهر والأعراض وما ركبوه بعد ذلك من الاستدلال النظري على حدوثها بمقدمات هي في غاية العسر والإشكال حتى حصل لأذكياهم بسبب خفائها التوقف والحيرة في كثير منها، ثم إذا جاء الكلام في معاني نصوص الصفات جعلوا تلك المقدمات المخالفة للمنهج الفطري حاكمة على النصوص بما يؤدي إلى تأويلها أو تفويضها، بل يصل الأمر إلى تسويغ القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه، مع الجهل بحقيقة ما يؤول إليه هذا الافتراء الشنيع الذي لا يقبله عقل عاقل بقي على الفطرة التي خلقه الله عليها.

وكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخاطبين أن تكون قدرة العبد بلا تأثير، وأن يكون المكلف مضطرا في صورة مختار، مع أن الناس يدركون بالضرورة التي يجدونها من نفوسهم أن أفعالهم مترتبة على اختيارهم وما أودعه الله في قدرهم من التأثير، وأنه لا يعقل تكليف وثواب وعقاب مع كسب لا حقيقة له إلا القول بالجبر واستحالة التكليف.

وكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخاطبين أن حقيقة الإيمان تدور على  التصديق الباطن وأن حقيقة الكفر هي التكذيب، مع ما يعلمونه ضرورة من أن الله تعالى لا يمكن أن يكون قد بعث رسوله صلى الله عليه وسلم لهذه الغاية.

وليتأمل المنصف حال الذين دخلوا في دين الإسلام في عصرنا من ثقافات مختلفة، وكيف أن الخطاب القرآني وما فيه من البراهين التي تخاطب العقل والوجدان كانت هي التي حملهتم على قبول الإسلام والرضا به دينا من بين جميع الديانات التي شابها من التحريف والتشويه ما أخرجها عن الأصل الذي كانت عليه، وما المتوقع من حالهم لو تمت دعوتهم إلى الإسلام بتوسط مقدمات كلامية أصبحت في علوم العصر من النظريات البالية، وتركت مع ما ترك من موروث الفلسفة اليونانية الوثنية.

والبلاء الوبيل أن هذه الأصول الفاسدة المخالفة لمحكمات الدين ومعهود الخطاب الفطري المعقول لم تبق محصورة فيما أحدث في الإسلام من كتب علم الكلام والتصوف، بل قد انتشرت في كثير من التفاسير وشروح الأحاديث مما هو عائق عن فهم الدين على الوجه الذي أراده الله تعالى، وانحراف عن حقيقة البلاغ النبوي الذي هو حجة الله على الناس أجمعين، وأنه لابد لتجديد الدين وإحيائه من كشف بطلان هذه الأصول الفاسدة وإظهار المعاني الصحيحة للنصوص، وبيان أن ذلك هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما أثر عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما تواتر عليه الفهم والعمل من العلماء المعتبرين الذين لم يقعوا في تلك الشذوذات والشبهات، وأن من أراد السلامة لدينه فليس له إلا أن يتمسك بطريقتهم، ويبقى على الأصل الذي به نزل الخطاب وقامت به الحجة على المخاطبين، ويحذر من كل ما يخالف ذلك.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#دين-الصبي
اقرأ أيضا
أعمال القلب وأعمال الجوارح | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

أعمال القلب وأعمال الجوارح


إن الله تعالى رب القلوب والألسن وليس رب القلوب فقط والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وهذا الحديث يفسد كل دعوى يدعيها بعض الناس إذا نصحته في أمر من الأمور مما أتى الله به قال لك: التقوى هاهنا وهي كلمة حق أريد بها باطل والكلمة قد تكون حقا في مدلولها العام لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنى باطلا

بقلم: ابن عثيمين
438
الديمقراطية والاستبداد: الأصل المشترك | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف الديمقراطية

الديمقراطية والاستبداد: الأصل المشترك


يبدو أن الديمقراطية والاستبداد بينهما أصل مشترك والشعب الذي يقدر على تحقيق النظام الديمقراطي عن طريق الانتخاب يقدر أيضا على تحقيق النظام الاستبدادي بنفس الطريق وبين يديكم مقتطف من كتاب مشكلات الديمقراطية يدور حول هذه النقطة ويقف بنا الكاتب على رؤية أفلاطون للنظام الديمقراطي وكيف يمكن أن ينشأ الاستبداد والديمقراطية من منبع واحد ومصدر واحد

بقلم: خالد العبيوي
591
حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج2 | مرابط
تفريغات

حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج2


بين يديكم تفريغ لجزء من محاضرة للدكتور راغب السرجاني يدور حول الاجتياح المغولي للعراق والذي يعتبر من أبرز الأحداث في تاريخنا الإسلامي حيث يحمل الكثير من المآسي والعبر والدروس التي يجب أن نتعلمها فيما يخص تعامل المسلمين مع الأعداء

بقلم: راغب السرجاني
660
إضاءة في سبيل العلم وطلبه | مرابط
مقالات

إضاءة في سبيل العلم وطلبه


هل جربت يا طالب العلم قبل كل كتاب تقرؤه أو درس تحضره أو مادة تسمعها أن تتضرع إلى الله وتسأله أن يبارك لك في هذه القراءة وهذا الدرس وأن يفتح على قلبك وأن ييسر لك سبيل العلم النافع وأن لا يكلك إلى نفسك وأن يجعل ذلك كله سبيلا إلى رضوانه.

بقلم: د. طلال الحسان
933
نحن المسلمين | مرابط
فكر مقالات

نحن المسلمين


لا نهن ولا نحزن ومعنا الله ونحن نسمع كل يوم ثلاثين مرة هذا النداء العلوي المقدس هذا النشيد القوي: الله أكبر البطولة سجية فينا وحب التضيحة يجري في عروقنا لا تنال من ذلك صروف الدهر ولا تمحوه من نفوسنا أحداث الزمان لنا الجزيرة التي يشوى على رمالها كل طاغ يطأ ثراها ويعيش أهلها من جحيمها في جنات

بقلم: علي الطنطاوي
1439
خطر الكسل المعرفي | مرابط
مقالات ثقافة

خطر الكسل المعرفي


كثير من الشباب لديه كسل معرفي رهيب فتراه يبادر إلى تبني أفكار كثيرة بمجرد أن يسمع بكلمة دليل أو عقل!! ولو كلف نفسه بالبحث قليلا أو بسؤال عدد من أهل الخبرة لأدرك بأن كثيرا مما يسمى دليلا وعقلا هو مجرد كلام فارغ لا قيمة له.

بقلم: د. سلطان العميري
479