عن نتائج الثانوية العامة والجامعات

عن نتائج الثانوية العامة والجامعات | مرابط

الكاتب: كريم حلمي

431 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

- مفاهيم النجاح والفشل والتفوق والتعثر من أكثر المفاهيم تشوهًا في زماننا هذا، ومن أكثرها استعمالًا في تشييء الإنسان وتسليعه، وتحويله من إنسان إلى آلة بنحطلها benchmark للأداء الآلاتي الجامد بتاعها، وبعدين نلزق عليها label فيه سعرها مقابل هذه الأرقام، أو حتى ماركتها.

- اختزال مستقبل شاب وإمكاناته وطاقاته وذكاءاته وأحلامه وتقديره لذاته واحترام الآخرين له - بما فيهم أهله - في رقم مصمت ميت قائم على قياس حاد غالبًا وإضفاء كل هذه القدسية عليه = تقزيم شديد للنفس الإنسانية وإساءة لها، هذا لو سلّمنا أصلًا عدالة التقييم وصحة أساسه، وافترضنا قبل ذلك كله أن الرحلة التعليمية السابقة على هذا التقييم مكنتش هي نفسها عامل من عوامل هذا المشهد الختامي البائس.

- الأمر ينطوي على اختزال أسوأ إلا من حيث كون المستقبل أثمن من الماضي، وهو اختزال الوالدية في هذا الرقم البائس، وهذا الاختزال الذي يفعله الآباء بأنفسهم، عندما يختزلون في هذا الرقم تعبهم في تربية أبنائهم وإنفاقهم عليهم وآمالهم فيهم وثقتهم بهم (يا خسارة تعبي وشقايا! / خيّبت أملي فيك / ...) أو حتى عكس هذه العبارات (تعبي وشقايا جهم بفايدة / أملي فيك في محله / رفعت راسي / ...)، وأنا أتكلم عن هذه العبارات من حيث هي عقيدة، مش مجرد تشجيع ودعم.

- التعليم الدنيوي بدأ في الأمم الناهضة وسيلةً، وانتهى في الأمم الراكدة إلى غاية، (خد يا ابني الشهادة وعلّقها بعد كده مش مشكلة / المهم توصل بس لحرف الدال، حرف الميم، حرف العين، الهمزة على السطر، الحقلك أي حرف وخلاص)، شهادات معلقة أو نياشين وبادجات، وأدوات لتسعير الإنسان أرقى قليلًا من التسعير الحرفي بما يملكه من مال، أو قد تكون أدوات تسعير بديلة (أو مقاومة) في الطبقات المادية المتوسطة وما دونها، أو تعويض قيمي عن غايات قتلها الفساد فلم تعد ذات معنى، وعمومًا كده كده مع السيولة الطبقية الحاصلة ومع التوحّش الرأسمالي المستمر معدش فيه داعي لده وراجعين للتسعير المادي الحرفي.

- مفهوم كليات القمة وما يحتف به من مظاهر اجتماعية = منكوس عقيم متخلف، وله ارتباط كبير كذلك بالنظرة المادية للإنسان والحضارة والنهضة، وإلا فإن المجالات الأدبية وما يندرج تحتها من العلوم الإنسانية (التي تُعامل كمجالات درجة ثانية أو ثالثة) هي من أهم المجالات التي تحتاج إليها الأمة احتياجًا شديدًا، وهذه المجالات نفسها تحتاج إلى أشد عقول الأمة ذكاءً، وأعظمها إبداعًا، وأوسعها ثقافة، وتحتاج إلى دعم لهم وبذل في البحث العلمي في هذا الاتجاه (أو أي اتجاه، أي حاجة) بدل م إحنا عايشين على فُتات المستشرقين وأشباههم .. وأي ملاحظة حول تدهور المستوى العلمي والثقافي والإنتاجي (نسبيًا) في هذا المجال فهذا لا يدل إلا على الخيبة المجتمعية التي نحياها، فنحن من صنعنا منها كليات ميتة، يدخلها الطالب مضطرًا غالبًا ليجد جوًا مريضًا يليق بكلية (ملهاش مستقبل) في المعجم العرفي للمجتمع.

- هذا النظام المعقد المقدس ألقى بظلاله الثقيلة جدًا على حياة شباب الأمة في أعظم مراحل حياتهم الإنتاجية .. رقمك هيحدد مكانك غالبًا ولو كنت جايب 100% (اللي هو أعلى حاجة ممكن تلحقها بغض النظر إيه هي) بغض النظر عن اللي تحتاجه الأمة أو المناسب لإمكاناتك وشخصيتك وقدراتك .. ثم مرحلة من التوهان والتعسفات وبعض العقد النفسية والنظام التعليمي الفاشل غالبًا وأسئلة (أنا إيه اللي جابني هنا؟!) و(ماذا بعد؟!) .. قرار كبير في مرحلة عمرية مبكرة والهالة المقدسة اللي حواليه – بالإضافة للبيروقراطية العقيمة - بتصعب التراجع المرن عن القرار ده وتبديل مجال الدراسة أو حتى وجود مجال نظامي موازٍ .. نفس مبدأ خد الشهادة، علقها ع الحيط، ثم بيع بليلة في المكان اللي تحبه.

- لا حلول كاملة في وسط غير كامل، الأمر أكثر تعقيدًا من أن يُحل بكلمتين ومجموعة توجيهات، وله جذور عميقة في بنيتنا الاجتماعية ممتدة إلى أزمات أخرى أعمق، لكن يكفي شرف (المقاومة)، ومحاولات الإصلاح في أي دوائر متاحة مهما كانت صغيرة، والوعي بالأزمة خطوة مهمة في التعامل معها.

- غالبًا طلاب الثانوية العامة مش هيوصلوا للنقطة دي من المنشور مع الكلام الكبير للي فات، بس اللي وصل منهم أنا بأحييه أولًا ..

وبأقول له ثانيًا:

  • على الرغم من كل التعقيدات = اشتغل قدر الإمكان في مساحة المتاح..
  • الثغور التي تعقد الأمة آمالها عليك في سد بعضها = كثيرة جدًا، ومتوزعة في كل مجال ممكن تتخيله
  • بغض النظر هتضطر تدخل إيه في النهاية، طالما كده كده متدبس فيه = فحاول تستكشف أهمية المجال ده وعمقه والأدوات اللي ممكن تحصلها من خلاله وتقدر توظفها في مشروع إصلاحي (زمان - على أد عقلي - مكنتش شايف أي أهمية حقيقية لمجال زي الجغرافيا مثلًا لغاية م تعرفت على جمال حمدان في ثانوي وإزاي الجغرافيا اتوظفت بالشكل ده في مشروع فكري جيد وكنت مبهور إن ده ممكن يطلع من الجغرافيا وحقول السافانا وخراف المارينو وقصب نجع حمادي، وأذكر كذلك انبهاري بكلام الدكتور المسيري عن إزاي دراسته للأدب الإنجليزي من أيام الجامعة ساهمت في صناعة عقليته ومشروعه الفكري، وأمثلة أخرى كثيرة) .. طبعًا ده بغض النظر عن الوضع المحبط الممل الباهت الضعيف اللي ممكن تلاقيه في الجامعة .. لكن مع بعض التعب الخارجي الموازي منك ممكن المكنة تطلع قماش!
  • لازم مع كل ده يكون فيه حد أدنى جيد من المعرفة الدينية الإجمالية، والثقافة العامة والوعي .. هذه الأشياء هي التي تسمح بإنك توظف صح الأدوات اللي بتكتسبها، وتخدم بيها أمتك وقضاياها .. بدل م يكون الموضوع مجرد وظيفة أو معرفة دراسية مركونة ع الرف .. خد ثواب فينا .. أو حتى بدل م يكون الأمر أسوأ وتوظف سهام معرفتك إلى دينك في يوم من الأيام ولو بدون وعي
  • حاول في هذه المرحلة أيضًا تكتسب - وتدعّم - أكبر قدر ممكن من المهارات الجانبية اللي (على أقل تقدير) ممكن تساعدك في توفير غطاء مادي آدمي في بلد معدتش (بلد شهادات صحيح)، خاصة في مجالات الـ freelancing والـ Online part time jobs .. وكذلك المشاركة – ولو بقدر بسيط - في العمل الاجتماعي (الخيري)، وده له – على أقل تقدير - أثر نفسي كبير ودور في بناء الشخصية، ده غير الفريضة الاجتماعية التي ينبغي أن يؤديها الإنسان.
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الثانوية-العامة
اقرأ أيضا
نحن مثلكم ننتقد الدين | مرابط
فكر مقالات

نحن مثلكم ننتقد الدين


في عالمنا الإسلامي -العربي منه وغير العربي- مخلوقات غريبة تريد أن تجمع بين المتناقضات ولا تريد مع ذلك أن يعترض على تناقضها معترض يريدون أن يقولوا لإخوانهم الذين كفروا من أهل الغرب: إنما نحن مثلكم ننتقد الدين كما تنتقدون ولا نلتزم به كما أنكم لا تلتزمون ولا نترك فرصة للسخرية منه ومن المستمسكين به إلا اهتبلناها كما تهتبلون ونرى كما ترون أنه من حق الأديب والفنان أن ينتقد قيم المجتمع ومعتقداته ويدعو إلى نبذها لأنه لا يكون أديبا أو فنانا مبدعا إلا إذا فعل كل هذا بحرية كاملة كما تفعلون

بقلم: الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس
748
الهجرة النبوية نقطة تحول في التاريخ الإنسان ج3 | مرابط
تاريخ تعزيز اليقين

الهجرة النبوية نقطة تحول في التاريخ الإنسان ج3


إن التأمل والتدبر في تفاصيل الهجرة النبوية المباركة يجعلنا نتيقن وبما لا يدع مجالا للشك أن الهجرة النبوية كانت حدثا حاسما في الدعوة المحمدية أرست الأسس والنواة الصلبة لدولة الإسلامية الناشئة كما حملت لنا عبرا ودروسا وافرة نستفيد منها ونستجلي منها قيما وأخلاقا حميدة وبين يديكم مجموعة من الفوائد والدروس والمآثر من وحي السيرة

بقلم: علي الصلابي
859
أسباب الانحراف.. وشبهة كبت الشباب | مرابط
أباطيل وشبهات

أسباب الانحراف.. وشبهة كبت الشباب


فدائما ما نسمع أن الكبت في المجتمع المسلم والتضييق على الحريات -كما يقولون- ومنع الاختلاط بين الجنسين كل هذا أدى إلى جعل كثير من الشباب يتحرشون بالنساء في الأسواق والأماكن العامة ويسعى إلى تكوين علاقات محرمة مع النساء التي يتمكن من إيقاعهن في فخ العلاقات المعلوم! وبين يديكم تفنيد لهذه الشبهة

بقلم: حمود بن ثامر
423
مختصر قصة التتار الجزء الثالث | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء الثالث


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1338
لماذا نصوم الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

لماذا نصوم الجزء الثاني


لقد عرفنا الكثير من موجبات صيامنا ومقتضياتها وأول موجب للصيام: أن صيام رمضان قاعدة من قواعد الإسلام الخمس فمن قال: لا أصوم جاحدا منكرا لما شرع الله فقد أسقط بناء الإسلام ولم يبق له حظ فيه كمانع الزكاة الجاحد لفرضيتها وكتارك الصلاة الجاحد لفرضيتها فالكل يكفر والعياذ بالله إذا نصوم لتلك الفضائل التي اشتمل عليها الصيام والميزات العظيمة التي ينالها المؤمنون في الدنيا والآخرة

بقلم: أبو بكر الجزائري
760
عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج1


فقبل أن نتكلم عن هجمة الغرب على أحكام الإرث في الإسلام لا بد أن نعرف تاريخ المرأة مع الإرث في المجتمعات والأديان الأخرى فقد كانت حالتها حالة مؤلمة كانت المرأة لا ترث في اليهودية عند وجود إخوة لها من الذكور وعند الصينيين واليابانيين لا ترث شيئا فيما مضى وعند النصارى لا يحق لها أن تملك المال بصفة مستقلة وكانت بعض القوانين الأوروبية إلى وقت قريب لا تورث المرأة وهذه المحاضرة فيها استعراض لعظمة الإرث في الإسلام واستعراض سريع لأبرز الشبهات المثارة حول ذلك

بقلم: فهد بن سعد أبا حسين
482