فضيلة شهر شعبان

فضيلة شهر شعبان | مرابط

الكاتب: عبد الله بن ناصر السلمي

336 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:

فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهتم بشهر شعبان ما لا يهتم بغيره؛ ولهذا روى النسائي والإمام أحمد من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! رأيتك تكثر من صيام شعبان أكثر من صيامك شهر رجب، فقال: صلى الله عليه وسلم: ذاك شهر بين رجب ورمضان وهو شهر تغفل الناس عنه، وهو شهر أحب أن أصوم فيه، وهو شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).

 

فدل اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بصيام شعبان على أنه أفضل من صيام رجب؛ ولهذا قال أهل العلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهران، أولهما: شهر الله المحرم كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)، وثانيهما شهر شعبان، وذلك لقول عائشة رضي الله عنها و ابن عباس: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا من شهر بعد رمضان من شهر شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلًا)، وقد جاء في حديث أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله).

 

وقد اختلف العلماء هل يستحب صيام شعبان كله أم يصام فيه بعض الأيام حتى لا يشبه رمضان؟ فذهب عبد الله بن المبارك و سفيان وروي عن أحمد أنه لا ينبغي أن يصام شهر شعبان كاملًا. وأما ما جاء في قول عائشة: (كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلًا)، فإن عبد الله بن المبارك أشار إلى أن العرب تقول: كان فلان يصوم شهرًا كاملًا، ويريدون من ذلك بعض الأيام؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلًا.

 

وأما ما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله)، فإن أهل العلم يقولون: إنه محمول على أن أم سلمة روت بما تظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم، أو أن أم سلمة رضي الله عنها إنما أخذت بلغة العرب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله وتقصد إلا يومًا أو يومين. وإذا ثبت هذا فإن استحباب صيام شعبان متأكد تأكيدًا شديدًا سواء صام المسلم أوله أو وسطه، ما دام أنه يقصد صيام شعبان.

 

إذا انتصف شعبان

أما ما جاء في الحديث الذي رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، فهذا الحديث حاول الإمام ابن حبان أن يصححه، وأن يجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، وكذلك حاول الشيخ الألباني، فقالوا: إن المقصود أن من كان يصوم أول شعبان ثم جاء منتصف شعبان وهو يصوم فلا حرج عليه أن يصوم؛ لأنه غير مخاطب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلًا)، وأما من ابتدأ الصيام فإنه لا ينبغي إذا انتصف شعبان أن يبتدئ الصيام، وهذا بناء على تصحيحهم لحديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة.

 

والصحيح -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- أن هذا الحديث ضعيف وإن كان ظاهره الصحة، فإن العلاء من رجال مسلم، لكن الإمام أحمد و ابن رجب و الأثرم والطحاوي وغيرهم أشاروا إلى أن الحديث منكر، وأن الأحاديث الصحيحة تخالفه؛ فإنه قد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه).

 

ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه لا يُتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، لكنه لو أراد أن يتقدم بأكثر من ذلك جاز له ذلك، كما أشار إلى ذلك الإمام الأثرم وغيره، وقد حاول بعضهم أن يقول: إن الحديث منسوخ. والصحيح أن الحديث ضعيف، وإذا ثبت هذا فإننا نقول للناس: يشرع لكم أن تصوموا شعبان، سواء ابتدأتم صيامه من أوله أو من وسطه أو من ثلثه أو من الثلث الأخير شريطة أن لا يكون ذلك قبل رمضان بيوم أو يومين؛ لأجل أن لا يدخل من رمضان ما ليس فيه، وإذا ثبت هذا فإن شعبان فيه فضيلة وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه.

 

ليلة النصف من شعبان

السؤال الذي يُطرح كثيرًا: هل في ليلة النصف من شعبان فضيلة؟

أشار أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم إلى اختلاف أهل العلم في فضل ليلة النصف من شعبان؛ وذلك بناء على الأحاديث والآثار المروية في ذلك، فبعض أهل العلم صححها من المتأخرين والمتقدمين وكان مكحول رضي الله عنه ورحمه يبالغ في ذلك، ويراها فضيلة، بل إن بعضهم كان يرى أن أجر ليلة النصف من شعبان مثل أجر ليلة القدر، كما ذكر ذلك عبد الرزاق عن ابن أبي مليكة أنه حُدث أن زيادًا المنقري النميري كان يقول: إن أجر صيام ليلة النصف من شعبان مثل صيام ليلة القدر، فقال ابن أبي مليكة: لو أني سمعت زيادًا يقول ذلك وبيدي عصا لضربته. مما يدل على أن هذه مبالغة.

 

ولقد ذكر ابن وضاح في كتابه العظيم البدع عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رضي الله عنه أنه قال: لم ندرك أحدًا من علمائنا ولا فقهائنا يذكرون في ليلة النصف من شعبان فضيلة أو عملًا، ولم أدرك أحدًا يقول بقول مكحول، وقال ابن أبي زيد: لم يكن فقهاؤنا يهتمون بها، يعني: من باب العبادة. وقد قال أبو العباس ابن تيمية كلامًا فصلًا في هذا فقال: أما فضلها فقد اختلف فيه، والصحيح مذهب أحمد وغيره أن لها فضلًا. لكن هذا الفضل لا يجوز الاحتفال فيه، ولا تخصيصه بعبادة صيام أو قيام أو غيرها من العبادات، فكونها لها فضل لا يلزم أن يكون لها عبادة تخصها.
 

وقد جاءت أحاديث تدل على فضلها، من ذلك ما جاء عن أبي بكر رضي الله عنه كما عند البزار وغيره، وقد روى ابن ماجه من حديث أبي بكر رضي الله عنه الذي يرويه القاسم بن محمد عن عمه أو أبيه عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل عبد إلا لمشرك أو مشاحن)، وهذا الحديث وإن كان في سنده ضعف، وفيه عبد الملك بن عبد الملك، وقد أشار الإمام البخاري إلى أنه فيه نظر، وأشار الإمام البزار إلى أن فيه ضعفًا، قال: ولما رأيت أهل العلم يتداولونه ويذكرونه ويحتملونه ذكرته، فهذا يدل على أن هذا محتمل.

 

ومما يدل على ذلك أن هذه اللفظة (إلا لمشرك أو مشاحن) جاءت من طرق غير طريق أبي بكر فمن ذلك حديث أبي موسى يرويه ابن ماجه وغيره من طريق مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيغفر لكل عبد إلا لمشرك أو مشاحن)، وإن كان في الحديث انقطاع؛ وذلك لأن مكحولًا لم يسمع من مالك بن يخامر، ولكن الحديث يدل على أن له أصلًا، وقد جاء من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفي سنده أيضًا ابن لهيعة.

 

وأحاديث ليلة النصف من شعبان جاءت عن ثمانية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منها:

الحديث الأول: حديث عائشة وفي سنده ضعف؛ لأن في سنده الحجاج بن أرطأة، وكذلك يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم كـالترمذي و البخاري.

الحديث الثاني: حديث أبي موسى وفي سنده أيضًا ضعف، فإن في سنده الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب لم يسمع من أبي موسى وكذلك فيه ابن لهيعة.

الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفي سنده ضعف. وكذلك حديث أبي بكر وقد مر معنا، وحديث معاذ بن جبل وقد مر معنا، وكذلك حديث أبي ثعلبة وقد مر معنا، وحديث علي بن أبي طالب، وغير ذلك من الأحاديث الواردة.

 

وعلى هذا فإننا نقول: إن ليلة النصف من شعبان فيها فضل بينها الحديث على أن الله يغفر فيها لعباده، لكن ليس فيها ما يدل على تخصيصها بعبادة كما أشار إلى ذلك أبو العباس ابن تيمية في كتابه الفذ اقتضاء الصراط المستقيم، وعليه فالاحتفال ليلة النصف من شعبان لا يجوز، وتخصيصها بعبادة لا يجوز؛ لأن كل عبادة خصصت بزمن أو مكان أو أشخاص فإنها من البدع الإضافية التي يشير إليها أهل العلم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شهر-شعبان
اقرأ أيضا
دلالة الإجماع على حجية السنة | مرابط
تعزيز اليقين

دلالة الإجماع على حجية السنة


إن المتأمل في كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وفي طريقة أصحابه ومن اتبعهم وفي مذاهب أئمة الإسلام وفقهائهم ومفسريهم ومؤرخيهم لا يشك في أن عدم اعتبار السنة حجة لمن أولى ما يدخل في قول الله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولىالنساء:١١٥ الآية

بقلم: أحمد يوسف السيد
2764
اللغة الشاعرة هي اللغة العربية. | مرابط
لسانيات

اللغة الشاعرة هي اللغة العربية.


وتظل اللغة العربية بعد ذلك أوفر عددا في أصوات المخارج التي لا تلتبس ولا تتكرر بمجرد الضغط عليها فليس هناك مخرج صوتي واحد ناقص في الحروف العربية وإنما تعتمد هذه اللغة على تقسيم الحروف على حسب موقعها من أجهزة النطق ولا تحتاج إلى تقسيمها باختلاف الضغط على المخرج الواحد كما يحدث في الباء الخفيفة والباء الثقيلة التي يميزونها بثلاث نقط من تحتها بدلا من النقطة الواحدة أو كما يحدث في الفاء ذات النقطة الواحدة والفاء ذات النقط الثلاث v أو كما يحدث في الجيم المعطشة وغيرها.

بقلم: عباس محمود العقاد
453
الروح الدينية والعصبية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الروح الدينية والعصبية


وفإنك لتجد المسلمين يختلفون في كل شيء حتى في الدين نفسه ولا تجدهم إلا شعورا واحدا بالروح الدينية العربية التي مساكها الكتاب والسنة في عربيتهما الفصيحة وهي لا سبيل إلى التغيير أو التبديل فيها لا على وجه التمصير ولا على وجه آخر وسواء أكان في ذلك إصلاح بين العامية والفصحى أو لم يكن

بقلم: مصطفى صادق الرافعي
585
هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر


تقول الشبهة بأن الله لا يغفر أن يشرك به كما جاء في القرآن الكريم ولكن في نفس الوقت غفر الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام عبادته للنجوم فهل فعلا عبد سيدنا إبراهيم النجوم والشمس والقمر كما يزعم صاحب الشبهة وهل وقع هنا أي حالة من حالات الشرك هذا ما يناقشه المقال ويوضح مكامن الخلل في هذه الشبهة السخيفة

بقلم: محمد عمارة
2017
إشكالية المصطلح النسوي | مرابط
اقتباسات وقطوف النسوية

إشكالية المصطلح النسوي


تظهر إشكالية المصطلح النسوي فيما يتعلق برخاوة الدلالة كحال مصطلح الأدوار النمطية والمقصود به طريقة توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة فهناك ضبابية شديدة في استعمالاته ويستعمل بدون ضبط لدلالاته والسبب في ذلك أنه لا يمكن ضبط دلالته بشكل دقيق

بقلم: د خالد عبد العزيز
695
تعلمت من أوقات الفراغ | مرابط
فكر مقالات

تعلمت من أوقات الفراغ


أوقات العمل تملكنا ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد فهي من أجل هذا ميزان قدرتنا على التصرف وميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة فالذي يعرف وقته يعرف قيمة حياته ويستحق أن يحيا وأن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهب لأن مالك وقته يملك كل شيء ويصبح في حياته سيد الأحرار

بقلم: عباس محمود العقاد
4950