لماذا لا نستمتع بالنعم

لماذا لا نستمتع بالنعم | مرابط

الكاتب: د إياد قنيبي

2381 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

تمر سنوات من حياتنا تجتمع لنا فيها أسباب كثيرة للسعادة، لكننا إن سألنا أنفسنا: هل نحن سعداء؟ فقد يأتي الجواب من أعماقنا: لست متأكدًا

 

هناك طموحات وتطلعات تشغل بالك لم تتحقق بعد.. تصبح هي محط تركيزك، أما ما اجتمع لديك من أسباب السعادة فقد فَتَرَ في حسّك وبهتت ألوانه وأصبح كالخلفية الجامدة غير المهمة في الصورة التي ينقصها محط تركيز العدسة، وهو هذه الطموحات التي لم تتحقق بعد.

 

أدوات تذوق النعم

 

كما يصدأ الحديد فإن أدوات تذوق النعم المركوزة في نفوسنا تصدأ.. لذا فإن الله تعالى يذكرنا في مواضع كثيرة بهذه النعم التي فترت في حسنا ولم تعد تعني لنا شيئًا:

"أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً"

"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ"

وآيات كثيرة عن السمع والبصر والمسكن والملبس والطعام والشراب والنار والمعادن والنوم والبعث بعده والأزواج والأولاد وغيرها..

 

عدم الاستمتاع بالنعم

 

آيات كثيرة، حتى لا نزدري نعمة الله وننساها، لكننا مع هذا التذكير الإلهي قد لا نستمتع بهذه النعم، ليس الحديث هنا عن التفكير بمشاكل المسلمين والتألم لألمهم، فهذا مطلوب بالقدر الذي يدفع إلى العمل بإيجابية لمساعدتهم ونصرتهم.

 

وليس الحديث عن تنغيص العيش بظلم الظالمين الذين يفسدون علينا حياتنا ويسعون في الأرض فسادًا، فهذا التنغص لا بد منه، وينبغي أن يدفعنا إلى إصلاح أوضاعنا بعمل دؤوب، والقضاء الواحد تسخط على الظالم فيه وترضى عن الله وتستعين به على مدافعة هذا الظلم.

 

لكن الحديث هنا عن فقدان القدرة على تذوق النعم، والشعور بمنة الله علينا فهيا، وهذا داء يصيب النفس بغض النظر عن الاهتمام للمسلمين والتكدر بإفساد الظالمين.

 

هذا الداء جزء من ظواهر نفسية يعرفها المعالجون النفسيون بال Congnitive Distortion، أي التشوّه المعرفي، ويسمون هذه الظاهرة بالذات: Mental Filter، أي الفلترة الذهنية، وهي عدم قدرة الفرد على ملاحظة النواحي الإيجابية في حياته بسبب انشغال ذهنه بمعكر بسيط نسبيًا، كمن لا يرى إلا خللا بسيطًا في ثوب جميل نافع. هذه إخواني ظاهرة غير صحية تحتاج علاجا، لكنها في الواقع قد تكون موجودة لدى أكثرنا.

 

إذا لم يفلح أحدنا في تذوق نعم الله عليه وقدرها حق قدرها فقد يبتليه الله تعالى بفقدان أحد هذه النعم، والسعيد حينئذ من اتعظ ونبّهه فقدان هذه النعمة إلى أن هناك أشياء كثيرة في حياته لا زال يمتلكها تستوجب شكر الله وتستحق أن نكون بها سعداء.

 

 

قيمة البلاء

 

يأتي البلاء ليزيل الصدأ عن أدوات استشعار النعم المركوزة في فطرتك وينظفها ويعيد للحياة رونقها ويضفي عليها ألوانا بهيجة من جديد، بعد أن كانت خلفية باهتة رتيبة لا لون فيها! بعد أن كانت الفلترة الذهنية تشغلك عنها وتغض من قيمتها وتعكر رونقها بالتطلع إلى ما لم يتحقق بعد من طموحات.. يأتي البلاء ليعلم الإنسان فن تذوّق النعم!

 

كانت النعم لديك وفيرة، لكن قدرتك على تذوقها ضعيفة، فلم تحفل بها وتسعد كما يجب. قد تقل النعم بالبلاء الذي أفقدك مالًا أو جاهًا أو صحة أو غيرها، لكن إن كنت من أهل الرضا وحسن الظن بالله وتأمل حكمته فإنك ستتنبه بالبلاء إلى الكثير الذي بقي لديك وتستحي من الله أنك لم تقدر نعمته عليك من قبل، فتكتسب فن تذوق النعم وتسعد بها وتطمئن.

 

نسأل الله أن يجعلنا من عباده الذين يُرزقون العافية ويشكرون

 

خلاصة هذه المحطة:

 

البلاء وإن كان يحرمك من بعض النعم،
لكنك تستطيع تحويله إلى سبب
لتذوق النعم الباقية التي بهتت في حسك
وشكر الله عليها

 


 

المصدر:

  1. د. إياد قنيبي، حسن الظن بالله، ص137
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حسن-الظن-بالله #شكر-النعم
اقرأ أيضا
الحكمة من جعل الصلاة على النبي تفريجا للكربات | مرابط
تعزيز اليقين

الحكمة من جعل الصلاة على النبي تفريجا للكربات


لقد خلق الله النبي صلى الله عليه وسلم وصنعه على عينه واصطفاه اصطفاء جديرا بأن يكون له ما لم يكن لغيره لا من جهة خصه بإعلاء اسم الله تعالى وإظهار دينه والعمل بشريعته فقط.. بل أيضا من جهة المحبة واللطف والعناية التي لا توازيها محبة ولطف وعناية..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
376
شبهات حول المرأة الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

شبهات حول المرأة الجزء الثاني


يمكن القول بأن الجاهلية جمعت شبهاتها حول الشريعة في المرأة وقد انعكست الطبيعة العاطفية لهذه القضية على هذه الشبهات مما ساهم في طرحها على سرعة التفاعل معها وخصوصا عندما تكون الأحكام الشرعية في الأساس غير مرهونة بمعرفة العلة العقلية منها ومن هنا كانت مواجهة شبهات الكافرين والمنافقين حول المرأة في حقيقتها مواجهة لأبعاد أساسية في قضية الشبهات الجاهلية حول الشريعة الإسلامية وليست مجرد شبهة واحدة كغيرها من الشبهات

بقلم: رفاعي جمعة
1802
الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الرابع


فتى بريطاني يرفع دعوة على أمه ليتلقى منها وقتا كافيا توجه إلى المحكمة يرفع قضية على أمه لأنها لا تجلس معه وقتا كافيا تذهب خارج البيت وتتركه وأقر القاضي فعلا أن الحق معه وألزم الأم بالبقاء مع الطفل حتى الأساسيات غير موجودة عندهم فليس هناك حضانة ولا حق في الرضاعة يعطى للطفل ولا حنان يرتضعه يترك ويرمى ويهمل

بقلم: محمد المنجد
648
فلسفة الزواج | مرابط
المرأة

فلسفة الزواج


إن العلاقة الوثيقة والحب العميق بين الرجل والمرأة ليسا ناشئين عما تتطلبه الحياة الدنيا من الحاجات فحسب فالمرأة ليست صاحبة زوجها في حياة دنيوية وحدها بل هي رفيقته أيضا في حياة أبدية خالدة. فما دامت هي صاحبته في حياة باقية فلا ينبغي لها أن تلفت نظر غير رفيقها الأبدي وصديقها الخالد إلى مفاتنها ولا تزعجه ولا تحمله على الغضب والغيرة.

بقلم: بديع الزمان النورسي
226
ليست السنة كلها تشريعا ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ليست السنة كلها تشريعا ج2


إن تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية يمكن قبوله كإجراء فني اصطلاحي لفرز طبائع التصرفات النبوية وما يتصل بها من أحكام لكن المشكلة هو في تحقيق طبيعة الحدود الفاصلة بينهما وتحريك تلك الحدود ليخرج بعض ما كان محلا للتشريع عن أن يكون كذلك فليس صحيحا أن تخرج تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم من إطار الشريعة بذريعة صدور الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بتعدد أدواره الحياتية وإنما المحكم في تحديد ما يدخل في إطار التشريع منها وما يخرج هو الشريعة نفسها والتي كشفت عن هذه المسألة بدقة ووضوح

بقلم: عبد الله العجيري وفهد بن صالح العجلان
712
الإمبريالية والإنسان الاقتصادي الجسماني | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإمبريالية والإنسان الاقتصادي الجسماني


تقوم الإمبريالية النفسية من خلال الإعلام بترويج صورة الإنسان الاقتصادي الجسماني وهذا يتضح بجلاء في الإعلانات التليفزيونية هدف الإعلان التليفزيوني اقتصادي استهلاكي بيع سلعة ما ولكنه يوظف الجنس للترويج لهذه السلعة أي أن الإمبريالية النفسية لا ترى الإنسان إلا من خلال هذين البعدين الاقتصادي والجنسي

بقلم: عبد الوهاب المسيري
497