لماذا لا نستمتع بالنعم

لماذا لا نستمتع بالنعم | مرابط

الكاتب: د إياد قنيبي

2544 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

تمر سنوات من حياتنا تجتمع لنا فيها أسباب كثيرة للسعادة، لكننا إن سألنا أنفسنا: هل نحن سعداء؟ فقد يأتي الجواب من أعماقنا: لست متأكدًا

 

هناك طموحات وتطلعات تشغل بالك لم تتحقق بعد.. تصبح هي محط تركيزك، أما ما اجتمع لديك من أسباب السعادة فقد فَتَرَ في حسّك وبهتت ألوانه وأصبح كالخلفية الجامدة غير المهمة في الصورة التي ينقصها محط تركيز العدسة، وهو هذه الطموحات التي لم تتحقق بعد.

 

أدوات تذوق النعم

 

كما يصدأ الحديد فإن أدوات تذوق النعم المركوزة في نفوسنا تصدأ.. لذا فإن الله تعالى يذكرنا في مواضع كثيرة بهذه النعم التي فترت في حسنا ولم تعد تعني لنا شيئًا:

"أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً"

"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ"

وآيات كثيرة عن السمع والبصر والمسكن والملبس والطعام والشراب والنار والمعادن والنوم والبعث بعده والأزواج والأولاد وغيرها..

 

عدم الاستمتاع بالنعم

 

آيات كثيرة، حتى لا نزدري نعمة الله وننساها، لكننا مع هذا التذكير الإلهي قد لا نستمتع بهذه النعم، ليس الحديث هنا عن التفكير بمشاكل المسلمين والتألم لألمهم، فهذا مطلوب بالقدر الذي يدفع إلى العمل بإيجابية لمساعدتهم ونصرتهم.

 

وليس الحديث عن تنغيص العيش بظلم الظالمين الذين يفسدون علينا حياتنا ويسعون في الأرض فسادًا، فهذا التنغص لا بد منه، وينبغي أن يدفعنا إلى إصلاح أوضاعنا بعمل دؤوب، والقضاء الواحد تسخط على الظالم فيه وترضى عن الله وتستعين به على مدافعة هذا الظلم.

 

لكن الحديث هنا عن فقدان القدرة على تذوق النعم، والشعور بمنة الله علينا فهيا، وهذا داء يصيب النفس بغض النظر عن الاهتمام للمسلمين والتكدر بإفساد الظالمين.

 

هذا الداء جزء من ظواهر نفسية يعرفها المعالجون النفسيون بال Congnitive Distortion، أي التشوّه المعرفي، ويسمون هذه الظاهرة بالذات: Mental Filter، أي الفلترة الذهنية، وهي عدم قدرة الفرد على ملاحظة النواحي الإيجابية في حياته بسبب انشغال ذهنه بمعكر بسيط نسبيًا، كمن لا يرى إلا خللا بسيطًا في ثوب جميل نافع. هذه إخواني ظاهرة غير صحية تحتاج علاجا، لكنها في الواقع قد تكون موجودة لدى أكثرنا.

 

إذا لم يفلح أحدنا في تذوق نعم الله عليه وقدرها حق قدرها فقد يبتليه الله تعالى بفقدان أحد هذه النعم، والسعيد حينئذ من اتعظ ونبّهه فقدان هذه النعمة إلى أن هناك أشياء كثيرة في حياته لا زال يمتلكها تستوجب شكر الله وتستحق أن نكون بها سعداء.

 

 

قيمة البلاء

 

يأتي البلاء ليزيل الصدأ عن أدوات استشعار النعم المركوزة في فطرتك وينظفها ويعيد للحياة رونقها ويضفي عليها ألوانا بهيجة من جديد، بعد أن كانت خلفية باهتة رتيبة لا لون فيها! بعد أن كانت الفلترة الذهنية تشغلك عنها وتغض من قيمتها وتعكر رونقها بالتطلع إلى ما لم يتحقق بعد من طموحات.. يأتي البلاء ليعلم الإنسان فن تذوّق النعم!

 

كانت النعم لديك وفيرة، لكن قدرتك على تذوقها ضعيفة، فلم تحفل بها وتسعد كما يجب. قد تقل النعم بالبلاء الذي أفقدك مالًا أو جاهًا أو صحة أو غيرها، لكن إن كنت من أهل الرضا وحسن الظن بالله وتأمل حكمته فإنك ستتنبه بالبلاء إلى الكثير الذي بقي لديك وتستحي من الله أنك لم تقدر نعمته عليك من قبل، فتكتسب فن تذوق النعم وتسعد بها وتطمئن.

 

نسأل الله أن يجعلنا من عباده الذين يُرزقون العافية ويشكرون

 

خلاصة هذه المحطة:

 

البلاء وإن كان يحرمك من بعض النعم،
لكنك تستطيع تحويله إلى سبب
لتذوق النعم الباقية التي بهتت في حسك
وشكر الله عليها

 


 

المصدر:

  1. د. إياد قنيبي، حسن الظن بالله، ص137
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حسن-الظن-بالله #شكر-النعم
اقرأ أيضا
فصل ما بيننا وبين المبتدعة | مرابط
اقتباسات وقطوف

فصل ما بيننا وبين المبتدعة


واعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الاتباع والمأثور تبعا للمعقول وأما أهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والمعقول تبع ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي

بقلم: أبو القاسم الأصبهاني
2603
أهمية العلم ولزوم الدليل | مرابط
مقالات

أهمية العلم ولزوم الدليل


ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك: إما على خيال صوفي أو قياس فلسفي. أو رأي نفسي. فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدثنا إلا شبهات المتكلمين. وآراء المنحرفين وخيالات المتصوفين وقياس المتفلسفين. ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل. ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة. وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم.

بقلم: ابن القيم
451
الاعتراف بالذنب | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاعتراف بالذنب


اعتراف المذنب بذنبه مع الندم عليه توبة مقبولة قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه وفي دعاء الإستفتاح الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح به: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت

بقلم: ابن رجب
818
صفات الخوارج في السنة النبوية | مرابط
مقالات

صفات الخوارج في السنة النبوية


الخوارج من الكلمات التي كثر تردادها في الآونة الأخيرة وإطلاقها على بعض الجماعات والتنظيمات بحق وباطل فكان لا بد من وقفة نتبين بها صفات الخوارج كما وردت في السنة النبوية حتى ننزل كل قوم منزلتهم اللائقة بهم حسب قربهم من هذه الأوصاف وبعدهم عنها ولم يأت في السنة النبوية تحذير من فرقة بعينها من فرق هذه الأمة إلا الخوارج فقد ورد فيها أكثر من عشرين حديثا بسند صحيح أو حسن وما ذلك إلا لضررهم الجسيم على الأمة والتباس أمرهم على الناس واغترارهم بهم إذ ظاهرهم الصلاح والتقوى ولأن مذهبهم ليس قاصرا على الآ...

بقلم: الشيخ عمار الصياصنة
1214
لماذا يشاهد الأطفال التليفزيون | مرابط
ثقافة

لماذا يشاهد الأطفال التليفزيون


إن الأطفال مع تسليتهم بهذا الجانب المسلي من التليفزيون فإنهم يجدون عناء كبيرا في التمييز بين الحقيقة والخيال بسبب فهمهم الضيق للعالم إنهم إذن أكثر هشاشة من الراشدين فضلا عن ذلك فإن تأثيرات العائلة والمحيطين بهم والمدرسة والتليفزيون -كل هذه التأثيرات تمارس عليهم- ولا يستطيع الأطفال بسهولة فرز المعلومات التي تأتي عن طريق كل واحدة من هذه السياقات المختلفة

بقلم: جون كوندري
524
نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس


وكنت أخبرتك أن سيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أبا العباس أحمد بن تيمية -أيده الله وأحسن إليه- أوصاني مرة في سنة ثلاث وسبعمائة وصية بليغة حفظت منها قوله: لا تقصد رضا الناس بأقوالك ولا أفعالك: فإن رضا الناس غاية لا تدرك اليوم إن ترض الناس يشكروك وفي غد تسخطهم يذموك

بقلم: ابن الحبال البعلي
952