فقه الواقع: بين النسوية والدعاة

فقه الواقع: بين النسوية والدعاة | مرابط

الكاتب: أسامة لعايض

159 مشاهدة

تم النشر منذ 6 أشهر

بعض الدعاة والشيوخ يخدمون النسوية وإن ادعو محاربتها، كما خدم عدنان إبراهيم الإلحاد وسأشرح كيف:

نموذج عدنان والإلحاد

عدنان إبراهيم دجال، ولكن لنفترض لوهلة أنه كان حسن النية وصادقا في طرحه. نلاحظ أن عدنان إبراهيم كان له ردود على الملاحدة، وبعض الدعاة استحسنها فعلا. ولكننا لم نسمع بكثير من الملاحدة اهتدو بسبب ردود عدنان إبراهيم، بل على العكس، سمعنا بشباب كثير ألحدو بسبب استماعهم لعدنان إبراهيم، لماذا؟

معظم الشباب الذين يلحدون تجدهم مصابين ببعض أمراض العصر، كانبهارهم بالغرب، أو تعظيمهم للدنيا فوق كل اعتبار أو تأثرهم بفكرة نسبية الحقيقة وتكافؤ الأدلة، وهذا هو الأغلب فيهم. حيث أن معظم من يلحد، لا تجده يقضي وقتا في التفكر في بعض الأصول كنشأة الكون والإبداع في الكون.... إلخ، بل تلاحظ تأثير أمراضه النفسية في حواراته التي يناقش فيها الفرعيات دائما.

وعدنان إبراهيم كان يزيد من استحكام هذا المرض في خطاباته لأنه هو بنفسه معظم للغرب ولمركزية الدنيا. فيجعل متابعيه معظمين للغرب أكثر مما هم فيه، ويجعل أمور الدنيا عندهم فوق كل عقيدة وكل اعتبار.

زد على هذا طيش الشباب وحب تميزهم وكثرة الشهوات والشبهات التي يتعرضون لها كل يوم، فهذا يزيد من حيرتهم وكثرة تخبطهم.
هذا الشاب، عندما يشاهد خطبة لعدنان إبراهيم، لن يشاهدها ليزداد علما، إنما غرضه الاحساس بالطمأنينة في منهجه عبر التقاط شبهة حول حجية السنة، أو طعن في صحابي، أو إلقاء اللوم على الفقهاء عبر العصور واتهامهم بالتشدد... الخ.

وحتى لو ألقى عدنان إبراهيم، سلسلة محاضرات تأصيلية في الرد على الإلحاد، فإن الشاب الملحد لن يتأثر بشكل كبير بخطاب عدنان إبراهيم، لأن الحقيقة بالنسبة له ولعدنان إبراهيم غير مطلقة، وأن الملحد يمكنه أن يكون خيرا من المسلم ويدخل الجنة، إذ أن الادلة بالنسبة له متكافئة، والنقاش في أصل الوجود عويص، ويعذر فيه الانسان مهما كانت النتيجة التي توصل إليها. أليس عدنان إبراهيم هو نفسه الذي اخترع حوارا خياليا بين ستيفن هوكنغ والله تعالى؟

أليس عدنان إبراهيم هو الذي قال أن لا مشكلة عنده في الترحم على ستيفن هوكنغ ولا يترحم أبدا على سيدنا معاوية بن أبي سفيان؟ فما الفائدة من التأصيل في أمور الإلحاد إذا؟ على الأقل، اذا كنت ملحدا، سيرأف بك عدنان إبراهيم ويبحث لك عن أعذار، أما إذا أسلمت، فأنت معرض للشتم والتهم وجلد الذات الذي يلقيه عدنان إبراهيم في أسماع المسلمين ليل نهار.

الدعاة والنسوية

نرجع لبيت القصيد... المرأة اليوم، متأثرة كما الرجل بمحدثات الثقافة الغالبة، وغالبا، لن تجد امرأة إلا وهي متأثرة بفكرة المساواة مع الرجل إلى حد ما، أو فكرة الاستحقاقية بحيث ترى أن أعظم شيء تمتلكه هو كونها امرأة، وفكرة المظلومية... الخ

فتجدها محملة بالعديد من الأفكار المسبقة وتعتبرها مسلمات، ونظرا لأنها تحب الدين، فهي تحاول أن تجد نقطة اتصال بين تلك الأفكار والشرع، وهنا يأتي دور الداعية الذي لا ينتبه لمداخل العصر، ولا لأمراض الناس النفسية، فلا يستطيع أن يعالج مشاكل الناس بشكل جذري بسببها، هذا إن كان يفهمها أصلا.

فهو عندما يرى مجموعة من النساء يستمعن إليه، يعتقد بسذاجة أنهن جئنه ليتعلمن أمور دينهن مبدئيا، وهذا غير صحيح... المرأة المحملة بأفكار العصر لا تحتاج منك أن تشرح لها الدين كما يجب، بل هي تحتاج منك أن تكلمها عن:

-تكريم الإسلام للمرأة، حتى لو لم تتكلم بالتفاصيل، هي ستتكلف بذلك.
-حقوق المرأة في الإسلام، وتحدث بشكل عام وهي ستتكلف بملئ الفراغات في كل ما يمكن تصنيفه في جانب الحقوق.
-ظلم الرجال للمرأة عبر التاريخ.
-تكلم عن بعض القصص التي كانت فيها المرأة ضحية لبطش الرجل حتى نبرر بها بعض حالات النشوز والطيش.
-تكلم عن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، ليس لتعليم الرجال كيفية التعامل مع زوجاتهم، فالتعدد الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم جريمة، وليس للتعلم من أخلاق أمهات المؤمنين، ولكن لإضفاء صيغة شرعية تمكن المرأة من تأنيب زوجها لعدم موافقته زوج الأحلام الذي صنعته لها المسلسلات.

الأمثلة لا تحصر في هذا السياق ولكن عموما، أغلب النساء اللاتي يتابعن الدعاة، ليس لهن هم في معرفة أحكام المرأة في الإسلام بشكل متجرد، إنما هن يلتقطن ما يحتجنه في حياتهن لإضفاء الصيغة الشرعية على تصرفاتهن دون الشعور بالذنب. ولهذا تجد الواحدة منهن لا تعرف عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تحفظ كل الآيات والأحاديث التي تحض على الحرص على المرأة وحفظ حقوقها. بل تستحضر هذه الأدلة بشكل تلقائي عند الحوارات، لان المسألة بالنسبة لها مشروع عمر وليس نقاشا عابرا كما توهمت أيها الساذج.

ولذلك، الدعاة الذين لا ينتبهون لهذه العقد والأمراض، ولا يهتمون بمعالجتها لا ينتبهون أن خطاب الترغيب والمداهنة الذي يستعملونه لا ينفع إلا في جلب جمهور نسائي ليستفيد من مادته بالشكل الذي يرغب فيه. واذا لم تعجبه مادة، تحول الجمهور إلى داعية آخر.

حتى لو ادعى هذا الداعية أنه يحارب النسوية وأنه سجل موادا في ذلك، فإن هذه المواد عموما لا يكون لها أثر على أرض الواقع. فالمرأة المريضة بداء الاستحقاقية والمظلومية، وإن تكلمت لها عن واجباتها في الإسلام بشكل عام، تستطيع أن تأول كلامك بما يتلائم مع مظلوميتها واستحقاقيتها:

- فهي تشعر أن من الواجب عليها، عذر المجتمع الذي لم يعاملها كأنها ملكة ولم يذقها حياة الترف التي تستحق.
- هي تشعر أن من الواجب عليها الصبر على كون زوجها لا يشبه ألفريدو الذي كانت تتابعه في المسلسل الأخير.
- هي تشعر أن من الواجب عليها السكوت عن بعض الظلم تشعر به كل يوم، الظلم الذي في عقلها طبعا.

هذا يتعلق بالخطاب الدعوي اليوم، وإلا فهناك جانب مهم لا يجب إهماله وهو تراكم أساليب الخطابات الدعوية في القرنين الأخيرين. إذ أن المسلمين غيرو من أساليبهم الدعوية في التعامل مع الجماهير وذلك تأثرا بالإرهاب والضغط الذي وجه إليهم من قبل الغرب وأذناب المستشرقين. وبكثرة الإتهامات بالغلو واضطهاد المرأة التي وجهت إليهم مرارا وتكرارا، اتخذ الخطاب الدعوي موقفا دفاعيا فأصبح الشغل الشاغل لكل الدعاة إظهار تبرئهم من أي فكر يضطهد المرأة أو يتشدد في امرها (من خلال وجهة نظر غربية). وهذه المسألة، يفهمها كثير من الدعاة ولكنهم سرعان ما يقعون في مثلها بدون ان يشعرو بسبب تأثير العوامل الخارجية فيهم. ولهذا فكلامي هذا لا أتهم فيه النيات بقدر ما أتهم فيه فهم الواقع وعدم التنبه للتغيرات المحيطة بالشخص. 

مع أن النيات تلعب دورا مهما في هذا الموضوع، إذ أن كثيرا من المتصدرين تكون لديهم رغبة ملحة في جمع الجمهور وذلك لكي تصل كلمته إلى أكبر عدد ممكن من الناس، ومع المدة تتحول وسيلة التجميع إلى غاية في حد ذاتها فيفتن الداعية بالجماهير ويجد حرجا في معارضة أهواء من يتشوقون لسماع كلامه.

لهذا عندما نقول أن بعض الدعاة يساهمون في نشر النسوية، لا نقصد أنهم يدعمون الفكر النسوي مباشرة أو يتلقون دعما من منظمات نسوية ضرورة، إنما قد يكون داعما لها دون أن يشعر، هذا إن كان سليم النية طبعا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الدعاة
اقرأ أيضا
التربية وضياع الأبناء | مرابط
تفريغات

التربية وضياع الأبناء


جاءني أحد الآباء يبكي بدموع حارة وقد مات ابنه ويريد أن يعرف: هل تسبب هو في ضياعه قال: كان ابني من الصالحين من الذين يحافظون على الصلوات ويحفظون القرآن وفجأة بدأت أحواله تتغير وبدأ يكثر السهر وبدأ يلازم الشارع أكثر من لزومه للبيت وبدأت طباعه تتغير والطيور على أشكالها تقع فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه فكم فاسقا أردى مطيعا حين آخاه

بقلم: خالد الراشد
189
ظلم المنقبات في البيئة المختلطة | مرابط
فكر مقالات المرأة

ظلم المنقبات في البيئة المختلطة


جلست مع بعض قريباتي وطلبت منهن المقارنة بين الدراسة والعمل في بيئة مختلطة وفي بيئة غير مختلطة كنت أستمع لهن وأغذي النقاش فقط بالأسئلة المفتوحة وكنت أدون بعض ما أسمع أعترف لكم أنني ومع كل قراءاتي حول هذا الموضوع فإنني وقفت أمام براهينهن وحججهن والتفاصيل الواقعية التي يذكرنها موقف الجاهل كنت كأنني صحفي يقرأ في المستصفى للغزالي كانت جلسة مبهرة سأعرض هاهنا بعض ماتعلمته منهن

بقلم: إبراهيم السكران
452
أبرز آراء النسوية الراديكالية: إباحة الإجهاض | مرابط
النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: إباحة الإجهاض


إن الغربيين عندما اعتبروا أن المرأة تملك جسدها وهي حرة في التصرف فيه وتهب نفسها لمن تهوى من غير قيم ولا ضوابط إلا رغبتها وميولها الذاتية وأن ذلك فعل فردي شخصي لا يحق للمجتمع أن يقيده ويتدخل فيه عند ذلك زادت حالات الحمل غير الشرعي وأصبحت مشكلة متعددة الأوجه والأبعاد وبدلا من أن يفكر الغربيون بمعالجة أصل الداء وجذره أصبحوا يبحثون عن حلول لأعراضه وكأن الزنا والإباحية أصل لا يمس

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
2044
أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1 | مرابط
فكر مقالات

أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1


يبدو أن موضوع مقاصد الشريعة يحظى باهتمام بالغ في الساحات العربية خصوصا بعد أحداث سبتمبر فالسياسيون اهتموا به لتمرير أجندتهم السياسية والإعلاميون تمسكوا بها لتبرير مخالفة الإعلام للشريعة وكثير من الدعاة تمسك بها من أجل المزيد من المكتسبات سواء لدى عامة الناس أو لدى شرائح الملأ وتولت مقاصد الشريعة مع ظاهرة الخروج عن مألوف الشريعة المعهود لدى المسلمين بحجة نبذ التقليد والعمل بالدليل مهمة تمرير لبرلة الإسلام وعصرنته وكان أخطر ما في الأمر تبني شرائح إسلامية عديدة لهذا الفكر الأصولي الفقهي فكانوا...

بقلم: الدكتور هيثم بن جواد الحداد
1526
محاورة دينية اجتماعية الجزء الرابع | مرابط
مناظرات فكر الإلحاد

محاورة دينية اجتماعية الجزء الرابع


محاورة بين رجلين كانا متصاحبين مسلمين يدينان الدين الحق ويشتغلان في طلب العلم فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوره صاحبه لعله يرجع فأعيته الحيلة في ذلك وعرف أن ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر إلى استئصال الداء ومعالجته بأنفع الدواء وعرف أن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والطرق التي أوصلته إلى هذه الحالة المخيفة وإلى فحصها وتمحيصها و

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1437
افهم حاجتك لرمضان | مرابط
مقالات

افهم حاجتك لرمضان


افهم حاجتك لرمضان في أول الشهر عسى أن تنفض عنك الكسل. فاذكر أن الله قد خلق الإنسان ضعيفا يذنب ويغلبه الهوى والشيطان والنفس. ثم رحم الله المؤمنين ومن عليهم بأعمال إذا عملوها محيت جميع خطاياهم إلا الكبائر فإنما تمحى بتوبة تخصها. وأما بقية الخطايا كلها وهي أكثر تفريط ابن آدم فتمحى بتلك الأعمال. ومن الله على المؤمنين بأن جعل هذه الأعمال هي: واجبات الدين العظمى

بقلم: خالد بهاء الدين
160