
ينقل ابن القيم، رحمه الله، عن بعض المتكلمين أنه قال:
"أفنيت عمري من الكلام أطلب الدليل، وأنا لا أزداد إلا بعدا عن الدليل، فرجعت إلى القرآن أتدبره وأتفكر فيه، وإذا أنا بالدليل حقا معي، وأنا لا أشعر به، فقلت والله ما مثلي إلا كما قال القائل:
ومن العجائب والعجائب جمةٌ قرب الحبيب وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمولقال فلما رجعت إلى القرآن، إذا هو الحكم والدليل، ورأيت فيه من أدلة الله وحججه وبراهينه وبيناته ما لو جُمع كل حق قاله المتكلمون في كتبهم، لكانت سورة من سور القرآن وافية بمضمونه، مع حسن البيان، وفصاحة اللفظ، وتطبيق المفصل، وحسن الاحتراز، والتبيه على مواضع الشبه، والإرشاد إلى جوابها، وإذا هو كما قيل -بل فوق ما قيل-:
كفى وشفى ما في الفؤاد فلم يدع لذي أرب في القول جدا ولا هزلا
وجعلت جيوش الكلام بعد ذلك تفد إلي كما كانت، وتتزاحم في صدري، ولا يأذن لها القلب بالدخول فيه، ولا تلقي منه إقبالا، ولا قبولا فترجع على أدبارها"
المصدر:
- ابن القيم، مفتاح دار السعادة، ص146