كما أنَّ السعادة قرار فكذلك البيئة قرار، فزاوية النظر إلى الأمور المختلفة وطريقة قراءة سلوكيات الآخرين، والتي قد تكون إيجابية أو سلبية هي التي ينشأ عنها الشعور بالسعادة أو الحزن، وتقود الإنسان نحو قرارات صحيحة متَّزنة، او تقوده نحو قرارات تعيسة وطائشة.
لقد قدَّر الله سبحانه على العباد أحولاً قهريةً لم يجعل لهم فيها الخيار وذلك لكمال ربوبيته وقدرته ومشيئته، فليس للعبد أن يختار هيئتَه وملامحَ وجهه، ولا انتقاء والديه ونسبه، ولا أرض ولادته ونشأته، لكن في المقابل منحَه الله تعالى حرية الاختيار بين سبيل الرشد وسبيل الغيِّ، وآتاه مَلَكاتٍ وأدوات تطبيق في الواقع؟ وجعل ذلك مسؤوليةً فرديةً هي مناط التكليف والثواب والعقاب، فيتحمل كلُّ فردٍ تبِعاتِ اختياره وسلوكه بنفسه، فلا يحملُ عن غيره شيئًا كما لا يحمل غيره عنه شيئا.
نعم؛ الإنسان في الحقيقة نتاجُ بيئته العامة، لكن في الوقت ذاته هو من يصنع بيئته الخاصة.
حسبك دليلا على ذلك أنك تجد الشخص الخبيث الشقي في العائلة الطيبة الصالحة، وتجد الشخص المستقيم التقي في العائلة الضالة المنحلة.
من هذا المُنطلق نُدرك أنَّ كل فردٍ هو من يصنعُ بيئتَه الخاصة وذلك باختياره محيطه الخاص به وعالمه الذي يتناسب مع شخصيته وغاياته وطموحاته، فلا يحقُّ له تعليق فشله وانحرافه على فساد بيئته.
أيها المكرم ..
تذكَّر دائما "ولقد جئتمونا فُرادى"، و "كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه"، فأنت الذي تختار ما تسمع وما ترى!! وأنت تختار من تصاحب، وتختار ما تقرأ، وتختار من تتابع من الصفحات والمواقع، وكذلك أنت تختار الشيخ الذي تأخذ عنه دينك، وأنت تختار جامعتك وتخصصك، وتختار مهنتك، ومحل سكنك، كل ذلك سوف يؤثر على قلبك وإيمانك، وتشكيل فكرك ووعيك، ويحدد ملامح شخصيتك، فيكون هو من صنعك، لكن تذكَّر دائما أنك صنعته قبل أن يصنعك، وشكَّلته قبل أن يشكِّلك، فالبيئة قرارك.