للمبتدعة اليد الطولى في ابتلاء العلماء والدعاة

للمبتدعة اليد الطولى في ابتلاء العلماء والدعاة | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

985 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

روى الدارمي في سننه بسند صحيح: عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه قال: (كنا جلوسًا بباب عبد الله بن مسعود بعد صلاة الغداة -بعد طلوع الفجر-، فبينما نحن جلوس إذ جاء أبو موسى الأشعري، فقال: أخرج أبو عبد الرحمن قلنا: لا.

ثم قعد، حتى خرج ابن مسعود فلما خرج اكتتفناه.

فقال أبو موسى: أبا عبد الرحمن! لقد رأيت في المسجد شيئًا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرًا، قال: ماذا رأيت؟ قال: إن عشت فستراه، رأيت قومًا حلقًا حلقًا، يقول واحد منهم: سبحوا مائة، فيأخذون مائة حصاة، ثم يقولون: هللوا مائة، فيهللون مائة، ثم يقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، فقال عبد الله بن مسعود: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وأنا ضامن لهم، ثم رجع إلى بيته فتلثم ودخل عليهم، فإذا به كما قال أبو موسى الأشعري، يراهم حلقًا.

فقال: لقد سبقتم أصحاب محمد علمًا، فكشف عن وجهه وقال: أنا عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا تفعلون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! نسبِّح، قال: تفعلون شيئًا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! والله ما نريد إلا الخير، قال: كم من مريد للخير لا يبلغه، إن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا: (أن أناسًا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم) وأيم الله! لعل أكثركم منهم، فوالله إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة؟! قال راوي الحديث: فلقد رأيت عامة هؤلاء يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج، كانوا يقاتلون علي بن أبي طالب والصحابة، هؤلاء الذين يذكرون الله الآن على المسبحة، إنها كانت في رأي عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري بدعة، -يعني: ضلالة- ونحن نراها مستحبة.

انظر إلى هذا التباين! هؤلاء الصحابة الذين عاينوا الوحي، ونزل عليهم، وسمعوا بلسان النبي صلى الله عليه وسلم الدين، يرونه بدعة، وبيننا وبينهم ألف وأربعمائة عام ونراها سنة وقربة، كان الصحابة يدورون بين السنة والبدعة، ونحن ندور بين بدعة وردة، لا نقيس أنفسنا بأهل المعاصي، ونحن أمرنا أن نقيس أنفسنا بأهل التقوى.

هذه المحنة التي عانى المسلمون منها، فأنا أطالبكم أن تقرءوا سير العلماء العاملين الذين كان لهم لسان صدق في هذه الأمة، ترى عناوين في ترجمة: اسمه كنيته أبوه أمه طلبه للعلم شيوخه تلاميذه تقواه ورعه محنته.

ويجب أن ترى هذا العنوان (محنته) لأن كل عالم امتحن وابتلي، نظرت في أغلب تراجم العلماء فوجدت أن سبب امتحانهم هم المبتدعة، حاربوا علماء السنة، والبدعة لها أثر في تفتيت لحم المسلمين على مر الأعصار، وهل التتار قتلوا مليون وثمانمائة ألف مسلم في بغداد إلا بسبب البدعة؟ من الذي أدخل هولاكو بغداد؟ أليس ابن العلقمي الرافضي؟ والرافضي هو الشيعي الغالي -الذين هم في إيران الآن- أسأل الله عز وجل أن يقطع علاقتنا بهذا البلد إلى يوم يبعثون، يريدون أن يدخلوا المراكز الشيعية في البلد، هذا حصل في السودان ويريدون أن يدعوا هنا، إنهم يكفروننا والخميني يفتي بكفر أهل السنة والجماعة، وهذا موجود في كتبهم.

وابن العلقمي الرافضي هو الذي كاتب هولاكو، وهو الذي يفتل الحبل على الغارب لخليفة المسلمين ويهدده ويتوعده، وقال له: إن هولاكو لا يريد احتلال بغداد، إنما يريد أن يدخل السوق، وجعله يترك الحبل على الغارب حتى لان الخليفة، ولم يستعد الاستعداد الكامل، ثم ماذا فعل ابن العلقمي؟ له زوجة وأولاد عمه وأولاد خاله، وكل رجل له شوكة في البلد قتلهم وذهبوا جميعًا، ما ترك منهم أحدًا، حتى ضمن أنه ليس في بغداد رجل له شوكة دخل وقتلهم جميعًا، وما استفاد ابن العلقمي شيئًا، ما أخذ وزارة ولا منصبًا، وبعد المصيبة بثلاثة أشهر كل الذي ضمنه أنه لم يقتل في جملة من قتل، مليون وثمانمائة ألف ذهبوا بسبب مبتدع رافضي يكره السنة.

نحن أشد كراهية لهؤلاء من اليهود -وأنا والله لست مبالغًا- هذه كتبهم وهذا كلامهم، يكفرون أهل السنة، فمن أراد أن يعرف فليقرأ الكتب فهي موجودة ومطبوعة، أهل البدعة ماذا فعلوا بالمسلمين في بغداد؟!! ونحن نؤذى بسبب المبتدعة أيضًا الذين يتهموننا بالإرهاب والتطرف والتشدد، من الذي يتهمنا بذلك؟!

هم المبتدعة أنفسهم، يقولون: هؤلاء لا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فهم يكرهون النبي، ويقيمون علينا الدنيا، الإرهابيون هذا اللقب منهم هم، نحن بحاجة إلى قراءة التاريخ مرة أخرى، وبحاجة أن ننظر إلى ديننا نظرة متأنية كلقمة العيش تمامًا، لماذا لا نهتم بالدين مثلما نهتم بلقمة العيش، إن هذا الدين ليس دين أحد، إن اليهود عددهم خمسة عشر مليون يهودي في العالم كله يملكون التكنولوجيا والتجارة والزراعة وكل شيء، إذا ثار واحد منهم ثارت له كل الأرض: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء:6]

هذه هي دولتهم، إذا غضبوا غضبت لهم كل ملوك الأرض، ومعهم مقاليد الدنيا كلها الآن، إنهم يتحركون للعقيدة، لما جاء وزيرهم هنا للعزاء وأصر أن يمشي إلى المنصة ما كلفه شيئًا وكلفنا إجراءات أمن باهضة، وتم إخلاء المباني كلها عمارات عشرات الأدوار ويمشي تحت العمارات لأن التوراة تحرم عليه الركوب يوم السبت ويلبس النظارة السوداء ويمشي؛ لأنه لا يخالف تعاليم التوراة، ولا يصفه أحد لا في صحفنا ولا في صحف غيرنا بالتطرف والإرهاب، لماذا يوصف المسلمون بالتطرف؟!! إن المسلمين يقتلون في البوسنة وهم المتطرفون أيضًا، هذا لقب يراد به المسلمون في العالم فقط لماذا نحن متطرفون؟!!

اليهود الذين قتلوا ثلاثمائة شخص في المسجد الأقصى بماذا يوصفون؟ يهودي رجل متنكر، ارتكب مذبحة الأقصى منذ أربع سنين في المسجد الأقصى أخذوه على الأعناق إلى السجن وما وصفه أحد بالتطرف.

إن القضية خطيرة، وإننا بحاجة في أن ننظر في أحوالنا نظرة تمعن بحاجة أن نجدد الولاء لديننا، ولا بد أن نقف في وجه المبتدعة وقفة قوية.

إن البدعة في منتهى الخطورة على الدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لفظها باللفظ الكلي الواضح الذي ما دخله تخصيص قط (كل بدعة ضلالة) وهذه الجملة من أفضل الجمل فلفظة (كل) تفيد الشمول والعموم، والتي ليس لها مخصص وليس فيها زجر، فهي جملة كلية مثبتة، لنأخذ بها للدلالة: (كل بدعة ضلالة).

وهذا القول كقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر) فكما أنه لم يدخل على كل مسكر خمر أي تخصيص، فكذلك ما دخل على (كل بدعة ضلالة) أي تخصيص.

إذا كان أحدنا قرأ في كتب العلماء أن البدعة خمسة أقسام، منها: بدعة حسنة فهذا خطأ، حتى وإن قاله عالم جليل كبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم على كل من يتكلم، الذي يقول: هناك بدعة حسنة، كأنما يقول: لا يا رسول الله! ليس كل بدعة ضلالة، بدليل وجود البدعة الحسنة، هذا معنى الكلام، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم أولى عندنا بالقبول من كلام أي إنسان مهما كان جليلًا.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.

رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا

 


 

المصدر:

محاضرة البدعة وآثارها في محنة المسلمين، للشيخ أبو إسحق الحويني

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة
اقرأ أيضا
من مقومات المجتمع المسلم: العدل | مرابط
فكر تفريغات

من مقومات المجتمع المسلم: العدل


العدل مطلوب من هذه الأمة بالذات بل من كل أحد وهو محبب إلى النفوس جميعا وتطلبه كل الفطر والعقول في المجتمعات كافة الكافر منها والمؤمن فكلها تريد العدل وكلها تدعيه وتحبه وتنشده ولكن الأمة التي تعرف الحق وهديت إلى الحق وبه يعدلون هي هذه الأمة والحمد لله

بقلم: د سفر الحوالي
628
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا | مرابط
اقتباسات وقطوف

ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا


ما أكثر الأوقات التي تضيع على من غفل عن ذكر الله تضيع بلا فائدة وأنت إذا رأيت من نفسك أن أوقاتك ضائعة بلا فائدة فيجب عليك أن تلاحظ قلبك فإن هذا لا يكون إلا من غفلة القلب عن ذكر الله ولو رأيت أو لو نظرت فيما سبق من التاريخ كيف أنتج العلماء ما أنتجوا من المؤلفات

بقلم: ابن عثيمين
629
الإلحاد نفق مظلم | مرابط
فكر الإلحاد

الإلحاد نفق مظلم


أفكار الإلحاد ما هي إلا أفكار متسلسلة تقود باتجاه واحد وذلك بعكس ما يحاول الملاحدة إظهاره حتى يختلط على المتشكك الفرق بين حرية الملحد في تصرفاته اليومية مع حرية فكره وتعدد خياراته والحقيقة هي أن للملحد أن يفعل ما شاء وقتما شاء ولكن عقله يظل دائما داخل ذلك النفق المظلم

بقلم: سامي أحمد الزين
724
المرأة المسلمة في رمضان: الاقتصاد في الطعام | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة المسلمة في رمضان: الاقتصاد في الطعام


كما أن عليك -أيتها الأخت المسلمة- في هذا الشهر العظيم أن تجتنبي ما حرم الله من أنواع الحرام كالغيبة والنميمة وإنني أحذر من خطورة اجتماعات ما بعد صلاة التراويح فإنني ألاحظ أنه يحدث في البيوت في الاجتماعات كثير من اللغط والأمور المحرمة وقول الزور وانزلاق اللسان سهل جدا

بقلم: محمد المنجد
546
الحلوى القاتلة: الإعلام الترفيهي والانحرافات الفكرية | مرابط
فكر الإلحاد ثقافة

الحلوى القاتلة: الإعلام الترفيهي والانحرافات الفكرية


الإعلام الترفيهي سلاح فكري ذو أثر شديد في نفوس المتلقين وفاعلية هذا الأثر تنجم من كونه يأتي من غير مظنته فليس هذا النوع من الإعلام مقصودا لمتطلب الأفكار الموافقة أو المخالفة ولم يكن حتى عهد قريب سوى آلة قتل للوقت وإلهاء عن الواقع وملء للفراغ ومن ثم تعود المتلقي أن يفتح حصونه أمامه مطمئنا لكونه يروح عن نفسه بما لا يستحق منه كثير تأمل ونظر وبما لا يتحد أفكاره ومسلماته فيفتح طواعية نوافذ لاوعيه لسيل دفاق من المؤثرات السمعية والبصرية

بقلم: ماهر أمير
720
دين المؤتفكات: النسوية الجزء الأول | مرابط
فكر النسوية الجندرية

دين المؤتفكات: النسوية الجزء الأول


إن الموجة الجندرية المتصاعدة في هذه الأيام والتي تدعو إلى عدم اعتبار الهوية الجنسية البيولوجية الذكر والأنثى وإنما تدعو إلى هوية جندرية جديدة مصنوعة قد يرى فيها الرجل أنه امرأة والعكس قد تشعر فيها المرأة أنها تريد أن تصبح رجلا وتؤدي دوره الاجتماعي كاملا أي أن الجنس لا دلالة له ومن حق الرجل والمرأة اختيار الدور الاجتماعي المفضل وفقا للهوية الجندرية وهذه الموجة التي تدعو إلى تقنين الشذوذ واللوطية وإطلاق الحريات الجنسية لم تصعد إلا على أكتاف الحركة النسوية ومبادئها وأفكارها التي آلت إلى الفلسف...

بقلم: عمرو عبد العزيز
2739