لا يمكن أن يقوم شخص بعمل إجرامي باسم الإلحاد.. تصريح جريء! لكن صاحبه عادة ما يراهن على الجزء المُبهم فيه، لذلك يقول مردفًا: كيف يمكن لشخص أن يرتكب جرمًا في سبيل عدم الإيمان بشيء ما؟ عدم إيماني بوجود الغول أو التنين لا يدفعني للقيام بشيء. أقول: نعم.. ولكن كراهيتك للدين والمتدينين قد تفعل ذلك، معتقد بأن: لا إله في الكون، ولا حساب بعد الموت، والحياة مادة قد يفعل ذلك.
-يحاول الملحدون تصوير معتقدهم على أنه ماحة شاسعة من الفكر يمكن للإنسان الانطلاق فيها إلى أي اتجاه يريده وبحرية تامة. ولكن الإلحاد حقيقة هو عبارة عن نفق ضيق لا يمكن لأحد أن يدخله وأن يتحرك داخله بحريّة. فما أن يدخل من طرفه إنسان حتى تتضاءل الخيارات أمامه إلى درجة يمكن معها أن نتوقع جميع إجابات الملحد قبل أن ينطق بها.
فإذا قال الملحد مثلًا أن ليس للكون خالق، يجب عليه أن يُتبع ذلك بنقي وجود أي شيء غير المادة المحسوسة، ولا خيار أمامه سوى ذلك. ثم إن أي ملحد معاصر يجب أن يؤمن بالطور، ويعارض فرض أي نوع من القيود على الحريات، ويكثر الحديث عن المصادفات، وما يمكن أن ينتج عنها، وغير ذلك من قواعد الإلحاد غير المكتوبة.. إذا هي خطوة تستلزم خطوات.
الفكرة الأساسية التي أريد إيصالها هنا هي أن أفكار الإلحاد ما هي إلا أفكار متسلسلة تقود باتجاه واحد وذلك بعكس ما يحاول الملاحدة إظهاره؛ حتى يختلط على المتشكك الفرق بين حرية الملحد في تصرفاته اليومية مع حرية فكره وتعدد خياراته. والحقيقة هي أن للملحد أن يفعل ما شاء وقتما شاء ولكن عقله يظل دائمًا داخل ذلك النفق.
ليس هناك أي وجود منطقي لما يزعمه بعض الملاحدة عن أنفسهم أنهم داروينيون في حياتهم بكل نواحيها إلا فيما يختص بصراع البقاء. إذ يقولون أنهم يؤيدون صنع اللقاحات والأدوية ويدعمون التبرع للفقراء ومساعدة الضعفاء.. فماذا إذا قرر أحد الملاحدة -ستالين مثلا- أن يمضي قدمًا بالنظرية حتى النهاية؟ هل يكون على خطأ؟ وعلى أي أساس يمكن تخطئته؟
الواقع إن النفق أضيق بكثير من أن يتقافز فيه الملحد بإجاباته المتسرعة المعروفة عنه.
المصدر:
سامي أحمد الزين، قطيع القطط الضالة: بين تناقضات دوكينز ومغالطات هيتشينز، ص49