لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الثالث

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الثالث | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

2570 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

حسنًا .. أعتقد أن الشواهد والمعطيات السابقة كافية جدًا لتزويدنا بمؤشرات في غاية الخطورة حول حجم التدهور الأخلاقي في الداخل الليبرالي والتغريبي، فالسؤال الآن: ماهي الثمرة من هذا التصور؟ وماذا يفيدنا تكلف فحص المعطيات حول الواقع الأخلاقي الليبرالي؟

 

خلاصات هامة من الواقع الليبرالي العربي

 

الحقيقة أن فحص وتحليل المعطيات حول الواقع الأخلاقي الليبرالي برغم أنها مؤذية لمشاعر المؤمن؛ إلا أنها مهمة جدًا لتحقيق عدة استنتاجات وخلاصات، منها:

 

أن بعض الذين ينسبون أنفسهم للتجديد الإسلامي من المتصالحين مع المشروع التغريبي يتورطون في تدليس حقيقة الصراع مع التيار الليبرالي، وتراهم يكررون دومًا بأن الصراع مع التيار الليبرالي صراع مفتعل، وساذج، وحول قضايا تافهة، وأنه يدور حول مشاغل ليست من حاجات المجتمع الحقيقية، ونحو هذا الكلام، وهذا تلبيس فظيع على الناس، بل الصراع بين الإسلاميين وجمهور الليبراليين هو صراع بين الفضيلة والرذيلة، وليس هذا مجرد دعوى، بل هذا باعتراف وشهادة كثير ممن هم داخل التيار الليبرالي نفسه.

 

وهل حفظ الفضيلة في المجتمع المسلم، وحماية فتيات المسلمين من هذا المشروع الانحلالي المذهل؛ ليس من حاجات المسلم الحقيقية، يا لله العجب، وهل على المسلم شيء بعد التوحيد أغلى من الأعراض؟! ألا بئست تلك النفوس التي زهدت في حفظ أعراض المسلمات..

 

ومن أعجب الإشارات القرآنية إلى هذا التيار الانحلالي المفسد أن الله تعالى قابل بين إرادة الله التوبة، وإرادة هؤلاء المفسدين انتشار العلاقات غير المشروعة، وهذا تنبيه لطيف من الله تعالى أن ضد مراد أولئك من تشريعات الزكاء والطهر ما شرعها الله لنا إلا ليتوب علينا ويزكينا ويطهرنا، قال تعالى موضحًا هذه المقابلة:
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا)[النساء، 27].

 

وما رأيت أكثر مجازفة من هؤلاء المفسدين، فإن الله لم يكتف بالعقوبة الأخروية، بل حذرهم عقوبتين، عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية، والدنيوية أعم من الحد، قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)[النور، 19]
ويحك إنك لا تطيق عقوبة ملك من ملوك الأرض، فكيف تطيق عقوبة ملك الملوك في الدنيا والآخرة؟!

 

ومن أهم النتائج لاستيعاب الانحدار الأخلاقي في الداخل التغريبي أن الشاب المسلم حين يرى ذلك يرفع يديه بحمد الله وشكره والثناء عليه أن شرفه وذاده وجنّبه الدخول في هذه المستنقعات الليبرالية، فهذا كله فضل من الله وحده جل وعلا، كما أشار كتاب الله لذلك:
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا)[النور، 21].
بل تأمل في قرب تأثير الشيطان لولا لطف الله بالعبد كما يقول تعالى:
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا)[النساء، 83]

 

يا ألله .. لاتبعنا الشيطان إلا قليلا؟!

 

فكيف لو حجب الله التوفيق عن العبد؟! والحقيقة أن تأمّل هذا يوجب للعبد مزيد تعلق بالله، وشدة تفويض الأمور إليه، والبراءة من الاغترار بالقدرات الذاتية، فإن الله تعالى إن وكلك إلى نفسك فوالله لا يبالي الله بأي أودية الدنيا هلكت، كما أشار كتاب الله لهذه الحاجة المركوزة في فطر بني آدم إلى لله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر، 15].

 

ففي القلوب صدع لا يرأبه إلا الإقبال على الله، وفي النفوس وحشة لا يطمئنها إلا ذكر الله والتعلق به (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد، 28]

 

ومن أعظم ثمرات هذا التصفح للواقع الأخلاقي الليبرالي الأليم؛ أن فيه أمارة من أمارات نبوة محمد، وتصديقًا لخبره صلى الله عليه وسلم، فكلما رأيت شدة وانهماك التغريبيين في التركيز على (ملف المرأة) تعاظم يقيني بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق خبره، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

(إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء)[مسلم، 7124]

 

وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

(ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) [البخاري، 5096]

 

ومن أعظم ثمرات اكتشاف تغرير الليبراليين بالفتيات السعوديات تحت شعارات تحرير المرأة وحقوق المرأة وعمل المرأة ونحوها؛ أننا يجب أن لا نقف متفرجين مكتوفي الأيدي، بل يجب أن نتحرك بكل ما في وسعنا لإنقاذ أكبر عدد يمكن إنقاذه من هؤلاء المستغفلات، وفي الداعيات والمثقفات الإسلاميات خير كبير، وهن الأمل -بعد الله- في تنفيذ هذه المهمة الإنقاذية بشكل إسعافي عاجل.

 

ومن نتائج الوعي بالمكر الليبرالي الخطير في ملف المرأة؛ معرفة فضل العلماء الربانيين المحتسبين الذين صاروا مرصادًا لهؤلاء المفسدين، وعامة علمائنا ولله الحمد لهم جهود مشكورة في تعليم الناس الفضيلة وتحذيرهم من مخططات هؤلاء المفسدين، ولكن الأحداث الأخيرة أظهرت إمامين اختصا بجهاد لا يكل ولا يفتر، وهما الإمامان عبدالرحمن البراك وعبدالمحسن العباد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فاسأل الله أن يزيدهما شرفًا في الدنيا والآخرة، لقاء ماقدما لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alsakran/91.htm
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #الليبرالية
اقرأ أيضا
لماذا لا نستمتع بالنعم | مرابط
فكر مقالات

لماذا لا نستمتع بالنعم


حديث رائع للدكتور إياد قنيبي يدور حول استشعار النعم التي وهبنا الله إياها وأحاطنا بها وكيف أن كثيرا من المسلمين لا يدرك هذه النعم أو يشعر بها فقد بهتت أدوات استشعار النعم في داخله وبات لا يولي نظره إلا لأهدافه التي لم يحققها أو فشل في تحقيقها فيغيب عن ناظريه قدر النعم العظيمة التي ما زال يملكها

بقلم: د إياد قنيبي
2398
قياس إبليس | مرابط
اقتباسات وقطوف

قياس إبليس


اعلم أن أول من قاس قياسا فاسد الاعتبار ابليس حيث عارض النص الصريح الذي هو السجود لآدم بأن قياس نفسه على عنصره وقاس آدم على عنصره فأنتج من ذلك أنه خير من آدم وأن كونه خيرا من آدم يمنع سجوده له المنصوص عليه من الله.

بقلم: محمد الأمين الشنقيطي
329
مخالفة المرجئة لمنهج السلف: إخراج العمل عن الإيمان | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين تفريغات مناقشات

مخالفة المرجئة لمنهج السلف: إخراج العمل عن الإيمان


ومنهج أهل السنة والجماعة في قضايا الإيمان والتوحيد أن الإيمان قول وعمل واعتقاد وهذا خلافا للمرجئة فالإيمان بإجماع أهل السنة والجماعة: تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان والإيمان قول وعمل القول باللسان فإذن قول القلب وعمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح الإيمان حقيقة مركبة من هذه الأشياء الأربعة وفي هذا المقال بيان لحقيقة الإيمان وخلاف المرجئة فيه

بقلم: محمد صالح المنجد
1216
الاستحداث.. بين العلوم المدنية والشرعية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاستحداث.. بين العلوم المدنية والشرعية


وهاهنا الفارق الجوهري الذي غاب في زحمة الفكر العربي المعاصر ذلك أن الاستحداث في العلوم المدنية: مؤشر إبداع مطلوب والاستحداث في العلوم الشرعية: مؤشر تراجع وانحطاط لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم بكل وضوح يؤكد للصحابة هذين المنهجين المتعاكسين: ففي العلوم المدنية يقول لهم: أنتم أعلم بأمر دنياكم وفي العلوم الشرعية يقول لهم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

بقلم: إبراهيم السكران
408
خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1 | مرابط
فكر الديمقراطية

خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1


الديمقراطية لما كانت تعني باختصار حكم الشعب - سواء في وضعها البدائي عند اليونان أو في تطبيقاتها المعاصرة - صار الشعب عندهم هو مصدر السلطات بما فيها أهم وأكبر السلطات وهي السلطة التشريعية التي تعد في الإسلام خالص حق الله وحده لاشريك له وبذلك أصبح الشعب في الوضع الديمقراطي المرجع الوحيد في التحليل والتحريم فالمحرم ما حرمه الشعب والمباح ما أباحه بقطع النظر عن وجود حكم شرعي مغاير بالكلية لاختيار الشعب في القرآن والسنة وإجماع الأمة عبر القرون

بقلم: د عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
2731
لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول


يستطيع الليبرالي أن يعيش ازدواجية عنيفة بين شخصيته التي يظهر بها أمام أضواء الإعلام وفي سطور مؤلفاته أو مقالاته وشخصيته الحقيقية التي تظهر عندما تنطفئ هذه الأضواء وعندما يعم الظلام ويجف مداد القلم هنا تظهر هذه الازدواجية لترى الانحلال الأخلاقي والنظرة الشهوانية الجنسية للمرأة التي تقبع داخله بينما ينادي ليل نهار بحرية المرأة والتعامل معها على أنها إنسان له حقوق وكرامة قبل كل شيء وفي هذا المقال سترى الكثير من الشهادات بألسنة الليبراليين أنفسهم لتدرك وهم الليبرالية

بقلم: إبراهيم السكران
2037