مع القلوب الصخرية

مع القلوب الصخرية | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

249 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

مع القلوب الصخرية: الحديث عن قسوة القلب حديث ذو شجون، ومن رزايا هذا الزمن أن صرنا لا نستحي من المناصحة عن قسوة القلب بينما قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة... لكن دعنا يا أخي ندردش دردشة المحبوسين يتشاجون لبعضهم كيف يهربون من معتقلات خطاياهم...

يا أخي والله لقد قرأت كثيرًا كثيرًا في كتب الرقائق والإيمانيات والمواعظ، وجربت كثيرًا من الوسائل التي ذكروها، وأصدقك القول أنني رأيتها محدودة الجدوى، لا أنكر أن فيها فائدة، لكن ليست الفائدة الفعلية التي كنت أتوقعها، ووجدت العلاج الحقيقي الفعال الناجع المذهل في دواء واحد فقط، دواء واحد لا غير، وكلما استعملته رأيت الشفاء في نفسي، وكلما ابتعدت عنه عادت لي أسقامي، هذا العلاج هو بكل اختصار (تدبر القرآن).

دع عنك كلما يذكره صيادلة الإيمان، ودع عنك كل عقاقير الرقائق التي يصفونها، واستعمل (تدبر القرآن) وسترى في نفسك وإيمانك وقوتك على الطاعات وتأبيك على المعاصي وراحة نفسك في صراعات المناهج والأفكار شيئًا لا ينقضي منه العجب.

كل تقصير يقع فيه الانسان، سواء كان تقصيرًا علميًا بالتأويل والتحريف للشريعة، أو كان تقصيرًا سلوكيًا بالرضوخ لدواعي الشهوة، فإنه فرع عن قسوة القلب.

وهل تعلم كيف تحدث قسوة القلب؟ قسوة القلب ناشئة عن البعد عن الوحي، ألا ترى الله تعالى يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]...

أرأيت يا أخي؟ إنه طول الأمد...!

لما طال بهم الأمد قست قلوبهم... ولو جددوا العهد مع الوحي لحيت قلوبهم...

فإذا قسا القلب تجرأ الانسان على الميل بالشريعة مع هواه... وإذا قسا القلب تهاون الانسان في الطاعات واستثقلها... واذا قسا القلب عظمت الدنيا في عين المرء فأقبل عليها وأهمل حمل رسالة الاسلام للناس... وإذا قسا القلب ضعفت الغيرة والحمية لدين الله...

وما العلاج إذًا؟

العلاج لما يحيك في هذه الصدور هو مداواتها بتدبر القرآن... بالله عليك تأمل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]... هكذا تقدم الآية المعنى بكل وضوح {وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}...

ولكن ما الذي في الصدور؟!

في الصدور شهوات تتشوف... وفي الصدور شبهات تنبح... وفي الصدور حجبٌ غليظة... وفي الصدور طبقات مطمورة من الرين {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]...

وهذه الدوامات التي في الصدور دواؤها كما قال الله {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس من الآية:57]...

فإذا شفيت الصدور وجدت خفة نفس في الطاعات... وإذا شفيت الصدور انقادت للنصوص بكل سلاسة ونفرت من التأويل والتحريف... وإذا شفيت الصدور تعلقت بالآخرة واستهانت بحطام الدنيا... وإذا شفيت الصدور امتلأت بحمل هم إظهار الهدى ودين الحق على الدين كله...

وأعجب من ذلك أنه إذا شفيت الصدور استقزمت الأهداف الصغيرة... تلك الاهداف التي تستعظمها النفوس الوضيعة... الولع بالشهرة... وحب الظهور... وشغف الرياسة والجاه في عيون الناس... وشهوة غلبة الأقران...

النفوس التي شفاها هذا القرآن... ترى كل ذلك حطام إعلامي ظاهره لذيذ فإذا جرب الانسان بعضه اكتشف سخافته... وأنه لا يستحق لحظة من العناء فضلًا عن اللهاث سنوات... فضلًا عن تقبل أن يقوم المرء بتحريف الوحي ليقال فلان الوسطي الراقي الوطني التنموي الحضاري النهضوي التقدمي.. الخ من عصائب الأهواء التي تعشي العيون عن رؤية الحقائق...

هل تظن يا أخي أن تحريف معاني الشريعة لا صلة له بقسوة القلب؟! أفلا تقرأ معي يا أخي قوله تعالى {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [المائدة من الآية:13]...

على أية حال... دعنا نعيد قراءة آية الشفاء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]

يا الله... هل قال الله {شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}... نعم إنه شفاء لما في الصدور... هكذا بكل وضوح...

هذا القرآن يا أخي له سحر عجيب في إحياء القلب وتحريك النفوس وعمارتها بالشوق لباريها جل وعلا... وسر ذلك أن هذا القرآن له سطوة خفية مذهلة في صناعة الاخبات والخضوع في النفس البشرية كما يقول تعالى {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج من الآية:54]..

فإذا أخبتت النفوس... وانفعلت بالتأثر الإيماني... انحلت قيود الجوارح... ولهج اللسان بالذكر... وخفقت الأطراف بالركوع والسجود والسعي لدين الله... كما يصور الحق تبارك وتعالى ذلك بقوله {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:23] لاحظ كيف تقشعر... ثم تلين... إنها الرهبة التي تليها الاستجابة... وذلك هو سحر القرآن...

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
حول مشروع الجندر | مرابط
الجندرية

حول مشروع الجندر


تدور الفكرة الرئيسية لمفهوم الجندر حول أن صفاتنا النفسية والاجتماعية وأدوارنا لا تولد معنا بل نكتسبها من خلال التربية والثقافة المحيطة وأن الاختلاف الطبيعي الوحيد بين الذكر والأنثى هو في تلك الوظيفة الإنجاب أما الاختلافات الأخرى من حيث الطباع أو الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها كل من الذكر والأنثى فهي ليست مرتبطة بالاختلافات البيولوجية أو الفيزيولوجية الموجودة في جسد كل منهما بل بسبب عوامل اجتماعية صنعها البشر أنفسهم

بقلم: الحارث عبد الله بابكر
387
مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج1 | مرابط
مناظرات

مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج1


أما بعد.. فقد كتبت ما حضرني ذكره في المشهد الكبير بقصر الإمارة والميدان بحضرة الخلق من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء العامة وغيرهم في أمر البطائحية يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة خمس أي بعد السبعمائة لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس على الاطلاع عليه. فإن من كان غائبا عن ذلك قد يسمع بعض أطراف الواقعة ومن شهدها فقد رأى وسمع ما رأى وسمع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
466
أثر الصوم في النفوس | مرابط
تعزيز اليقين فكر

أثر الصوم في النفوس


الإسلام دين تربية للملكات والفضائل والكمالات وهو يعتبر المسلم تلميذا ملازما في مدرسة الحياة دائما فيها دائبا عليها يتلقى فيها ما تقتضيه طبيعته من نقص وكمال وما تقتضيه طبيعتها من خير وشر ومن ثم فهو يأخذه أخذ المربي في مزيج من الرفق والعنف بامتحانات دورية متكررة لا يخرج من امتحان منها إلا ليدخل في امتحان وفي هذه الامتحانات من الفوائد للمسلم ما لا يوجد عشره ولا معشاره في الامتحانات المدرسية المعروفة

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
1390
تميز السلف بكثرة الحفظ لإخلاصهم وهمتهم العالية | مرابط
تفريغات

تميز السلف بكثرة الحفظ لإخلاصهم وهمتهم العالية


إنك عندما تنظر إلى هؤلاء الأعلام وإلى عزائمهم وتنظر إلى المتأخرين مع توفر الإمكانات وسهولة الحركة والتنقل ومع ذلك لا ترى عند هؤلاء -المتأخرين من أهل العلم- عشر معشار ما عند المتقدمين فالواحد لا يستطيع أن يحفظ مائة حديث مسند فيدخل حديثا في حديث ويدخل متنا في متن وتضطرب عليه الكلمات أما أولئك فكانوا يحفظون الألوف المؤلفة من الأسانيد وقصة البخاري المشهورة لما دخل بغداد فقلبوا عليه الأحاديث خير دليل على ذلك فالبخاري كان يحضر مجلسه مائة ألف ولم يكن في وجهه شعرة حتى كان بين المستملي والمستملي عشر...

بقلم: أبو إسحق
652
شبهة: إذا كان إبليس من الملائكة فكيف عصى الله | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: إذا كان إبليس من الملائكة فكيف عصى الله


تقول الشبهة: يؤكد القرآن أنه لا يمكن للملائكة أن تعصى الله 66: 6 ومع ذلك فقد عصى إبليس الذي كان من الملائكة كما في الآية 2: 34 فأيهما صحيح وفي المقال الذي بين يدينا يقف بنا الكاتب محمد عمارة على تفاصيل وجوانب هذه الشبهة ويوضح الأخطاء الموجودة فيها ويرد عليها

بقلم: محمد عمارة
2129
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثالث ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثالث ج2


نحن لا نفهم قيمة العلوم الحياتية حقيقة وبالذات الشباب الملتزم الذي له واجهة إسلامية واضحة فهو لا يعطي هذا الأمر قدرا وقد ساهم في ذلك -وللأسف الشديد- بعض علماء المسلمين فبعض علماء المسلمين قديما وإلى الآن يسير على نهجهم البعض صنفوا العلوم إلى علوم شرعية وحياتية إلى علوم دينية ودنيوية أو علوم أخروية ودنيوية فقالوا: علوم الدين كالفقه والتوحيد والتفسير والحديث وما إلى ذلك وقالوا: علوم الدنيا كالطب والهندسة والفلك وغيرها من العلوم فما الذي نتج عن ذلك نتج أن الإنسان الملتزم بدينه يشعر بحرج شديد أ...

بقلم: د راغب السرجاني
620