مع القلوب الصخرية

مع القلوب الصخرية | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

330 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

مع القلوب الصخرية: الحديث عن قسوة القلب حديث ذو شجون، ومن رزايا هذا الزمن أن صرنا لا نستحي من المناصحة عن قسوة القلب بينما قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة... لكن دعنا يا أخي ندردش دردشة المحبوسين يتشاجون لبعضهم كيف يهربون من معتقلات خطاياهم...

يا أخي والله لقد قرأت كثيرًا كثيرًا في كتب الرقائق والإيمانيات والمواعظ، وجربت كثيرًا من الوسائل التي ذكروها، وأصدقك القول أنني رأيتها محدودة الجدوى، لا أنكر أن فيها فائدة، لكن ليست الفائدة الفعلية التي كنت أتوقعها، ووجدت العلاج الحقيقي الفعال الناجع المذهل في دواء واحد فقط، دواء واحد لا غير، وكلما استعملته رأيت الشفاء في نفسي، وكلما ابتعدت عنه عادت لي أسقامي، هذا العلاج هو بكل اختصار (تدبر القرآن).

دع عنك كلما يذكره صيادلة الإيمان، ودع عنك كل عقاقير الرقائق التي يصفونها، واستعمل (تدبر القرآن) وسترى في نفسك وإيمانك وقوتك على الطاعات وتأبيك على المعاصي وراحة نفسك في صراعات المناهج والأفكار شيئًا لا ينقضي منه العجب.

كل تقصير يقع فيه الانسان، سواء كان تقصيرًا علميًا بالتأويل والتحريف للشريعة، أو كان تقصيرًا سلوكيًا بالرضوخ لدواعي الشهوة، فإنه فرع عن قسوة القلب.

وهل تعلم كيف تحدث قسوة القلب؟ قسوة القلب ناشئة عن البعد عن الوحي، ألا ترى الله تعالى يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]...

أرأيت يا أخي؟ إنه طول الأمد...!

لما طال بهم الأمد قست قلوبهم... ولو جددوا العهد مع الوحي لحيت قلوبهم...

فإذا قسا القلب تجرأ الانسان على الميل بالشريعة مع هواه... وإذا قسا القلب تهاون الانسان في الطاعات واستثقلها... واذا قسا القلب عظمت الدنيا في عين المرء فأقبل عليها وأهمل حمل رسالة الاسلام للناس... وإذا قسا القلب ضعفت الغيرة والحمية لدين الله...

وما العلاج إذًا؟

العلاج لما يحيك في هذه الصدور هو مداواتها بتدبر القرآن... بالله عليك تأمل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]... هكذا تقدم الآية المعنى بكل وضوح {وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}...

ولكن ما الذي في الصدور؟!

في الصدور شهوات تتشوف... وفي الصدور شبهات تنبح... وفي الصدور حجبٌ غليظة... وفي الصدور طبقات مطمورة من الرين {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]...

وهذه الدوامات التي في الصدور دواؤها كما قال الله {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس من الآية:57]...

فإذا شفيت الصدور وجدت خفة نفس في الطاعات... وإذا شفيت الصدور انقادت للنصوص بكل سلاسة ونفرت من التأويل والتحريف... وإذا شفيت الصدور تعلقت بالآخرة واستهانت بحطام الدنيا... وإذا شفيت الصدور امتلأت بحمل هم إظهار الهدى ودين الحق على الدين كله...

وأعجب من ذلك أنه إذا شفيت الصدور استقزمت الأهداف الصغيرة... تلك الاهداف التي تستعظمها النفوس الوضيعة... الولع بالشهرة... وحب الظهور... وشغف الرياسة والجاه في عيون الناس... وشهوة غلبة الأقران...

النفوس التي شفاها هذا القرآن... ترى كل ذلك حطام إعلامي ظاهره لذيذ فإذا جرب الانسان بعضه اكتشف سخافته... وأنه لا يستحق لحظة من العناء فضلًا عن اللهاث سنوات... فضلًا عن تقبل أن يقوم المرء بتحريف الوحي ليقال فلان الوسطي الراقي الوطني التنموي الحضاري النهضوي التقدمي.. الخ من عصائب الأهواء التي تعشي العيون عن رؤية الحقائق...

هل تظن يا أخي أن تحريف معاني الشريعة لا صلة له بقسوة القلب؟! أفلا تقرأ معي يا أخي قوله تعالى {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [المائدة من الآية:13]...

على أية حال... دعنا نعيد قراءة آية الشفاء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]

يا الله... هل قال الله {شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}... نعم إنه شفاء لما في الصدور... هكذا بكل وضوح...

هذا القرآن يا أخي له سحر عجيب في إحياء القلب وتحريك النفوس وعمارتها بالشوق لباريها جل وعلا... وسر ذلك أن هذا القرآن له سطوة خفية مذهلة في صناعة الاخبات والخضوع في النفس البشرية كما يقول تعالى {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج من الآية:54]..

فإذا أخبتت النفوس... وانفعلت بالتأثر الإيماني... انحلت قيود الجوارح... ولهج اللسان بالذكر... وخفقت الأطراف بالركوع والسجود والسعي لدين الله... كما يصور الحق تبارك وتعالى ذلك بقوله {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:23] لاحظ كيف تقشعر... ثم تلين... إنها الرهبة التي تليها الاستجابة... وذلك هو سحر القرآن...

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
شبح الحروب الصليبية الجزء الثالث | مرابط
تاريخ مقالات

شبح الحروب الصليبية الجزء الثالث


إن العالم الغربي اليوم لا يزال تائها تماما في إجلال الإنتاج الماضي وفي الاعتقاد أن الرفاهية الرفاهية وحدها إنما هي الهدف الذي يستحق أن يكدح الإنسان إليه إن مادية الغرب وجحوده للتوجيه الديني في التفكير يزدادان كل يوم قوة ولا ينقصان كما يظن بعض المتتبعين لهذه القضية من المسلمين المتفائلين

بقلم: محمد أسد
2106
القلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن | مرابط
اقتباسات وقطوف

القلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن


وهذا القلب إنما يستمد مادة حياته من المحن ومن العوارض ومن المتاعب فالجوارح تستمد حياتها من الراحة أما القلب فهو يستمد حياته من المحن ففيها سلامة القلب فالقلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن ولذلك اختار الله عز وجل البلاء فجعله من نصيب أوليائه

بقلم: أبو إسحق الحويني
519
ظاهرة الليبراليين الفقهاء | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

ظاهرة الليبراليين الفقهاء


ومن طريف أمر فقهائنا الليبراليين أنهم حين يلجون مسائل الدين القطعية وأصول الإسلام الكلية يتعاملون معها بنسبية الحقيقة وتعدد التفسيرات ورفض الوصاية وقبول كافة الاجتهادات مما يغيب معه حق واحد واضح في هذه القطعيات وحين ينزلون إلى المسائل الفروعية الفقهية الاجتهادية يتعاملون معها بوثوقية عالية وقطعية جازمة وحسم تام يرمي كل من يشكك في بعض حيثيات الحكم بالتشدد والانغلاق والفهم البليد

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1884
التجديد في أصول الفقه؟ | مرابط
تفريغات

التجديد في أصول الفقه؟


بعض المدارس اليوم تقول: التجديد في أصول الفقه ويقولون ما شأننا بقواعد أصول الفقه التي سار عليها الإمام الشافعي فقد مر عليها أكثر من ألف سنة نحن نضع قواعد للفهم تتناسب مع العصر الحاضر أو بعبارة أخرى نحن نريد هدم القواعد التي سار عليها السلف ليست قضيتهم وضع قواعد بالعكس هم يريدون الأمر كما يقولون: قدسية النص وحرية القراءة.

بقلم: عامر بهجت
514
ليلة في بيت النبي الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الرابع


والرسول عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام مسلم عن شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة: بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته قالت: بالسواك فأول ما يدخل البيت يستاك وهذا نوع من إزالة الرائحة الكريهة التي يمكن أن تكون في الفم فالإنسان ينبغي عليه أن يحرص على هذا فهذه المرأة تمدح زوجها بأنه طيب العشرة ولم يفتها أن تصفه بطيب الرائحة

بقلم: أبو إسحق الحويني
708
تفسير سورة العصر 3 | مرابط
تفريغات

تفسير سورة العصر 3


سورة العصر سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من دلالة الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيهه أيضا إلى رشده ما يستيقظ منه الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم يعني: سورة العصر وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التي يتوقف الإنسان عندها حائرا مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار سور القرآن ولكنها عظيمة المعاني

بقلم: عبد العزيز الطريفي
2360