لا بد أن تُعدَّ لهذا السؤال جوابا أيها المبارك فإنك مسؤول عنه لا محالة، فبرهان صدق المُحب التضحيةُ لأجل المحبوب وإيثاره على ما سواه.
لقد ترك سيدنا إبراهيم محبوبات كثيرة امتحنه الله تعالى بها، كان أعظمها امتحانه بذبح ولده لأجله، فنجح في اجتياز الاختبار بمرتبة الشرف الأولى، ونال رضى المحبوب ووسام الخلة.
وهجر سيدنا لوط منكرات قومه وهاجر إلى ربه بعد أن ناله منهم كل أنواع الأذى طلبا لمرضاته وقربه.
وترك يوسف الصديق أعظم شهوات الغريزة البشرية مع تمكنه منها وقدرته عليها وكان السجن أحب إليه على ما فيه من ضيق ومرارة إيثارا لمحبوبه الأعلى الذي يحبه ويرجوه ويخشاه ويستحيي منه، فأثابه الله بمقام (إنه من عبادنا المخلَصين)
وهجر رسولنا الحبيب وصحابته الكرام موطنهم وأحب البقاع إليهم وتركوا منازلهم وتجاراتهم وأموالهم لنيل رضى المحبوب الأعلى.
وقد ترك كل واحد من الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار شيئا يحبه لأجل الله:
فأحدهم ترك الطعام على جوع في نفسه وأهله وولده لأجل البر الذي يحبه مولاه.
والثاني ترك ما قدر عليه من الشهوة المحرمة التي كان ينتظرها ساعة بساعة، لكلمة (اتق الله).
والثالث ترك مالا عظيما أدى به الأمانة لأجير لا يعلم عن ماله شيئا، وكان يرضيه أن يأخذ أجرته فحسب، كل هذا لأنه يتعامل مع الله العظيم الذي يعلم السر وأخفى.
وقائمة العرض لمواقف الصالحين تطول، فأين أنت منهم؟!
لو قال لك الله حين تلقاه:
عبدي .. أي قدر كان لي في قلبك؟!
على أي محبوباتك آثرتني؟!
ماذا سيكون جوابك لو سألك الجليلُ ماذا تركت لأجلي؟!
يا لروعة الجواب حين يكون:
- تركت لأجلك دفءَ الفراش ولذة النوم وسعيت إلى بيوتك في ظلمة الليل.
- تركت لأجلك شهوات بها يلذ السمع والبصر والبطن والفرج، كانت في متناول اليد، لكني خفت مقامك واستعظمت معصيتك.
- تركت لأجلك أموالا كنتُ في أمسِّ الحاجة إليها لكنها لم تسلم من شبهة، فآثرت السلامة منها لمرضاتك.
- تركت الانتقام لنفسي ولم أنفذ غضبي مع قدرتي عليه طلبا لعفوك.
- تركت ما لا يعنيني، وتركت المراء مع أني محق لأني أعلم أنك تكرهه.
- تركت القعود في المناطق المريحة الآمنة مع القاعدين، وأبيت السكوت مع الخانعين، فصدعت بالحق ونصحت لك ولدينك ورسولك وللمسلمين حتى نالني الأذى في سبيلك.
ويقول الشاب التائب: لأجلك ربي تركتُ رفقاء الطيش وطريق الهوى وآثرت طريق العفاف والهدى، وصبرت على مقاومة كل وسائل الجذب والإغراء حتى صرت بين الشباب غريبا في مظهري ومخبري.
وتقول أمة الله: لأجلك ربي تركت التبرج والزينة التي أحب، وخالفت بيئتي المتحررة التي فيها نشأت، ونالني فيك السخرية والأذى.
وتتعدد المواقف وتتنوع التضحيات، بالمال .. المنصب .. المركز والجاه .. والحظوظ الفانية التي لا حصر لها، وأعلاها على الإطلاق الجود بالنفس لأجل المحبوب وهو مقام الشهداء الذي يلي مقام الأنبياء والصديقين.
فيامن سألت ربك منازل الشهداء أبصر في مطلبك الشريف واعلم أن دونه مراتب ومراتب في التضحية عليك أن تجتازها. وادخر في خبيئاتك المكنونة ملفا خاصا عنوانه: (ماذا قدمت لأجله).